عبد السلام مازن ابو خلف
08-01-2010, 20:36
بسم الله الرحمن الرحيم
المدارسة الثامنة
(الكتاب الأول: في الكتاب) أي القرآن
ولما كان الكتاب قد نزل بلغة العرب كان (الاستدلال به يتوقف على معرفة اللغة) العربية (ومعرفة أقسامها، وهو ينقسم)-تبعا لانقسام اللغة- (إلى: أمر ونهي وخاص وعام ومجمل ومبين وناسخ ومنسوخ وبيان ذلك في أبواب)؛ فالباب الأول في اللغات، والباب الثاني في أول قسم من أقسامها وهو الأوامر والنواهي، والباب الثالث في العموم والخصوص، والباب الرابع في المجمل والمبين، والباب الخامس في الناسخ والمنسوخ،
الباب (الأول): في (اللغات؛ وفيه فصول
الفصل الأول :في الوضع)
الوضع هو تخصيص شيء بشيء آخر بحيث إذا عرف الأول عرف الثاني، ولما كانت دلالة الألفاظ على المعاني بحسب الوضع احتاج إلى النظر في الوضع ومتعلقاته؛ وهي ستة أمور:
1- سبب الوضع 2-الموضوع 3-الموضوع له 4-فائدة الوضع 5-الواضع 6-طريق معرفةالوضع.
وقد ذكر المصنف هذه الأشياء على الترتيب:
1- فقال في سبب الوضع: (لما مست الحاجة الى التعارف والتعاون) بين الناس وذلك لإن الإنسان الواحد لا يستطيع أن يستقل بمصالح معاشه،كان لا بد من طريقة يتم بها هذا التعارف والتعاون بحيث يعبر كل واحد من خلالها عما في نفسه من مقاصد ومصالح ليعرِّف بها الآخرين، فطريقة التعبير هذه هي ما سيُبحث عنه هنا باسم الموضوع؛ فهي طريقة موضوعة للتعبير؛ وهي إما إشارات أو أمثلة أو ألفاظ.
2-وقال في الموضوع: (وكان اللفظ أفيد من الإشارة والمثال) ، وذلك لأمرين:
الأول: (لعمومه) إذ أنه يدل على عامة المعاني الذهنية وليس بعضها كالإشارة والمثال؛ فيمكن أن يُعبر باللفظ عن الشاهد والغائب والمحسوس والمعقول والموجود والمعدوم بخلاف الإشارة والمثال فإنه لا يمكن الإشارة بهما إلى الغائب والمعقول والمعدوم، هذا ناهيك عن أن للمثال عيبين آخرين: أولهما أنه لا يوجد لكل شيء محسوس مثال، وثانيهما: أن المثال يبقى بعد اندفاع الحاجة إليه؛ فيمكن معرفة مدلوله مع أن الحاجة قد تكون ماسة إلى عدم معرفته لكونه سرا من الأسرار مثلا.
الثاني: (و)لإنه( أيسر) منهما (لأن) اللفظ مؤلف من حروف و(الحروف كيفيات تعرض للنَّفَسِ الضروري) أي الحاصل من غير تكلف اختياري بخلاف الإشارة والمثال؛فالأولى لابد فيها من التحريك والثاني لابد فيه من التشكيل.
3-وقال في الموضوع له: (وُضِعَ) أي اللفظ (بإزاء المعاني الذهنية)،فالواضع عند وضعه اللفظ للمعنى لا بد له من أن يتصور المعنى الذي وضع اللفظ له ويكفي التصور الذهني ولو كان اللفظ مدلوله خارجي،فاللفظ قد وضع للمعاني الذهنية دون الخارجية (لدورانه) معها وجودا وعدما دون الخارجية.
4-وقال في فائدة الوضع: (ليفيد النسب) الإفرادية"الجزئية" (والمركبات) التامة (دون المعاني المفردة وإلا) بأن كان الغرض من وضع اللفظ تصور المعنى المفرد (فيدور) أي يلزم الدور،بيانه: أن لفظ زيد مثلا لم يوضع لإفادة الذات فقط وإنما وضع لإفادة الإخبار عن الذات بأي خبر من الأخبار وإلا للزم الدور، وذلك لإن إفادة اللفظ لمعناه يتوقف على العلم بأن هذا اللفظ موضوع لهذا المعنى، والعلم بأن هذا اللفظ موضوع لهذا المعنى يتوقف على تصور ذلك المعنى لإنه لا يتصور الوضع لشيء مجهول، ومن هنا يعلم أن تصور المعنى متقدم على العلم بالوضع لإنه شرطه، فلو قلنا أن تصور المعنى قد استفيد من الوضع بالأصالة-أي ابتداءً- لزم ان يكون تصور المعنى متأخرا عن العلم بالوضع-وقد فرضناه متقدما عليه- وبذلك تكون النتيجة أن تصور المعنى متقدم على العلم بالوضع متأخر عنه وهو دور، وما قيل من أن الدور لازم أيضا في المعاني المركبة المستفادة من الألفاظ الركبة يندفع إذا تأملت في الجملة الأخيرة من الحاشية السابقة.
5-وقال في الواضع: (ولم يثبت تعيين الواضع)، وهذا قول المحققين من العلماء ومنهم المصنف حيث توقفوا ولم يجزموا-لتعارض الأدلة- برأي معين من الآراء الثلاثة الآتية:
الرأي الأول:قال المصنف: (والشيخ) أبو الحسن الأشعري (زعم أنه تعالى وضعه ووقف عباده عليه) لعدة أدلة:
أولا: لقوله تعالى({وعلم آدم الأسماء كلها}) إذ لو لم تكن توقيفية لم تكن معلمة من عند الله إذ لا واسطة بينهما، والأسماء هي الالفاظ الموضوعة بإزاء المعاني الشاملة للأسماء والأفعال والحروف وتخصيص لفظ الاسم ببعض الأقسام هو عرف أهل العربية.
ثانيا: وقوله تعالى({ما أنزل الله به من سلطان }) حيث ذمهم الله على تسميتهم بعض الأشياء ببعض الأسماء من غير الرجوع إليه تعالى.
ثالثا: وقوله تعالى({واختلاف ألسنتكم وألوانكم }) فالألسنة هي اللغات من باب إطلاق السبب وإرادة المسبِّب إذ لا يجوز أن يكون المراد بالألسنة: الأعضاء الجارحة لأن الإختلاف فيها قليل والإختلاف في غيرها أبلغ وأجمل، ولأنها غير ظاهرة كالوجه فلا تظهر فيها الآية والقدرة، وامتنان الله على عباده باختلاف لغاتهم وجعل ذلك آية وعلامة على كمال قدرته إشعار بأن اللغة من صنعه وخلقه أي توقيفية.
رابعا: (ولأنها لو كانت اصطلاحية) أي من وضع البشر (لاحتيج في تعليمه)ا إلى الغير( إلى اصطلاح آخر) يكون به التعريفات، وهذا الإصطلاح يُحتاج إلى اصطلاح آخر في تعليمه ويتسلسل.
خامسا: (و)لأنها لو كانت اصطلاحية (لجاز التغيير فيه) أي في الإصطلاح إذ لا حجر على الناس، (فيرتفع الأمان عن الشرع) لتغير معاني الألفاظ بتغير الأزمان.
(وأجيب) عن الدليل الأول (بأن الأسماء) ليست هي الألفاظ بل هي إما (سمات الأشياء وخصائصها) بدليل قوله تعالى بعدها{ثم عرضهم} لأنه لما كان الضمير راجعا إلى الحقائق وفيها ذوو عقول اختار ضمير العقلاء تغليبا لهم، فلو كان المراد من الأسماء الألفاظ لقال:ثم عرضها،(أو) الألفاظ ولكن لا نسلم أن الله وضعها بل علم آدم لغة (ما سَبَق وضْعُهَا) وجوده.
(و)عن الثاني بأن (الذم للاعتقاد) وليس للتسمية حيث أطلقوا لفظ الإله على الصنم مع اعتقاد تحقق مسمَّى الإلهية فيه.
(و)عن الثالث بأن( التوقيف يعارضه الإقدار)؛ فالله تعالى قد امتنَّ علينا في الآية باختلاف اللغات كآية من آياته، والآية الكريمة كما تحتمل الإمتنان بخلق اللغات ووضعها كذلك تحتمل الإمتنان بخلق القدرة على وضعها من البشر، وكلا الأمرين آية وعلامة على قدرته تعالى، فحملها على أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح.
(و)عن الرابع بأن تعليم اللغات ليس محصورا بطريقة الإصطلاح أو التوقيف، بل( التعليم) يمكن حصوله( بالترديد) للألفاظ (والقرائن) الدالة على المعنى (كما) هو حاصل في تعليم اللغة (للأطفال).
وعن الخامس بأن ارتفاع الأمان والوثوق لا يترتب على جواز تغيير معاني الألفاظ وإنما يترتب على وقوع التغيير بالفعل، (والتغيير) لم يقع؛ إذ (لو وقع لاشتهر).
الرأي الثاني: (وقال أبو هاشم: الكل مصطلح وإلا) بأن كانت اللغات توقيفية، (فالتوقيف إما بالوحي فتتقدم) أي يلزم تقدم (البعثة) على معرفة اللغة لإن التوقيف بالوحي لا يتصور إلا بعد البعثة ( وهي متأخرة) عن معرفة اللغة( لقوله تعالى {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه}) أي بلغة قومه؛ فهي متقدمة على الإرسال"البعثة".
( أو بخلق علم ضروري في عاقل فيعرّفه) أي فيلزم عن هذا الخلق أن يعرف العاقل واضع اللغة وهو( الله ضرورة، فلا يكون مكلفا) لا بمعرفة الله لما في ذلك من تحصيل الحاصل، ولا بغيرها من الأحكام لإنه لا قائل بالتفرقة أصلاً، وعدم التكليف باطل قطعا.
( أو) بخلق علم ضروري في (غيره) أي في غير العاقل (وهو بعيد) لأن غير العاقل لا يستطيع معرفة هذه اللغات العجيبة والتركيبات اللطيفة، وإذا بطلت طرق تعليم اللغة للبشر بطل كونها توقيفية وثبت أنها من وضع البشر وهو ما ندعيه.
(وأجيب) بأنا نختار أن التعليم كان بخلق علم ضروري في إنسان عاقل، وذلك (بأنه) تعالى( ألهم العاقل بأن واضعا وضعها) من غير تعيين لهذا الواضع، فدعواكم استلزام الخلق معرفة الله ضرورة ممنوعة، (وإن سلم لم يكن مكلفا بالمعرفة فقط) ولا يلزم من عدم تكليفه بمعرفة الله عدم تكليفه بغيرها لأن انتفتاء الأخص لا يستلزم انتفاء الأعم، والقول بأنه لا يوجد من يقول بالتفرقة منقوض بالوقوع؛ إذ لم يكلف سيدنا آدم بمعرفة الله وكلف بعدم الأكل من الشجرة.
الرأي الثالث: (وقال الأستاذ) أبو إسحق الإسفراييني:( ما وقع به التنبيه على الاصطلاح توقيفي والباقي مصطلح).
6- وقال في طريق معرفة الوضع:(وطريق معرفتها):
1- (النقل المتواتر) كلفظ السماء والأرض، وهذا الطريق يفيد القطع.
2- (و) النقل (الآحاد) كلفظ الفرس والقرء،وهذا الطريق يفيد الظن وهوكافٍ في إثبات اللغة.
3- (واستنباط العقل من النقل كما إذا نقل أن الجمع المعرف بالألف واللام يدخله الاستثناء)، (و)نقل أيضا( أنه) أي الإستثناء:( إخراج بعض ما تناوله اللفظ، فيحكم) العقل بواسطة هاتين المقدمتين (بعمومه) أي بعموم الجمع المعرف بأل.
(وأما العقل الصرف فلا يجدي) لأن اللغة لابد فيها من الوضع، والوضع وقوع للمكن، والعقل لا يبحث في وقوع الممكنات وإنما يبحث في الواجبات والمستحيلات والجائزات.
المدارسة الثامنة
(الكتاب الأول: في الكتاب) أي القرآن
ولما كان الكتاب قد نزل بلغة العرب كان (الاستدلال به يتوقف على معرفة اللغة) العربية (ومعرفة أقسامها، وهو ينقسم)-تبعا لانقسام اللغة- (إلى: أمر ونهي وخاص وعام ومجمل ومبين وناسخ ومنسوخ وبيان ذلك في أبواب)؛ فالباب الأول في اللغات، والباب الثاني في أول قسم من أقسامها وهو الأوامر والنواهي، والباب الثالث في العموم والخصوص، والباب الرابع في المجمل والمبين، والباب الخامس في الناسخ والمنسوخ،
الباب (الأول): في (اللغات؛ وفيه فصول
الفصل الأول :في الوضع)
الوضع هو تخصيص شيء بشيء آخر بحيث إذا عرف الأول عرف الثاني، ولما كانت دلالة الألفاظ على المعاني بحسب الوضع احتاج إلى النظر في الوضع ومتعلقاته؛ وهي ستة أمور:
1- سبب الوضع 2-الموضوع 3-الموضوع له 4-فائدة الوضع 5-الواضع 6-طريق معرفةالوضع.
وقد ذكر المصنف هذه الأشياء على الترتيب:
1- فقال في سبب الوضع: (لما مست الحاجة الى التعارف والتعاون) بين الناس وذلك لإن الإنسان الواحد لا يستطيع أن يستقل بمصالح معاشه،كان لا بد من طريقة يتم بها هذا التعارف والتعاون بحيث يعبر كل واحد من خلالها عما في نفسه من مقاصد ومصالح ليعرِّف بها الآخرين، فطريقة التعبير هذه هي ما سيُبحث عنه هنا باسم الموضوع؛ فهي طريقة موضوعة للتعبير؛ وهي إما إشارات أو أمثلة أو ألفاظ.
2-وقال في الموضوع: (وكان اللفظ أفيد من الإشارة والمثال) ، وذلك لأمرين:
الأول: (لعمومه) إذ أنه يدل على عامة المعاني الذهنية وليس بعضها كالإشارة والمثال؛ فيمكن أن يُعبر باللفظ عن الشاهد والغائب والمحسوس والمعقول والموجود والمعدوم بخلاف الإشارة والمثال فإنه لا يمكن الإشارة بهما إلى الغائب والمعقول والمعدوم، هذا ناهيك عن أن للمثال عيبين آخرين: أولهما أنه لا يوجد لكل شيء محسوس مثال، وثانيهما: أن المثال يبقى بعد اندفاع الحاجة إليه؛ فيمكن معرفة مدلوله مع أن الحاجة قد تكون ماسة إلى عدم معرفته لكونه سرا من الأسرار مثلا.
الثاني: (و)لإنه( أيسر) منهما (لأن) اللفظ مؤلف من حروف و(الحروف كيفيات تعرض للنَّفَسِ الضروري) أي الحاصل من غير تكلف اختياري بخلاف الإشارة والمثال؛فالأولى لابد فيها من التحريك والثاني لابد فيه من التشكيل.
3-وقال في الموضوع له: (وُضِعَ) أي اللفظ (بإزاء المعاني الذهنية)،فالواضع عند وضعه اللفظ للمعنى لا بد له من أن يتصور المعنى الذي وضع اللفظ له ويكفي التصور الذهني ولو كان اللفظ مدلوله خارجي،فاللفظ قد وضع للمعاني الذهنية دون الخارجية (لدورانه) معها وجودا وعدما دون الخارجية.
4-وقال في فائدة الوضع: (ليفيد النسب) الإفرادية"الجزئية" (والمركبات) التامة (دون المعاني المفردة وإلا) بأن كان الغرض من وضع اللفظ تصور المعنى المفرد (فيدور) أي يلزم الدور،بيانه: أن لفظ زيد مثلا لم يوضع لإفادة الذات فقط وإنما وضع لإفادة الإخبار عن الذات بأي خبر من الأخبار وإلا للزم الدور، وذلك لإن إفادة اللفظ لمعناه يتوقف على العلم بأن هذا اللفظ موضوع لهذا المعنى، والعلم بأن هذا اللفظ موضوع لهذا المعنى يتوقف على تصور ذلك المعنى لإنه لا يتصور الوضع لشيء مجهول، ومن هنا يعلم أن تصور المعنى متقدم على العلم بالوضع لإنه شرطه، فلو قلنا أن تصور المعنى قد استفيد من الوضع بالأصالة-أي ابتداءً- لزم ان يكون تصور المعنى متأخرا عن العلم بالوضع-وقد فرضناه متقدما عليه- وبذلك تكون النتيجة أن تصور المعنى متقدم على العلم بالوضع متأخر عنه وهو دور، وما قيل من أن الدور لازم أيضا في المعاني المركبة المستفادة من الألفاظ الركبة يندفع إذا تأملت في الجملة الأخيرة من الحاشية السابقة.
5-وقال في الواضع: (ولم يثبت تعيين الواضع)، وهذا قول المحققين من العلماء ومنهم المصنف حيث توقفوا ولم يجزموا-لتعارض الأدلة- برأي معين من الآراء الثلاثة الآتية:
الرأي الأول:قال المصنف: (والشيخ) أبو الحسن الأشعري (زعم أنه تعالى وضعه ووقف عباده عليه) لعدة أدلة:
أولا: لقوله تعالى({وعلم آدم الأسماء كلها}) إذ لو لم تكن توقيفية لم تكن معلمة من عند الله إذ لا واسطة بينهما، والأسماء هي الالفاظ الموضوعة بإزاء المعاني الشاملة للأسماء والأفعال والحروف وتخصيص لفظ الاسم ببعض الأقسام هو عرف أهل العربية.
ثانيا: وقوله تعالى({ما أنزل الله به من سلطان }) حيث ذمهم الله على تسميتهم بعض الأشياء ببعض الأسماء من غير الرجوع إليه تعالى.
ثالثا: وقوله تعالى({واختلاف ألسنتكم وألوانكم }) فالألسنة هي اللغات من باب إطلاق السبب وإرادة المسبِّب إذ لا يجوز أن يكون المراد بالألسنة: الأعضاء الجارحة لأن الإختلاف فيها قليل والإختلاف في غيرها أبلغ وأجمل، ولأنها غير ظاهرة كالوجه فلا تظهر فيها الآية والقدرة، وامتنان الله على عباده باختلاف لغاتهم وجعل ذلك آية وعلامة على كمال قدرته إشعار بأن اللغة من صنعه وخلقه أي توقيفية.
رابعا: (ولأنها لو كانت اصطلاحية) أي من وضع البشر (لاحتيج في تعليمه)ا إلى الغير( إلى اصطلاح آخر) يكون به التعريفات، وهذا الإصطلاح يُحتاج إلى اصطلاح آخر في تعليمه ويتسلسل.
خامسا: (و)لأنها لو كانت اصطلاحية (لجاز التغيير فيه) أي في الإصطلاح إذ لا حجر على الناس، (فيرتفع الأمان عن الشرع) لتغير معاني الألفاظ بتغير الأزمان.
(وأجيب) عن الدليل الأول (بأن الأسماء) ليست هي الألفاظ بل هي إما (سمات الأشياء وخصائصها) بدليل قوله تعالى بعدها{ثم عرضهم} لأنه لما كان الضمير راجعا إلى الحقائق وفيها ذوو عقول اختار ضمير العقلاء تغليبا لهم، فلو كان المراد من الأسماء الألفاظ لقال:ثم عرضها،(أو) الألفاظ ولكن لا نسلم أن الله وضعها بل علم آدم لغة (ما سَبَق وضْعُهَا) وجوده.
(و)عن الثاني بأن (الذم للاعتقاد) وليس للتسمية حيث أطلقوا لفظ الإله على الصنم مع اعتقاد تحقق مسمَّى الإلهية فيه.
(و)عن الثالث بأن( التوقيف يعارضه الإقدار)؛ فالله تعالى قد امتنَّ علينا في الآية باختلاف اللغات كآية من آياته، والآية الكريمة كما تحتمل الإمتنان بخلق اللغات ووضعها كذلك تحتمل الإمتنان بخلق القدرة على وضعها من البشر، وكلا الأمرين آية وعلامة على قدرته تعالى، فحملها على أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح.
(و)عن الرابع بأن تعليم اللغات ليس محصورا بطريقة الإصطلاح أو التوقيف، بل( التعليم) يمكن حصوله( بالترديد) للألفاظ (والقرائن) الدالة على المعنى (كما) هو حاصل في تعليم اللغة (للأطفال).
وعن الخامس بأن ارتفاع الأمان والوثوق لا يترتب على جواز تغيير معاني الألفاظ وإنما يترتب على وقوع التغيير بالفعل، (والتغيير) لم يقع؛ إذ (لو وقع لاشتهر).
الرأي الثاني: (وقال أبو هاشم: الكل مصطلح وإلا) بأن كانت اللغات توقيفية، (فالتوقيف إما بالوحي فتتقدم) أي يلزم تقدم (البعثة) على معرفة اللغة لإن التوقيف بالوحي لا يتصور إلا بعد البعثة ( وهي متأخرة) عن معرفة اللغة( لقوله تعالى {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه}) أي بلغة قومه؛ فهي متقدمة على الإرسال"البعثة".
( أو بخلق علم ضروري في عاقل فيعرّفه) أي فيلزم عن هذا الخلق أن يعرف العاقل واضع اللغة وهو( الله ضرورة، فلا يكون مكلفا) لا بمعرفة الله لما في ذلك من تحصيل الحاصل، ولا بغيرها من الأحكام لإنه لا قائل بالتفرقة أصلاً، وعدم التكليف باطل قطعا.
( أو) بخلق علم ضروري في (غيره) أي في غير العاقل (وهو بعيد) لأن غير العاقل لا يستطيع معرفة هذه اللغات العجيبة والتركيبات اللطيفة، وإذا بطلت طرق تعليم اللغة للبشر بطل كونها توقيفية وثبت أنها من وضع البشر وهو ما ندعيه.
(وأجيب) بأنا نختار أن التعليم كان بخلق علم ضروري في إنسان عاقل، وذلك (بأنه) تعالى( ألهم العاقل بأن واضعا وضعها) من غير تعيين لهذا الواضع، فدعواكم استلزام الخلق معرفة الله ضرورة ممنوعة، (وإن سلم لم يكن مكلفا بالمعرفة فقط) ولا يلزم من عدم تكليفه بمعرفة الله عدم تكليفه بغيرها لأن انتفتاء الأخص لا يستلزم انتفاء الأعم، والقول بأنه لا يوجد من يقول بالتفرقة منقوض بالوقوع؛ إذ لم يكلف سيدنا آدم بمعرفة الله وكلف بعدم الأكل من الشجرة.
الرأي الثالث: (وقال الأستاذ) أبو إسحق الإسفراييني:( ما وقع به التنبيه على الاصطلاح توقيفي والباقي مصطلح).
6- وقال في طريق معرفة الوضع:(وطريق معرفتها):
1- (النقل المتواتر) كلفظ السماء والأرض، وهذا الطريق يفيد القطع.
2- (و) النقل (الآحاد) كلفظ الفرس والقرء،وهذا الطريق يفيد الظن وهوكافٍ في إثبات اللغة.
3- (واستنباط العقل من النقل كما إذا نقل أن الجمع المعرف بالألف واللام يدخله الاستثناء)، (و)نقل أيضا( أنه) أي الإستثناء:( إخراج بعض ما تناوله اللفظ، فيحكم) العقل بواسطة هاتين المقدمتين (بعمومه) أي بعموم الجمع المعرف بأل.
(وأما العقل الصرف فلا يجدي) لأن اللغة لابد فيها من الوضع، والوضع وقوع للمكن، والعقل لا يبحث في وقوع الممكنات وإنما يبحث في الواجبات والمستحيلات والجائزات.