المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : 1- المقدمة



عبد السلام مازن ابو خلف
22-10-2009, 11:36
بسم الله الرحمن الرحيم


كتاب منهاج الوصول إلى علم الأصول
في علم أصول الفقه
للإمام العلامة القاضي البيضاوي
غفر الله تعالى له




الشرح

تعريف أصول الفقه
أصول الفقه:كلفظ مفرد هو معرفة دلائل الفقه إجمالا أي التصديق بأحوال أدلة الفقه الإجمالية ،فأدلة الفقه تتناول الأدلة الأربعة المتفق عليها وغيرها، والمقصود بمعرفتها ليس تصور مفاهيمها فقط بل التصديق بالنسب بين أحوال الأدلة ومدلولاتها الكلية ، وكيفية الاستفادة منها أي ومعرفة هيئة استفادة الأحكام الشرعية بواسطتها من الأدلة التفصيلية ،وحال المستفيد أي ومعرفة حال مستفيد الحكم مطلقا ؛فيدخل المجتهد والمقلد .


حد الفقه
والفقه: العلم أي التصديق؛ إذ التصور للأصولي ولا يشترط أن يتعلق التصديق بجميع مسائل الفن بل يكفي حصول الملكة التي يتمكن مَن قامت به مِن تحصيل مسائله والتصديق بها بالأحكام الشرعية أي التصديق بكيفية تعلقها بأفعال المكلفين كأن تعلم أن التحريم ثابت للربا مثلا العملية قيد مخرج للاعتقادية المكتسبة من أدلتها صفة للأحكام فيدخل المقلد لان علمه ليس مكتسبا منها بل من غيره وفي بعض النسخ:(المكتسبُ) فيكون وصفا للعلم؛ فيخرج المقلد التفصيلية أي الجزئية.

اعتراض الباقلاني
.قيل: الفقه أي الأحكام الفقهية من باب الظنون أي غير مقطوع النسبة إلى الله وما هذا حاله لا يجوز أن يقال في تعريفه:(العلم) لأن العلم يعني القطع بالمعلوم والمعلوم هنا مظنون؛ لتطرق الاحتمال إلى دليله إما من جهة سنده كخبر الآحاد أو من جهة دلالته؛ لأن القطعية في الدلالة تتوقف على خلو الخبر من تسعة أمور هي: المجاز والاشتراك والنقل والإضمار والتقديم والتأخير والنسخ والتخصيص والتعارض العقلي، ونفيها إنما ثبت بدليل ظني وهو أن الأصل عدمها ودلالة الأصل ضعيفة، وأما الإجماع القطعي السند فهو نادر، وأما القياس فهو مبني على الخبر وقد تقدم ضعفه.

قلنا:المجتهد إذا ظن الحكم بأن استفاده من طريق ظني؛ فإنه قد وجب عليه الفتوى والعمل به،للدليل القاطع أي الإجماع؛فقد أجمعت الأئمة على وجوب اتباع الظن في الأحكام العملية، وما وجب العمل به فهو حكم الله قطعا ؛إذ يستحيل أن يكلف الله عباده بما ليس حكما له ،فالحكم مقطوع به أي مقطوع بوجوب العمل به والظن في طريقه أي في طريق استفادة الحكم لا في ذات الحكم .

ودليله المتفق عليه أي وأدلة الفقه المتفق عليها بين الأئمة هي :الكتاب والسنة والإجماع والقياس.
ولا بد للأصولي من تصور الأحكام الشرعية بأقسامها وخصائصها، فالأحكام تقع محمولات لأحوال الأدلة في مسائل علم الأصول، ويعرض لها الإثبات تارة والنفي تارة أخرى فكان لابد للمجتهد من تصور الأحكام ليتمكن من إثباتها لأحوال الأدلة مثل:الأمر يفيد الوجوب ونفيها عنها مثل: النهي يفيد التحريم .

لا جرم رتبناه على مقدمة في الأحكام وما تتعلق به وسبعة كتب الأربعة الأولى منها للأدلة المتفق عليها والخامس للمختلف فيها والسادس لهيئة الاستفادة منها والسابع لحال المستفيد، أما المقدمة ففي الأحكام ومتعَلَّقاتها؛ وفيها بابانِ.

عبد السلام مازن ابو خلف
22-10-2009, 15:37
والمقصود بمعرفتها ليس تصور مفاهيمها فقط بل التصديق بالنسب بين أحوال الأدلة ومدلولاتها الكلية ،


قوله "مدلولاتها الكلية" :أي كالأحكام الكلية من الوجوب و الحرمة والصحة والفساد...إلخ ،فالأحكام الشرعية يتعلق فيها أكثر من نظر من أكثر من جهة؛ فالمتكلم ينظر فيها من جهة إثباتها؛ فيثبت وجود منشئها وصحة إنشائه لها، والأصولي ينظر فيها من جهة تصورها؛ فيتصورها وأدلتها الكلية من حيث هي هي، ومن حيث دلالتها على المدلولات الكلية، والفقيه ينظر فيها من جهة تصديقها أي التصديق بكيفية تعلق الأحكام بأفعال المكلفين؛ فالفقيه يقوم بتنزيل تصورات الأصولي على مصاديقها وهي الأفعال الإنسانية، والمتصوف ينظر فيها من جهة تثميرها أي ثمرة العمل بها؛ فالمتصوف ينظر في كيفية جعل العمل بمصاديق الأحكام مثمرا في الدنيا والآخرة.




وكيفية الاستفادة منها أي ومعرفة هيئة استفادة الأحكام الشرعية بواسطتها من الأدلة التفصيلية ،

وذلك بمعرفة أيِّ الأدلة الكلية يستخدم عند أيِّ المواضع، وترتيب استخدامها إذا اجتمعت من حيث الأوَّلية، والتوفيق بينها في حال ظهر تعارض.

شفاء محمد حسن
23-10-2009, 09:49
الأخ الفاضل عبد السلام.. جزاكم الله خيرا.. سأتابعكم بإذن الله فأنا أَدرُس الآن ((المنهاج)) لكني مازلت في البدايات، واعتمادي على شرح الإمام السبكي، والإمام الإسنوي -رحمهما الله- وشرح شيخي حفظه الله، وأحيانا شرح الشيخ السعيد حفظه الله..
لي تعليق بسيط على قولكم:

قلنا:المجتهد إذا ظن الحكم بأن استفاده من طريق ظني؛ فإنه قد وجب عليه الفتوى والعمل به، للدليل القاطع أي الإجماع؛ فقد أجمعت الأئمة على وجوب اتباع الظن في الأحكام العملية، وما وجب العمل به فهو حكم الله قطعا؛ إذ يستحيل أن يكلف الله عباده بما ليس حكما له، فالحكم مقطوع به أي مقطوع بوجوب العمل به والظن في طريقه أي في طريق استفادة الحكم لا في ذات الحكم

العبارة الحمراء تحتاج لإعادة صياغة، لأن مؤدى الاجتهاد وهو الحكم لا يقطع بأنه حكم الله، بل يظن..
فربما كان الأفضل أن تكون: وما وجب العمل به، فهو حكم الله تعالى في حق من أداه إليه اجتهاده..
فالمجتهد لا يقطع بأن هذا الحكم هو حكم الله، لكنه يظن ذلك، لكنه يقطع بوجوب عمله به..

وقد كتبت على هذه المسألة، وأظن أنني نقلته من درس شيخي -حفظه الله-: ما غلب على الظن يتعبد به من حيث وجوب فعله أو تركه، لا من حيث كون ذلك الفعل واجبا أو حراما في نفس الأمر.. فيبقى الحكم في المسألة ظني، ووجوب فعله قطعي..

وفي انتظار المزيد منكم، جزاكم الله خيرا..

علي محمود العمري
23-10-2009, 11:43
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الحبيب عبد السلام،
بارك الله فيك، ونفعك بهذه الهمة العالية التي عودتنا عليها دائما.
أما قولك:

المجتهد إذا ظن الحكم بأن استفاده من طريق ظني؛ فإنه قد وجب عليه الفتوى والعمل به،للدليل القاطع أي الإجماع؛فقد أجمعت الأئمة على وجوب اتباع الظن في الأحكام العملية، وما وجب العمل به فهو حكم الله قطعا ؛إذ يستحيل أن يكلف الله عباده بما ليس حكما له
فالمسألة –كما لا يخفا عليكم- ليست بهذه البساطة، وقد اختلفت الأمة فيها قديما وحديثا،
وأصل هذه المسألة هو: هل لله تعالى في كل مسألة ظنية حكم شرعي مقرر قبل اجتهاد المجتهدين ؟ أم أن الحكم الشرعي في كل مسألة هو ما يؤدي إليه اجتهاد المجتهد، أياً كان الاجتهاد؟
فمن قال: بأنه ليس لله تعالى في كل مسألة ظنية حكمٌ مقرر، بل حكمه تعالى هو ما أدى إليه اجتهاد المجتهد، أو بمعنى آخر، من قال بأن الأحكام الظنية ليس لها ثبوت في نفسها، قال: بأن كل مجتهد مصيبٌ لحكم الله تعالى، وهؤلاء هم المصوبة.
ومن قال: بأن لله تعالى حكم معين في كل مسألةٍ ، قالوا: إن أصاب المجتهد ذلك الحكم فقد أصاب مراد الله، وإن أخطأه فقد أخطأ، ولكن لا إثم عليه في ذلك إذا استفرغ وسعه في النظر في الأدلة قبل الاجتهاد.
والمصوبة هم الجمهور من المتكلمين، كالأشعري –فيما هو مشهور عنه، ومن الأشاعرة من نفى ذلك عنه- والغزالي والقاضي أبي بكر الباقلاني، وأبي الهذيل وأبي علي وأبي هاشم من المعتزلة، وأبي يوسف ومحمد بن الحسن صاحبي أبي حنيفة وغيرهم.
أما المخطئة فهم الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ من المتقدمين والمتأخرين، وأكثر المتأخرين من الأصوليين، وابن فورك وأبو إسحاق الإسفراييني من الأشاعرة، والشيعة الإمامية.
فإذا كان هذا هكذا، فكيف تقطع في المسألة دون أن تشير حتى إلى كونها خلافية.
وسامحونا على تطفلنا على بضاعتكم.

عبد السلام مازن ابو خلف
24-10-2009, 13:48
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إنه لمن الشرف لي أن أتدارس مع أمثالكما من فضلاء طلاب العلم، فجزاكما الله ألف خير، وبعد:
إعتراضكما على العبارة اعتراض صحيح موجَّه؛ فالعبارة موهمة وإن كنت لم أقصد المعنى الخاطئ المتوهم منها، وقد كنت لما كتبتها شعرت بإيهامها فعلقت عليها في الحاشية لأبين مقصودي منها فقلت:" في هذا الكلام نظر؛ لأن المجتهدَين وإن اختلفا في حكم مسألة ظنية فإنه يجب عليهما الفتوى والعمل بما توصلا إليه مع القطع بكون حكم أحدهما ليس حكما لله على رأي المخطئة"، ثم بينت أن مقصودي من العبارة: وهو أن كل حكم وجب على المكلف العمل به فهو مقطوع النسبة إلى الله، لا على سبيل أنه حكم الله المعين كما نبه على ذلك أخي الشيخ علي، بل على أنه حكم الله في حق العبد سواء كان مجتهدا أو مقلدا، إذ يستحيل أن يكلف الله عبدا بما ليس حكما له.

وحاصله أن عبارتي في الشرح موهمة، فتقيد بالقيد الذي قالته الأخت الفاضلة فتصبح العبارة هكذا:
" وما وجب العمل به على العبد فهو حكم الله في حق العبد قطعا ؛إذ يستحيل أن يكلف الله عباده بما ليس حكما له"
فجزيتم خيرا على هذه المشاركات المفيدة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

شفاء محمد حسن
25-10-2009, 10:47
بسم الله الرحمن الرحيم

الأخ الفاضل.. حقيقة لا أظن أن هذه المسألة مبنية على مسألة (هل كل مجتهد مصيب؟)، نعم أنا أول مرة قرأتها ظننت أنها مبنية عليها، فرجعت إلى كل الشروح التي عندي وهي أربعة: شرح الإمام السبكي، والإمام الإسنوي، والإمام الأصفهاني، والإمام الجزري -رحمهم الله-، فلم أجد أحدا منهم بناها على تلك، والسبب في ذلك -على ما أظن- أن كلا من المصوبة والمخطئة لا يقطعون بنسبة الحكم إلى الله تعالى، بل غاية ما يعتقده المصوب أن كل من اجتهد فهو مصيب لحكم الله تعالى، واعتقاده هذا ظني؛ لأن اعتقاده بذلك محتمل لخلافه وهو أن يكون المصيب واحدا، ومادام الاحتمال موجودا، فلا يمكن القطع بالحكم..
ولأنهم فسروا هذا الجواب وهو: (أن حكم الله في حق كل مجتهد ما أداه إليه اجتهاده) بالنظر إليه من حيث إن المجتهد يكلف بالعمل بما أداه إليه اجتهاده قطعا؛ لا من حيث كون الحكم الذي وصل إليه المجتهد هو حكم الله في نفس الأمر؛ لأن هذا لا قطع فيه، وأما الأول وهو وجوب العمل فهو محل القطع.. والله أعلم..

وأرجو أن يكون كلامي واضحا..

علي محمود العمري
25-10-2009, 14:04
أختي الفاضلة،
نص الإمام البيضاوي كالتالي:
"المجتهد إذا ظن الحكم وجب عليه الفتوى والعمل به؛ للدليل القاطع على وجوب اتباع الظن، فالحكم مقطوع به، والظن في طريقه"
وهذه العبارة مسلمة من الجميع، للدليل القاطع الذي ذكره الإمام، وليس للتصويب والتخطئة مدخل في هذه العبارة، لذلك لم يتطرق للمسألة أحد الشراح في هذا الموضع.
ولكن الإشكال يتأتى من قول الشيخ عبد السلام: "وما وجب العمل به فهو حكم الله قطعا"
فهنا الخلاف بين المصوبة والمخطئة، وليس في عبارة البيضاوي.
أما قولك أختي الفاضلة:

والسبب في ذلك -على ما أظن- أن كلا من المصوبة والمخطئة لا يقطعون بنسبة الحكم إلى الله تعالى، بل غاية ما يعتقده المصوب أن كل من اجتهد فهو مصيب لحكم الله تعالى، واعتقاده هذا ظني؛ لأن اعتقاده بذلك محتمل لخلافه وهو أن يكون المصيب واحدا، ومادام الاحتمال موجودا، فلا يمكن القطع بالحكم..


فالذي أعرفه –وأرجو التصحيح إن أخطأت- أن المصوبة يقولون بأنه ليس لله حكم معين في الواقعة قبل اجتهاد المجتهد، فحكم الله يتبع ظن المجتهد، فيكون كل اجتهاد ظني، هو حكم الله في حق المجتهد الذي وصل إليه، وعلى هذا، فكل مصوب لا بد أن يقطع بأن حكمه الظني هو عين حكم الله في حقه، ويقطع كذلك بأن المجتهد الآخر قد أصاب حكم الله أيضا.

حيث إن المجتهد يكلف بالعمل بما أداه إليه اجتهاده قطعا؛ لا من حيث كون الحكم الذي وصل إليه المجتهد هو حكم الله في نفس الأمر
فالمصوبة لا يقولون بوجود حكم لله في نفس الأمر.

عبد السلام مازن ابو خلف
25-10-2009, 14:51
ولكن الإشكال يتأتى من قول الشيخ عبد السلام: "وما وجب العمل به فهو حكم الله قطعا"



سأذكر غدا بإذن الله سبب إيرادي لهذه الجملة لانشغالي اليوم

عبد السلام مازن ابو خلف
26-10-2009, 12:38
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

أما عن قولي: "وما وجب العمل به فهو حكم الله قطعا " فقد عرفت ما فيه من إيهام، وإن كنت قد جئت به للتخلص من إلزام الأسنوي والمطيعي المبني على فهمهما لعبارة البيضاوي، بيانه أن الأسنوي والمطيعي اعترضوا على قول الإمام البيضاوي: "أن الحكم مقطوع به من جهة الإجماع على وجوب العمل به لا من جهة طريق ثبوته"،بالمعنى، وحاصل ما قالوه" هو أن المقصود بالعلم في تعريف الفقه هو العلم المكتسب من الادلة التفصيلية أي العلم الناشئ عنها وليس الناشئ عن وجوب العمل بالحكم، وأن الفقه ليس هوالعلم بوجوب العمل بالحكم المظنون بل العلم بالحكم نفسه، وعلى هذين الإيرادين فالمراد من العلم في تعريف الفقه هو الظن مجازا وعلاقته المجاورة الذهنية، وليس كما ذكر البيضاوي وتكلف في تخريجه"، انتهى بالمعنى.
أما الأيراد الأول فممنوع لأن البيضاوي لم يقل في تعريف الفقه:"العلم بالأحكام... المكتسب من..." بل قال:" العلم بالأحكام...المكتسبة من.." فليس العلم في تعريف الفقه هو العلم الناشئ عن الأدلة الظنية حتى يقال إنه ظني، بل هو العلم بالأحكام الناشئة هي عن الأدلة لا العلم، وإن سلم بناءً على ما في بعض النسخ؛ فنقول كما قال البيضاوي:"إن وجوب العمل بالحكم يورثنا علما بالحكم من هذه الجهة لا من جهة طريق ثبوته"، بالمعنى، فبقي الإيراد الثاني.

وحينها قلت في نفسي أن الجميع يسلم ان الحكم مقطوع به من جهة وجوب العمل به مظنون من جهة طريق ثبوته، ولكن الخلاف في أن جهة الحكم المقطوع بها هل هي التي تسمى فقها بحيث يصبح تعريف الفقه هو العلم بوجوب العمل بالحكم المظنونة طريقه أم ليست هي؟؟ نسب أكثر الشراح الرأي الاول للبيضاوي وخطأه بعضهم على أساسه، واختاروا الرأي الثاني،والتزموا ان العلم هنا بمعنى الظن مجازا كما علمت، وهو ما كان البيضاوي قد رفضه.

وعندما تدبرت في عبارة الإمام البيضاوي وجدت انها تحتمل وجها آخر غير الوجه الذي فهمه الاسنوي والمطيعي-وهذا لا يعني أننا نسلم صحة اعتراضهما على الوجه الذي فهماه أصلا بل سيأتي بيان خطئه-، ويتبين ذلك بقولنا:هل جهة الحكم المقطوع بها هي الجهة التي يسمى العلم بها فقها كما فهم الاسنوي والمطيعي، أم أن هذه الجهة تستلزم كون الحكم ذاته مقطوعا به، والفقه هو العلم بذات الحكم المقطوع به،جزمت بالثاني، إذ به ينتفي إيراد الباقلاني بأن الفقه من باب الظنون، وإيراد الاسنوي والمطيعي وهو أليق بعبارة البيضاوي، ولكن وجب علي أن أبين ما جهة استلزام وجوب العمل بالحكم لكونه مقطوعا به أي مقطوعا بأنه حكم لله،وأن أبين ما معنى كونه مقطوعا به بأنه حكم الله، فبينت جهة الاستلزام في الشرح ومعنى كونه مقطوعا به في الحاشية، فقلت مبينا جهة الاستلزام"إذ يستحيل ان يكلف الله عباده بما ليس حكما له" وهو ظاهر،وسيزداد وضوحا عند معرفة ما معنى"مقطوعا به"، وقلت موضحا معنى"انه حكم الله قطعا" أن ليس المقصود حكم الله المعين، ولم أصرح بالمقصود بل أشرت له فقلت: "ويعرف المقصود من يعرف المصحِّحَ لكون الحكم حكما شرعيا"

وشرط الحكم ليكون شرعيا _كما سمعته من سيدي الشيخ سعيد فودة _أمران:
1- أن يكون نظر المجتهد قد تعلق بالشرع
2- أن تكون طريقتة استمداده للحكم من الشرع معتبرة عند الشارع

فكل حكم توفر فيه هذان الشرطان فهو حكم الله قطعا في حق المجتهد ومقلده سواء أصاب حكم الله المعين أو لم يصبه وسواء كان الدليل الذي ينبني عليه الحكم قطعيا أو ظنيا، وذلك أن الله أوجب العمل بهذا الحكم مطلقا، فهو حكمه قطعا، إذ يستحيل أن يكلف عباده بما ليس حكما له، وحاصله أن ليس المقصود بالحكم المقطوع به: الحكم المعين عند الله، بل: الحكم المستمد استمدادا معتبرا من خطاب الله.
وبهذا يتبين صحة رأي البيضاوي وتخريجه لهذا الرأي ولو من هذا الوجه، وسيأتي بيان بطلان اعتراض الإسنوي والمطيعي بناءً على الوجه الأول الذي فهماه، المهم أن رأي الإمام البيضاوي صحيح؛ فإني لا أحب كثرة الإعتراض عليه وخصوصا من الإسنوي -مع احترامي وتعظيمي لهم جميعا-، وللعلم فإن المسألة لم تكن واضحة في ذهني عندما كتبت الشرح والحاشية مثلما هي واضحة الآن، فهذا من بركة مدارستكما، راجيا أن يكون ما كتبته صحيحا، وسأكمل الرد غدا بإذن الله.

شفاء محمد حسن
28-10-2009, 22:49
الأخ الفاضل علي، قولكم:

فالذي أعرفه –وأرجو التصحيح إن أخطأت- أن المصوبة يقولون بأنه ليس لله حكم معين في الواقعة قبل اجتهاد المجتهد، فحكم الله يتبع ظن المجتهد، فيكون كل اجتهاد ظني، هو حكم الله في حق المجتهد الذي وصل إليه، وعلى هذا، فكل مصوب لا بد أن يقطع بأن حكمه الظني هو عين حكم الله في حقه، ويقطع كذلك بأن المجتهد الآخر قد أصاب حكم الله أيضا.

نعم على رأي الإمام الأشعري والإمام أبو بكر الباقلاني من المصوبة الحكم تابع لاجتهاد المجتهد، ولكن مع هذا تبقى المسألة ظنية؛ لأنه يحنمل في نفسه أن يكون لله حكما معينا في نفس الأمر، وأنه ليس كل مجتهد مصيب، فتبقى المسألة ظنية لا يستطيع أن يقطع فيها بشيء..
لكن تقييدكم القطع بقولكم: (في حقه) يفهم منه أنه قطع من جهة العمل، لا من جهة الاعتقاد، فهل هذا ما قصدتموه..؟

الأخ الفاضل عبد السلام..
أما ردكم على الإيراد الأول للإمام الإسنوي -رحمه الله- فلا يسلم لأمرين:
أولا: غالب النسخ التي وضع عليها الأئمة شروحهم عدا الإمام الأصفهاني -رحمه الله- من غير تاء..
ثانيا: إثباتها بالتاء يجعلها عائدة على الأحكام، وبهذا يكون الحد غير مانع من دخول العامي، فلا يكون تاما، ويلزمه زيادة قوله في نهاية الحد: إذا حصل علمها بالاستدلال؛ ليتم الحد ويخرج العامي، وما دامت الزيادة غير ثابتة فترجيح حذف التاء أولى ليندفع الاعتراض.. وهذا الاعتراض أورده الإمام السبكي -رحمه الله- على النسخ التي زيد فيها التاء..

وأما قولهم: (بأن كلمة العلم من باب المجاز) فطبعا لا يسلم لهم -كما قلتم-؛ لأنه لو سلم؛ لما ورد عليه اعتراض الإمام الباقلاني -رحمه الله-، لكن هذا الجواب يسلم لغيره من الأئمة الذين ذكروا نفس التعريف ولم يوردوا على أنفسهم هذا الاعتراض، وهو ما قاله الإمام البناني مبينا كلام الجلال المحلي في شرحه على ((جمع الجوامع))..

وأما بالنسبة لباقي كلامكم، ففيه وجهة نظر يمكن اعتبارها من وجه، إلا أن فيه كذلك بعض الإشكالات، سأحاول أن أوردها؛ لأعرف قصدكم بها عندما أجد لذلك متسعا من الوقت بإذن الله..

أحمد محمود علي
08-10-2010, 20:02
حد الفقه
والفقه: العلم أي التصديق؛ إذ التصور للأصولي ولا يشترط أن يتعلق التصديق بجميع مسائل الفن بل يكفي حصول الملكة التي يتمكن مَن قامت به مِن تحصيل مسائله والتصديق بها بالأحكام الشرعية أي التصديق بكيفية تعلقها بأفعال المكلفين كأن تعلم أن التحريم ثابت للربا مثلا العملية قيد مخرج للاعتقادية المكتسبة من أدلتها صفة للأحكام فيدخل المقلد لان علمه ليس مكتسبا منها بل من غيره وفي بعض النسخ: (المكتسبُ) فيكون وصفا للعلم؛ فيخرج المقلد التفصيلية أي الجزئية.

B]

الفقه هو: العلم بالأحكام .. (المكتسب) أم (المكتسبة) ؟؟

• لو قولنا (المكتسبة) ؛ كانت صفة للأحكام .. فيكون الفقه هو العلم بأحكام مكتسبة من أدلة تفصيلية..
لكن هل الأحكام الشرعية تُكتسب أم هي ثابتة في نفسها والمكتسب هو العلم بها؟

لو قولنا: الأحكام الشرعية ثابتة منذ الأزل ..
فكيف إذن يمكن تصور أن (اكتسابها) له معنى آخر غير اكتساب العلم بها ؟!
إذن فالعلم بالأحكام هو المكتسب وليست الأحكام نفسها .. وذلك كما قالوا: أن القياس كاشف عن الحكم وليس مثبتا له، فالقياس يُكتسب به كشف الحكم والاطلاع عليه، وليس القياس اكتسابا للحكم نفسه أو إثباتا له في نفس الأمر.

• فهل يصح لنا أن نعرف الفقه بأنه: ملكة يقتدر معها على إكتساب العلم بتعلقات الأحكام الشرعية العملية من خلال النظر في الأدلة التفصيلية (الجزئية) على وفق قوانين الأدلة الإجمالية (الكلية).

؟؟