المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شرح جمع الجوامع: مقدمة الشارح



جلال علي الجهاني
17-04-2004, 16:02
أخي العزيز حسن العلوي، ها أنا أبدأ معك المباحثة في كتاب جمع الجوامع للإمام التاج السبكي، بشرح الإمام جلال الدين المحلي، رحم الله الجميع وأفاض علينا من بركاتهم وأنوارهم ..

وهنا أنقل كلام الإمام المحلي مع شرحه للمقدمة التي كتبها الإمام التاج، فإن يكن من تعليقات أرجو منك ومن القراء الكرام ذكرها أسفل هذه المشاركة ..
==================================

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله على أفضاله، والصلاة والسلام على سيدنا محمَّدٍ وآله.

هذا ما اشتدَّتْ إليه حاجةُ المتفهّمين لجمع الجوامع من شرحٍ يحلّ ألفاظه ويبيّن مراده ويحقّق مسائله ويحرّر دلائله على وجهٍ سهلٍ للمبتدئين حسنٍ للنّاظرين نفع الله به آمين.


قال المصنّف رحمه الله تعالى:

(بسم الله الرّحمن الرّحيم)

(نحمدك اللهمّ) أي نصفك بجميع صفاتك، إذ الحمد كما قال الزّمخشريّ في الفائق: الوصفُ بالجميل، وكلٌّ من صفاته تعالى جميلٌ، ورعايةُ جميعها أبلغُ في التّعظيم المراد بما ذكر؛ إذ المراد به إيجادُ الحمدِ لا الإخبار بأنه سيوجد، وكذا قوله: نصلي ونضرع، المراد به إيجاد الصّلاة والضّراعة لا الإخبار بأنّهما سيوجدان.

وأتى بنون العظمة؛ لإظهار ملزومِها الذي هو نعمةٌ من تعظيم الله له يتأهّب له العلم، امتثالاً لقوله تعالى: ﴿وأمّا بنعمة ربّك فحدّث﴾.

وقال ما تقدّم دون (نحمد الله) الأخصر منه، للتّلذّذ بخطاب الله وندائه.
وعدَلَ عن (الحمد لله) الصّيغة الشّائعة للحمد إذ القصد بها الثّناء على الله تعالى بأنّه مالكٌ لجميع الحمد من الخلق، لا الإعلام بذلك الذي هو من جملة الأصل في القصد بالخبر من الإعلام بمضمونه إلى ما قاله؛ لأنّه ثناءٌ بجميع الصّفات برعاية الأبلغيّة كما تقدّم، وهذا بواحدةٍ منها، وإن لم تراع إلا الأبلغيّة هناك بأن يراد الثّناء ببعض الصّفات فذلك البعض أعمّ من هذه الواحدة لصدقه بها وبغيرها الكثير فالثّناء به أبلغ من الثّناء في الجملة أيضًا نعم الثّناء بها من حيث تفصيلها أوقع في النّفس من الثّناء به.

(عَلَى نِـعَمٍ) جمع نعمةٍ بمعنى إنعامٍ، والتّنكير للتّكثير والتّعظيم، أي إنعاماتٌ كثيرةٌ عظيمةٌ منها الإلهام لتأليف هذا الكتاب والإقدار عليه، و(على) صلة نحمد.

وإنَّما حمد على النّعم أي في مقابلتها لا مطلقًا؛ لأنّ الأوّل واجبٌ والثّاني مندوبٌ.

ووصف النّعم بما هو شأنها بقوله (يُؤذِنُ الحَمْدُ) عليها (بازْدِيَادِهَا) أي يعلم بزيادتها؛ لأنّه متوقّفٌ على الإلهام له والاقدار عليه، وهُـمـَا من جُملة النِّعَم، فيقتضيان الحمد، وهو مؤذنٌ بالزّيادة المقتضية للحمد أيضاً وهلمّ جرّا، فلا غاية للنّعم حتّى يوقف بالحمد عليها ﴿وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها﴾.

وازداد وزاد اللام مطاوعًا زاد المتعدّي تقول: زاد الله النّعم عليَّ، فازدادت وزادت.

(ونُصَلـِّي على نَبِيِّك محمَّدٍ)
من الصّلاة عليه المأمور بها وهي الدّعاء بالصّلاة أي الرّحمة عليه أخذًا من حديث ﴿أمرنا الله نصلي عليك فكيف نصلي عليك قال قولوا اللهمّ صل على محمّدٍ﴾ إلخ رواه الشّيخان إلا صدره فمُسلمٌ.
والنّبيّ إنسانٌ أوحي إليه وإن لم يؤمر بتبليغه، فإن أُمِرَ بذلك فرسولٌ أيضاً، أو أمر بتبليغه وإن لم يكن له كتابٌ أو نسخٌ لبعض شرع من قبله كيوشع فإن كان له ذلك فرسولٌ أيضاً قولان.
فالنّبيّ أعمّ من الرّسول عليهما، وفي ثالثٍ أنّهما بمعنًى وهو معنى الرَّسول على الأوّل المشهور.
وقال: نبيّك دون رسولك؛ لأنّ النّبيّ أكثر استعمالاً، ولفظه بالهمز من النّبإ أي الخبر؛ لأنّ النّبيّ مخبرٌ عن الله، وبلا همزٍ وهو الأكثر قيل: إنّه مخفّف المهموز بقلب همزته ياءً، وقيل: إنّه الأصل من النّبوة بفتح النّون وسكون الباء، أي الرّفعة لأنّ النّبيّ مرفوع الرّتبة على غيره من الخلق.
ومحمّدٌ علمٌ منقولٌ من اسم مفعول المضعّف، سمّي به نبيّنا بإلهامٍ من الله تعالى، تفاؤلاً بأنّه يكثر حمد الخلق له؛ لكثرة خصاله الجميلة، كما روي في السّير أنّه قيل لجدّه عبد المطّلب وقد سمّاه في سابع ولادته لموت أبيه قبلها: لم سمّيت ابنك محمّدًا وليس من أسماء آبائك ولا قومك؟ قال: رجوتُ أن يحمد في السّماء والأرض، وقد حقّق الله رجاءه كما سبق في علمه تعالى.

(هادي الأمّة) أي دالّها بلطفٍ (لرشادها) يعني لدين الإسلام الذي هو تمكّنه في الوصول به إلى الرّشاد وهو ضدّ الغيّ كأنّه نفسه وهذا مأخوذٌ من قوله تعالى: ﴿وإنّك لتهدي إلى صراطٍ مستقيمٍ﴾ أي دين الإسلام.


(وعلى آله) هم كما قال الشّافعيّ رضي الله عنه أقاربه المؤمنون من بني هاشمٍ والمطّلب ابني عبد منافٍ؛ لأنّه صلى الله عليه وسلم قسَّم سهم ذوي القربى -وهو خمس الخمس- بينهم تاركًا غيرهم من بني عمّيهم نوفل وعبد شمسٍ مع سؤالهم له، رواه البخاريّ، وقال: ﴿إنّ هذه الصّدقات إنّما هي أوساخ النّاس وإنّها لا تحلّ لمحمّدٍ ولا لآل محمّدٍ﴾ رواه مسلمٌ، وقال: ﴿لا أحلّ لكم أهل البيت من الصّدقات شيئًا ولا غسالة الأيدي إنّ لكم في خمس الخمس ما يكفيكم أو يغنيكم أي بل يغنيكم﴾ رواه الطّبرانيّ في معجمه الكبير.
والصّحيح جواز إضافته إلى الضّمير كما استعمله المصنّف.

(وصحبه) هو اسم جمعٍ لصاحبه بمعنى الصّحابيّ وهو كما سيأتي من اجتمع مؤمنًا بسيّدنا محمّدٍ صلى الله عليه وسلم.
وعطف الصّحب على الآل الشّامل لبعضهم لتشمل الصّلاة باقيهم.
(ما) مصدريّةٌ ظرفيّةٌ (قامت الطّروس) أي الصّحف جمع طِرسٍ بكسر الطّاء (والسّطور) من عطف الجزء على الكل صرّح به لدلالته على اللفظ الدّال على المعنى (لعيون الألفاظ) أي للمعاني التي يدلّ عليها باللفظ ويهتدي بها، كما يهتدي بالعيون الباصرة وهي العلم المبعوث به النّبيّ الكريم (مقام بياضها) أي الطّروس (وسوادها) أي سطور الطّروس.
المعنى: نصلي مدّة قيام كتب العلم المذكور قيام بياضها وسوادها اللازمين لها، وقيامها بقيام أهل العلم لأخذهم إيّاه منها كما عهد، وقيامهم إلى السّاعة لحديث الصّحيحين بطرقٍ ﴿لا تزال طائفةٌ من أمّتي ظاهرين على الحقّ حتّى يأتي أمر الله أي السّاعة﴾ كما صرَّح بها في بعض الطّرق.
قال البخاريّ: وهم أهل العلم؛ أي لابتداء الحديث في بعض الطّرق بقوله ﴿من يرد الله به خيرًا يفقّهه في الدّين﴾ وأبّد الصّلاة بقيام كتب العلم المذكور؛ لأنّ كتابه هذا المبدوء بما هي منه من كتب ما يفهم به ذلك العلم.

(ونضرع) بسكون الضّاد بضبط المصنّف أي نخضع ونذلّ (إليك) يا الله (في منع الموانع) أي نسألك غاية السّؤال من الخضوع والذّلة أن تمنع الموانع أي الأشياء التي تمنع أي تعوق (عن إكمال) هذا الكتاب، (جمع الجوامع) تحريرًا بقرينة السّياق الذي إكماله، لكثرة الانتفاع به فيما آمله خُيورٌ كثيرةٌ، وعلى كل خيرٍ مانعٌ.
وأشار بتسميته بذلك إلى جمعه كلّ مصنّفٍ جامعٍ فيما هو فيه، فضلاً عن كل مختصرٍ، يعني مقاصد ذلك من المسائل والخلاف فيها دون الدّلائل وأسماء أصحاب الأقوال إلا يسيراً منهما، فذكره لنُكتٍ ذكرها في آخر الكتاب.

(الآتي من فنّ الأصول) بإفراد فنٍّ، وفي نسخةٍ بتثنيته وهي أوضح، أي فنّ أصول الفقه أو فنّ أصول الدّين المختتم بما يناسبه من التّصوّف، والفنّ النّوع، وفنّ كذا من إضافة المسمّى إلى الاسم كشهر رمضان ويوم الخميس ومَنْ ومَا بعدها بيانٌ لقوله: (بالقواعد القواطع) قدّم عليه رعايةً للسّجع.

والقاعدة قضيّةٌ كليّةٌ يتعرّف منها أحكام جزئيّاتها نحو الأمر للوجوب حقيقةً، والعلم ثابتٌ لله تعالى.
والقاطعة بمعنى المقطوع بها، كـ﴿عيشةٍ راضيةٍ﴾ من إسناد ما للفاعل إلى المفعول به لملابسة الفعل لهما.
والقطع بالقواعد القطعيّة أدلَّتُها المبيّنة في محالِّها، كالعقل المثبت للعلم والقدرة لله تعالى، والنّصوص والإجماع المثبتة للبعث والحساب، وكإجماع الصّحابة المثبت لحجّيّة القياس وخبر الواحد حيث عمل كثيرٌ منهم بهما متكرّراً شائعاً مع سكوت الباقين الذي هو في مثل ذلك من الأصول العامّة وفاق عادةً.
وفيما ذكره من الأصول قواعد قواطع تغليبٌ، فإنَّ من أصول الفقه ما ليس بقطعيٍّ كحجّيّة الاستصحاب ومفهوم المخالفة، ومن أصول الدّين ما ليس بقاعدةٍ كعقيدة أنّ الله موجودٌ وأنّه ليس بكذا ممّا سيأتي.
(البالغ من الإحاطة بالأصلين)، لم يقل الأصوليّين الذي هو الأصل إيثاراً للتّخفيف من غير إلباسٍ (مبلغ ذوي الجِدِّ) بكسر الجيم أي بلوغ أصحاب الاجتهاد (والتّشمير) من تلك الإحاطة (الوارد) أي الجائي (من زهاء مائة مصنّفٍ) بضمّ الزّاي والمدّ أي قدرها تقريبًا من زهوته بكذا أي حرّزته حكاه الصَّاغانيّ، قلبت الواو همزةً لتطرّقها إثر ألفٍ زائدةٍ كما في كساءٍ (مَنهَلاً) حالٌ من ضمير الوارد (يُرْوِي) بضمّ أوّله، أي كل عطشان إلى ما هو فيه، (ويمير) بفتح أوّله يعني يشبع كل جائعٍ إلى ما هو فيه من مار أهله أتاهم بالميرة أي الطّعام الذي من صفته أنّه يشبع، فحذف معمولي الفعلين للتّعميم مع الاختصار بقرينة السّياق.
والمنهل عينُ ماءٍ يورد، ووصفه بالإرواء والإشباع كماء زمزم فإنّه يروي العطشان ويشبع الجوعان، ومن استعمال الجوع والعطش في غير معناهما المعروف كما هنا قول العرب: جُعتُ إلى لقائك، أي اشتقت وعطشت إلى لقائك، أي اشتقت حكاه الصَّاغانيّ.

(المحيط) أيضًا بزبدة أي خلاصة (ما في شرحي على المختصر) لابن الحاجب (والمنهاج) للبيضاويّ وناهيك بكثرة فوائدهما (مع مَزِيدٍ) بالتّنوين بضبط المصنّف (كثيرٍ) على تلك الزّبدة أيضاً.


(وينحصر) جمع الجوامع يعني المعنى المقصود منه (في مقدِّمات) بكسر الدّال كمقدِّمة الجيش للجماعة المتقدِّمة منه من قدم اللازم بمعنى تقدّم، ومنه ﴿لا تقدّموا بين يدي الله﴾، وبفتحها على قِلَّةٍ كمقدَّمة الرّحل في لغة من قدّم المتعدّي أي في أمورٍ متقدّمةٍ، أو مقدّمةٍ على المقصود بالذّات للانتفاع بها فيه مع توقّفه على بعضها كتعريف الحكم وأقسامه، إذ يثبتها الأصوليّ تارةً وينفيها أخرى كما سيأتي.

(وسبعة كتبٍ) في المقصود بالذّات خمسةٌ في مباحث أدلة الفقه الخمسة: الكتاب والسّنّة والإجماع والقياس والاستدلال، والسّادس في التّعادل والتّراجيح بين هذه الأدلة عند تعارضها، والسّابع في الاجتهاد الرّابط لها بمدلولها وما يتبعه من التّقليد وأحكام المقلدين وآداب الفتيا.
وما ضمّ إليه من علم الكلام المفتتح بمسألة التّقليد في أصول الدّين المختتم بما يناسبه من خاتمة التّصوّف.

حسن العلوي
24-04-2004, 04:33
سيدي الأستاذ الفاضل جلال إنني جد مغتبط لقبولكم دعوتي إلى هذه المباحثه والتي أسأل الله أن ينفعنا فيها بعلومكم وفهومكم وجميع الأخوان ممن له عناية بهذا العلم .
أذكركم سيدي أنني طلبت أن يكون الشروع في المباحثة من الكتاب الاول وهو الكتاب ومباحث الأقوال للأسباب التي ذكرتها , لكن إذا كنتم ترون أن تكون المباحثة من أول الكتاب فليكن الأمر كذلك . وأذكر أيضاً سيدي أنني سوف أتعرض للإشكالات والايرادات التي لها صلة بالفن دون ما كان متعلقاً بتوجيه التركيب أو ما أظن أنه لا طائل تحته على أن ذلك لا يلزم غيري بطبيعة الحال . أقول :
1ـ قوله (والقاعدة قضيّةٌ كليّةٌ) فيه أمران الأول أنه قد يشكل على كون من وما بعدها بيان لقوله ( بالقواعد القواطع ) أن تكون مسائل علم الكلام قواعد فإن قضاياه شخصية لا كلية إذ موضوعها ذات الله تعالى وصفاته وذات الأنبياء وصفاتهم وإنما بنيت الإشكال على ما تقدم لكونه على تقدير أن من للتبعيض يكون التقدير ( الآتي حال كونه متلبساً بالقواعد القواطع حالة كونها بعض الأصول ) كما أشار سم وعليه لا يلزم أن تكون القواعد للعلمين بل قد تكون للعلم الواحد وهو الحال للإشكال أما على ما قاله الشارح فأرجو نظركم .
الأمر الثاني : قال بعضهم ولا بد أن تكون القضية الكلية حملية موجبة فما وجه إخراج الكلية الشرطية أو الحملية السالبة الطرفين أو الحملية السالبة المحمول ؟
2ـ قوله (والقطع بالقواعد القطعيّة أدلَّتُها المبيّنة في محالِّها ) القطع بالقاعدة قد يكون من جهة دليلها أو من جهة دلالتها أو بالنظر إلى وجوب العمل كمظنون المجتهد فإنه قطعي لا تجوز مخالفته فلما اقتصر الشارح في تفسير القطع على إحدى الجهات دون غيرها ؟ فإن قيل لتعلقها بها نفسها كما قاله سم فيمكن أن يقال إن حمله القطع على غيرها من الجهات أو كلها أولى مما ارتكبه بعد ذلك من التغليب الذي هو خلاف الأصل إذ في الأول إدخال لجميع ما شمله الجامع من مسائل دون الثاني . والله أعلم

3ـ قوله (عمل كثيرٌ منهم بهما متكرّراً شائعاً مع سكوت الباقين الذي هو في مثل ذلك من الأصول العامّة وفاق عادةً .)
فيه أنه جعل صورة هذا إجماعاً مفيداً للقطع وهو مشكل إذ هو مع ما ذكره لا يعدو أن يكون إجماعاً سكوتياً وهو لا يفيد إلا الظن بل هذه الصورة أحالها إمام الحرمين في البرهان (1\251) واعترض الفخر الدليل من أصله من ستة أوجه ومنها كونه مفيداً للظن كما في المعالم مع شرحه للتلمساني (2\188) .
ثم ما ذكره من قرائن لا تنفي ما يرد على هذا النوع من احتمالات ككونه أي المخالف يرى جواز الخلاف وهذا مع كونه بعيدا إلا انه قد يؤثر في القطع .

ملاحظة : وقع هنا سبق طباعة أنبه عليه لأهمية الموضوع كما تعلمون :
(مَنْ وما بعدها ) هي مِنْ بكسر الميم كما هو واضح .
(لم يقل الأصوليّين( هي لم يقل الأصلين بياء واحدة

واختم هنا بنقل نص عن العلامة العطار في حاشيته على جمع الجوامع أحسبه يفيد كثيراً في هذه المباحثة قال رحمه الله : ( وأقول إن أمثال هذه المناقشات في غاية الوهن ولذلك لم نر واحداً من محققي الأعاجم سيطرونها في كتبهم وإنما شغف بأمثالها من تعود نقد الألفاظ فيما قل او جل واللائق الالتفات لجانب المعنى لأنه المقصود واللباب واللفظ كالقشر نعم الأدبيون يحافظون على تحسين الألفاظ لغرض لهم يتعلق بذلك إذ المعاني المقصودة لهم تخيلات تؤدى بها )

سعيد فودة
27-04-2004, 01:08
لقد أسعدني ما رأيته من الدعوة لمباحثة كتاب شرح جمع الجوامع، وهو من أحب الكتب لدي.
وأحب أن أشارك فيها إن سمح لي الإخوة الأفاضل.
وأرجو من الأخ العلوي أن يسامحني إن فضلت أنا ذكر بعض ما ذكره أصحاب الحواشي وذكر فائدتها للفت الأنظار إليها، وإثبات أن علماءنا لم يذكروا هذه المباحث فقط لمجرد البحث بل لما يترتب عليها من فوائد عظيمة.

الخبر والإنشاء:
قال العلامة الشربيني في حاشيته على شرح جمع الجوامع(1/2):"اعلم أن الكلام إن كان للنسبة المفهومة منه الحاصلة في الذهن خارج عن مدلوله أي حاصل بين الطرفين مع قطع النظر عن دلالة اللفظ والفهم منه محتمل لأن تطابقه النسبة أو لا تطابقة، فخبر ، وإن لم يكن كذلك بأن لا يكون له خارج أصلا كأقسام الطلب فإنها دالة على صفات نفسية قائمة بالنفس قيام العرض بالمحل ليس لها متعلق خارجي، أو يكون له خارج لكن لا يحتمل المطابقة واللامطابقة كصيغ العقود فإن لها نسبا خارجية توجد بهذه الصيغ وليست لها نسبة محتملة لأن تطابقها النسب المدلولة أو لا تطابقها لأنها لحصولها بها مطابقة قطعا ، فإنشاء، وهذا أقرب الحدود وأخصرها فقد حدا بحدود كثيرة، ذكرت في مختصر ابن الحاجب وشرحه العضدي وغيرهما، فالكلام الإنشائي حينئذ يجب أن يكون محضرا لتلك الصور القائمة بالنفس ليترتب عليها مقتضاها من وجود أو عدم. "اهـ

أقول: في الحقيقة فهذا الكلام من أحسن ما قرأته في بيان الفرق بين الخبر والإنشاء، وهو مفيد جدا كما لا يخفى على قارئه.
فالأساس في كون النسبة خبرية احتمالها الصدق والكذب، أي المطابقة مع الخارج وعدم مطايقتها، والمقصود من الخارج هنا أعم من أن يكون الموجودات التي هي عدا المتكلم كما لا يخفى، بل تشمل ما قام في النفس، حتى لو أخبر واحد عن ما قام في نفسه فطابق فهو صادق، وإلا فهو كاذب، فصارت النفس بالنسبة إليه خارجا.
والفرق الرئيسي بين الغنشاء والخبر، أن الإنشاء هو عينه المنشيء للمعنى ، بحيث لو فرضنا عدمه، انعدم المعنى، فلا قيام للمعنى إلا به. وأما الخبر فالمعنى ثابت المشيء للمصداق ثابت في نفسه وليس ثبوته بإثبات الخبر له. بل الخبر عبارة عن مبين ومظهر ومبين لثبوت النسبة الخارجية.

وبناء على الفرق بين النسبتين، فإنه يمكن التفريق بين الأحكام العقائدية والأحكام الشرعية العملية، لأن الثانية من باب الإنشاء والأولى من باب الأخبار، ولذلك فإن المصيب واحد قطعا في العقائد وأما في الأحكام الشرعية فاحتملت هذه المسألة الخلاف. لأن المعتمد فيها إنما هو نفس مدلول الخبر، فإن قلنا إن الخبر قد يكون دالا على معنيين اثنين، أو محتملا لهما معا، باختلاف القرائن، فيجب تجويز تعدد المصيب في الفقه والعمليات، وإلا بأن قلنا باتحاد المدلول. فالمصيب واحد. وهو الراجح. وأما تجويز الخلاف وصحة العمل مع وجود الاختلاف بين الفقهاء، فله مبنى آخر.
وبناء على ذلك، فإن الكذب يحصل، إذا تكلم الواحد بكلام فيه نسبة خبرية لا مطابق لها خارجا، لأن الخبر إنما يراد به إفادة الصدق، والصدق المطابقة مع ما في الخارج، فإن أعطاك بالنسبة الخبرية معنى، وطلب منك التصديق بأن هذه النسبة لها مطابق خارجي، ولم يكن لها مطابق خارجي، فإنه يكذب، فغن كان قاصدا، فهو آثم أيضا، وإلا فهو كاذب فقط.

سعيد فودة
27-04-2004, 23:18
الجواب على الإشكال الأول:

ذكرُ الإشكال: 1ـ قوله (والقاعدة قضيّةٌ كليّةٌ) فيه أمران
الأول أنه قد يشكل على كون من وما بعدها بيان لقوله ( بالقواعد القواطع ) أن تكون مسائل علم الكلام قواعد فإن قضاياه شخصية لا كلية إذ موضوعها ذات الله تعالى وصفاته وذات الأنبياء وصفاتهم وإنما بنيت الإشكال على ما تقدم لكونه على تقدير أن من للتبعيض يكون التقدير ( الآتي حال كونه متلبساً بالقواعد القواطع حالة كونها بعض الأصول ) كما أشار سم وعليه لا يلزم أن تكون القواعد للعلمين بل قد تكون للعلم الواحد وهو الحال للإشكال أما على ما قاله الشارح فأرجو نظركم .
الأمر الثاني : قال بعضهم ولا بد أن تكون القضية الكلية حملية موجبة فما وجه إخراج الكلية الشرطية أو الحملية السالبة الطرفين أو الحملية السالبة المحمول ؟
الجواب:

عن الأمر الأول:

نذكر أولا تعريف القاعدة: وهي قضية كلية يتعرف منها أحكام جزئياتها، ووضح الشربيني مفهوم القضية الكلية فقال (21/1):"أي محكوم فيها على كل فردٍ فردٍ"اهـ
وهل يشترط وجود مجموعة أفراد بالفعل ليصح الحكم بأنها قضية، أو يكفي فرضها، الذي أراه أن الكافي هو صحة انطباقها عند الفرض.
وفي نظري فإن قضايا علم الكلام لاتخرج من هذا التعريف، لأن قولنا علم الله عام التعلق. أصلها علم الإله عام التعلق، وهذه قضية كلية قطعا، ولكن لما انحصر الإله في الله قلنا علم الله عام التعلق.
وهكذا عندما نقول: الله واجب الوجود. فإن أصل هذه القضية الإله واجب الوجود، فإنها تفيد أن كل ما هو إله فهو واجب الوجود، ولكن لما دل الدليل على عدم وجود أكثر من إله، عبرنا عن ذلك بقولنا، الله واجب الوجود.
فتكون القضايا الكلامية كلية أصلا، انحصر موضوعها في واحد، أي استحال التعدد في موضعها.
وعدم تحقق التعدد في الموضوع بالفعل لا يخرج القضية عن كونها عامة على فرض التعدد.
ومثال هذا قولنا في برهان التمانع: لو وجد إلهان للزم عموم تعلق قدرتيهما. ولكن لو عم تعلق القدرتين يلزم العجز، والإله ليس بعاجز، ففرض وقوع تعدد الآلهة باطل.
وكذلك نقول في الأنبياء، فمثلا عندما نقول: النبي متصف بالأمانة، يكون الأصل في هذه العبارة كل ما هو نبي فهو متصف بالأمانة، ولكن انحصر الكلام في سيدنا محمد عليه السلام مثلا، فنقول فيه سيدنا محمد موصوف بالأمانة. وذلك لدلالة الدليل على أنه لا نبي في عصره إلا هو. فوجب نسبة الأمانة له.
ويؤكد ما قلته هنا ما ذكره العلامة الشربيني (22/1):"ثم إن الحكم على ما هو التحقيق إنما هو على الطبيعة من حيث الانطباق بالأفراد."اهـ
ثم بعد أن كتبت هذا الكلام، وجدت العلامة الشربيني يصرح بمعناه ناقلا له عن بعض المحققين فالحمد له على الموافقة للأعلام، فقال (22/1):"وما نقل عن بعض المحققين أن العقائد الإسلامية أكثرها قضايا شخصية لأن موضوعها ذات الله تعالى فذلك إنما هو في مثل الله عالم ، الله واحد، الله موجود، وتأويل ذلك بأن يقال مبدأ العالم عالم، أو واحد أو موجود، حتى يكون المبدأ الخاص فردا من ذلك الكلي ومتفرع عليه إثبات حكمه له."اهـ
وإن قال بعد ذلك:"تكلفٌ، إذ النصُّ إنما ورد في المعين دون الكلي."اهـ
والجواب، أن ما ورد هو عقيدة خاصة، وهو نتيجة القاعدة الكلامية. فلا إشكال. ولا أراه تكلفا.
وقد يمكن أن يقال بأن المقصود بالقاعدة هو ماطلق ما يبنى عليه الشيء، وليس هو المعنى الاصطلاحي السابق.

وأنا أرى أن تفسير القاعدة على النحو الذي ذكرته يزيل الإشكال الذي أورده عليها البعض من أنه يلزم كونها قاعدة مع انها قضايا شخصية، أو حتى مع ملاحظة التفسير الذي ذكره البناني في قوله(22/1):"(قوله والعلم ثابت لله) هذه قاعدة من أصول الدين باعتبار متعلقها أي المعلومات إذ العلم وغيره من الصفات الذاتية أمر واحد لا تكثر فيه كما تقرر في محله"اهـ يريد القول بأن كل تعلق من تعلقات العلم محكوم عليه بأنه ثابت لله.
وأنا أرى هذا فيه بعض البعد، لأن الكلام على نفس العلم لا التعلق، وللتعلق قاعدة أخرى، فنقول علم الله ثابت، وتعلق علم الله عام. فهما قاعدتان لا واحدة.

ملاحظة مهمة: يلزم التنبيه إلى ما قاله العلامة الشربيني في (22/1) تعليقا على قوله(والعلم ثابت لله):"أي كل فرد منه بناء على أنه إضافة بين العالم والمعلوم ولا محذور في تغيره بتغير المعلوم لأنه كما في شرح المواقف تغير في مفهوم اعتباري"اهـ.
فهذا القول ليس صوابا، لأن تعلقات العلم لا تتغير بل هي ثابتة لله تعالى منذ الأزل، وإنما هي كثيرة بلا تغير، لأن كل تعلق متعلق بأمر من الأمور، والتعلقات كثيرة بحسب المعلوم، فالله تعالى ثبت له تعلق علمه بالأمر قبل وجوده أنه غير موجود في الزمان الأول، وثبت له بعد وجوده أنه موجود في الزمان الثاني، فهناك تعلقان اثنان لا تعلق واحد، والتعلقان لا يتغيران ولا يزول أحدهما فيطرأ الآخر كما قاله عن السيد في شرح المواقف، بل هما ثابتان في كل الأحوال. فبعد وجود الموجود يظل الله تعالى عالما أن هذا الموجود الآن كان معدوما في الزمان الأول.
ولا يلزم القول بالتغيرات في الإضافة هنا. كما هو التحقيق، خلافا للسيد ولمن تابعه.

وأما على كون من بيانية فيكون التقدير(الآتي بالقواعد القواطع اللذين هما فن الأصول)، وأما على كون من تبعيضية فالتقدير(الآتي بالقواعد القواطع التي هي بعض فن الأصول).
فعلى التقدير الأول يكون القواعد القواطع وصفا لفن الأصول(أو فني الأصول)، وعلى الثاني يكون معناه أن ما يذكره هو بعض ما في فني الأصول.
والله أعلم.

سعيد فودة
01-05-2004, 15:12
الأخ الفاضل العلوي،
هذا بقية ما انقدح في ذهني حول بقية كلامك السابق، مع الدعاء بالإصابة.

والجواب عن الأمر الثاني:
وهو : الأمر الثاني : قال بعضهم ولا بد أن تكون القضية الكلية حملية موجبة فما وجه إخراج الكلية الشرطية أو الحملية السالبة الطرفين أو الحملية السالبة المحمول ؟

فالجواب:
إذا قيل بأن الشرطية تفيد الربط بين المقدم والتالي ، فالحكم فيها على التعليق، أي بتقدير وقوع الشرط يقع التالي. وهو قول السيد الشريف، فالكلية الشرطية ليست من مسائل العلوم ، لأن الحكم فيها معلق.
وأما على قول الإمام السعد بأن الحكم فيها هو الجزاء، وأن الشرط هو قيد له، فترجع حينذاك إلى الحملية، وبناء على ذلك فهي تعتبر من القواعد.

وأما وجه عدم اعتبار الحملية السالبة فلأنها لا تستدعي وجود الموضوع، والقواعد في العلوم يعتبر فيها وجوده. ولكن يمكن النظر في هذا من بعض الجهات فيقال بأن القواعد يمكن أنه يمكن استنباط الفروع من السوالب كما تستنبط من الموجبات. فتأمل.
وأما الحملية السالبة المحمول فللسبب الماضي.


وأما ما ذكرته تحت البند 2 فهو كلام لطيف .

3- واما ما ذكرته تحت البند الثالث، فهو في غاية اللطف. ولم يخف عليك أن الشرح أشار إلى أمور أخرى انضمت إلى السكوت وغيره، مما يفهم منه أن ما يحتج به دليل مركب من الإجماع الكوتي وغيره، فهو ليس إجماعا سكوتيا محضا، يحتى يردَّ بما اعترض على الإجماع السكوتي.
ولكنك رددت هذا بأن المخالف قد لا يسلم به ومع كونه بعيدا، إلا أنه قد يؤثر على القطع. فهو دقيق.
والحقيقة أنه قد يقال: إن القطع المعتبر هنا هو القطع البسيط لا المركب، أي القطع من جهة واحدة وهو القطع العادي، والقطع العادي لا يشرط فيه انتفاء المعارض، حتى يخدش بإمكان نزوله عن القطع، فإنما ينظر فيه إلى القطع الحاصل في النفس، ولا يلتفت فيه إلى احتمال المعارض. والله أعلم .

حسن العلوي
03-05-2004, 06:22
تحية من الله مباركة إلى شيخنا العلامة سعيد فودة حفظكم الله وأبقاكم ذخراً للإسلام والمسلمين ، وأهنىء نفسي بالتفاتكم إلى هذه المباحثة في هذا السفر العظيم وأسال الله العلي القدير أن يفيدنا من تدقيقاتكم المفيدة وتحقيقاتكم الفريدة .
ولتسمح لي سيدي بصدركم الرحب المعهود منكم أن أنظر في كلامكم على نحو يحاول الغوص في ما بين سطور هذه الكلمات كما أحاول ذلك جهدي في كلام غيركم من العلماء الإجلاء مع قصور آلة الناظر ولكن بغير ذلك قد لا يقع الإنسان على المعنى المقصود من العبارات وما حوته من بديع الإشارات أسأل الله لنا ولكم الفتح منه تعالى .
وقبل أن أذكر ما أشكل علي في كلامكم أنبه على أمرين :
أولاً أنكم ذكرتم تعريضاً أن أصحاب الحواشي لم يذكروا هذه المباحث لمجرد البحث وإنما لما يترتب عليها من فوائد . وهنا أذكركم سيدي أنني لم أقل إطلاقاً أن أصحاب الحواشي ذكروا هذه المباحث لغير فائدة وإنما قلت إن التعقبات والردود المتوجه على تركيب المؤلف قد أخذت حيزاً كبيراً من تعليقاتهم مع كون كثير من هذه التعقبات ليست متوجه إلى مادة الأصول وكون هذه التعقبات تشتمل على فوائد لغوية ونحوها لكنها ليست مما الحديث عنه ولذا ترى مباحث السعد في التلويح أو حاشيته على شرح العضد على المختصر قلما تتعرض لذلك وعموماً فإن لأصحاب الحواشي فضل لا ينكره إلا من لم يمارس هذا العلم فكم من عبارة أنغلقت على الفكر وكان انجلاؤها بكلمة من محشٍ أو مقرر فرضي الله عنهم .
ثانياً : أنكم اخترتم مبحثاً ذكره المقرر العلامة الشربيني عن الخبر والإنشاء وهذا المبحث كما لا يخفاكم سيتعرض له المؤلف والشارح وغيرهم في مبحث الأخبار فكان حقه أن يؤخر إلى محله .

بعض ما استشكله فهمي من كلامكم السابق:
1ـ قولكم ( والفرق الرئيسي بين الإنشاء والخبر، أن الإنشاء هو عينه المنشيء للمعنى ، بحيث لو فرضنا عدمه، انعدم المعنى، فلا قيام للمعنى إلا به. وأما الخبر فالمعنى ثابت المشيء للمصداق ثابت في نفسه وليس ثبوته بإثبات الخبر له. بل الخبر عبارة عن مبين ومظهر ومبين لثبوت النسبة الخارجية .)
قولكم (عينه المنشيء للمعنى ، بحيث لو فرضنا عدمه، انعدم المعنى، فلا قيام للمعنى إلا به )
فيه أن المعنى قائم بنفس المتكلم فالأولى أن يقال المنشيء للمعنى خارجاً . كذلك قولكم إن المعنى ينعدم بانعدامه وأنه لا قيام للمعنى إلا به يشكل بما تقدم وبفهم المعنى من غير اللفظ كالفعل

حسن العلوي
03-05-2004, 06:23
والإشارة وغير ذلك من الدلالات ، ومما يدل على ما تقدم قول المصنف في تعريف الإنشاء ( ما يحصل مدلوله في الخارج بالكلام ) وهناك إشكالات على التعريفين أفضل ذكرها في محلها .

2ـ قولكم ( وبناء على الفرق بين النسبتين، فإنه يمكن التفريق بين الأحكام العقائدية والأحكام الشرعية العملية، لأن الثانية من باب الإنشاء والأولى من باب الأخبار، ولذلك فإن المصيب واحد قطعا في العقائد وأما في الأحكام الشرعية فاحتملت هذه المسألة الخلاف. لأن المعتمد فيها إنما هو نفس مدلول الخبر، فإن قلنا إن الخبر قد يكون دالا على معنيين اثنين، أو محتملا لهما معا، باختلاف القرائن، فيجب تجويز تعدد المصيب في الفقه والعمليات، وإلا بأن قلنا باتحاد المدلول. فالمصيب واحد. وهو الراجح ) هذه العبارة على وجازتها إلا أنها أشكلت علي من عدة جهات :

1ـ قولكم (فإنه يمكن التفريق بين الأحكام العقائدية والأحكام الشرعية العملية، لأن الثانية من باب الإنشاء والأولى من باب الأخبار )
أقول الحكم يطلق على خطاب الله المتعلق بفعل المكلف من حيث أنه مكلف وعلى النسبة التامة التي بين الطرفين إيجاباً أوسلباً وعلى الإذعان لتلك النسبة وعلى المحكوم به كما ذكره العطار والشربيني ( بتفصيل ينظر )
وعليه ما المقصود بالحكم هنا سواء في الشرعية العلمية أو العملية ؟
فإن قيل النسبة التامة ـ كما في تعريف الفقه وهو الظاهر هنا ـ أشكل بأن الأحكام العملية قد تكون خبرية لا إنشائية وبيان ذلك أن النسبة التامة هي الوقوع واللاوقوع أي وقوع ثبوت المحمول الذي هو كيفية العمل للموضوع الذي هو العمل أو لا وقوع ذلك فقولنا النية واجبة الحكم فيه هو وقوع ثبوت الوجوب ـ أو ثبوت الوجوب على رأي ـ الذي هو كيفية النية للنية التي هي العمل . قال العطار (1\58) : ( وعلم الفقه إما التصديقات المتعلقة بالمسائل أو نفس المسائل والمسألة لا تكون إلا خبرية )
إذا يكون ثبوت وجوب النية للوضوء خبر من المجتهد يمكن أن يطابق الواقع وهو حكم الله و يمكن أن لا يطابقه .
ومع تسليم أنها إنشائية فهل يدخل فيها وجوب اعتقاد أصول الديانات أو هي داخلة في الأحكام العقائدية كما أختاره التقي السبكي والعضد وغيره من المحققين ؟ فإن اخترتم ما ذهب إليه ابن السبكي من دخولها في الفقه أعترض ذلك بكون الاعتقاد من مقولة الكيف أو الانفعال وليس هو بعمل . وإن اخترتم الأول ثبت أن في الأحكام العقائدية ما هو من باب الإنشاء .

حسن العلوي
03-05-2004, 06:27
وأما إن قيل الحكم هنا هو خطاب الله ....الخ فيشكل بأن ( إفعل ) هو دليل الحكم وليس الحكم كما ذكر ذلك الإسنوي على المنهاج وأجاب المحقق البدخشي (1\37) بما لم يظهر لي .
كذلك الحكم هنا يتعلق بفعل المكلف والاعتقادات تتعلق بذات الله وصفاته .
كذلك يشكل بالحكم الوضعي على من زاده في التعريف إذ الظاهر أنها أخبار من الله عن ترتب آثارها عند هذه الأمور إلا أن يتكلف بردها إلى الخطاب التكليفي .
2ـ بتسليم أن الأولى من باب الأخبار والثانية من باب الإنشاء لم يظهر لي وجه ابتناء القطع بإصابة المجتهد في الأحكام العقائدية على ذلك ويمنع من ذلك أمور :
1ـ إن الخبر تتعلق به ثلاث نسب الأولى الذهنية وهي في نفس المتكلم والثانية لفظية أي مستفادة من اللفظ والثالثة خارجية أي هي كذلك في نفس الأمر بقطع النظر عن استفادتها من اللفظ وقد شرحتموها بعبارة رشيقة كما تقدم . وعلى ذلك فالنسبة الذهنية واللفظية إذا طابقت النسبة الخارجية فالصدق وإن لم تطابق الذهنية المعبر عنها باللفظية النسبة الخارجية فالكذب .
إذا كان كذلك فالنسبة الخبرية اللفظية من حيث هي تقبل الاحتمالات العشر المخلة بالفهم ـ مع استثناء النسخ ـ فلا تفيد اليقين إلا إذا ادعيناه في النص أو المحكم عند بعضهم وهو قليل كما قال إما الحرمين . إذا علم ذلك فأحكام العقائد قطعية ليس لكونها أخباراً بل لقيام الدليل العقلي أو السمعي القاطع على صدق تلك الأخبار . ولذلك فإن المصيب في العقائد واحد لقيام الأدلة القاطعة على صدق المخبر وعدم قبول النسبة اللفظية السمعية إلا للمعنى الواحد المراد للمخبر .
2ـ النسبة الإنشائية قد تفيد القطع ويكون المصيب فيها واحدا ويرجع مبحث ذلك إلى إفادة الأدلة اللفظية لليقين بانضمام مشاهدة أو تواتر كما هو مبحوث في محله .
فيتبين من ذلك أن الفرق بين النسبتين لا مدخل له في القطع باصابة المجتهد في العقائد دون غيرها

3ـ قولكم ( وأما في الأحكام الشرعية فاحتملت هذه المسألة الخلاف. لأن المعتمد فيها إنما هو نفس مدلول الخبر، فإن قلنا إن الخبر قد يكون دالا على معنيين اثنين، أو محتملا لهما معا، باختلاف القرائن، فيجب تجويز تعدد المصيب في الفقه والعمليات، وإلا بأن قلنا باتحاد المدلول. فالمصيب واحد. وهو الراجح )
أقول مقصود كم بالخبر هنا هو المنقول وليس المتقدم ذكره وذلك لأنكم تتكلمون عن الأحكام الشرعية العملية وهي من باب الإنشاء هذا ما فهمته من عبارتكم وعليه يرد ما يلي :
1ـ قولكم ( لأن المعتمد فيها هو نفس مدلول الخبر ) أقول ما الفرق بين الأحكام العقائدية والعملية إذ الكل يعتمد مدلول المنقول سواء أكان خبراً في الأولى أو إنشاءاً في الثانية إلا أن يكون قصدكم احتياج الأولى إلى القطع مع اعتمادها على مدلول الخبر فلا إشكال .

2ـ قولكم ( فإن قلنا إن الخبر قد يكون دالا على معنيين اثنين، أو محتملا لهما معا، باختلاف القرائن، فيجب تجويز تعدد المصيب في الفقه والعمليات، وإلا بأن قلنا باتحاد المدلول. فالمصيب واحد. وهو الراجح )
قولكم بوجوب تجويز تعدد المصيب ما وجه وجوبه ؟ فإنه مع دلالة الخبر على معنيين اثنين كالمشترك أو الحقيقة والمجاز بإرادة واحدة وسواء مع ظهور القرائن أو خفائها لا مانع من أن يكلف العمل بهما جميعاً حيث لا تضاد أو التوقف أو الرجوع للأصل وغير ذلك من احتمالات تحول دون تـأثير مدلول الخبر على توحد المصيب أو تعدده . على أن ابتناء مسألة تعدد المصيب كما لا يخفاكم ليس على ما تقدم وإنما هو عند من خالف حقيقة مبني على ثبوت أن لله في كل مسألة حكم معين أو ليس له بل ما يصل إليه المجتهد فهو حكم الله في حقه على تفصيل تعرض له الآمدي في الإحكام .
يمكن أن يقال إن مما يبنى علىالفرق بين النسبتين جواز دخول النسخ على الكلام الإنشائي دون الإخباري إذ الثاني فيما لا يتغير أو يتغير موهم للكذب وهو محال على الله تعالى بخلاف الأول كذلك مما يبنى عليه كون الوعد والوعيد إنشاء فيجوز نسخه أو أخبار فلا يجوز . وتنظر المسألة في محلها .

3ـ قولكم ( وطلب منك التصديق بأن هذه النسبة لها مطابق خارجي، ولم يكن لها مطابق خارجي، فإنه يكذب ) أقول يتحقق الكذب بعدم المطابقة خارجاً ولا تعلق لطلب المخبر أو اعتقاده.

4ـ قولكم (وفي نظري فإن قضايا علم الكلام لا تخرج من هذا التعريف ) فيه أن من قضايا علم الكلام الأيمان بالجنة والنار وأنهما موجودتان ونحو ذلك مما هو متعلق بمعين قطعاً فكيف تكون قضاياه كلها كلية كما أشرتم ؟

حسن العلوي
03-05-2004, 06:32
ـ قولكم ( الإله واجب الوجود فإنها تفيد أن كل ما هو إله فهو واجب الوجود )
ويلزم من ذلك أن جملة من قضايا علم الكلام تثبت تعدد الإله.
وبيان ذلك أن العام مدلوله كلية فقولنا الإله سميع وبجعل أل للاستغراق يكون المعنى كل إله فهو سميع وهو في قوة الإله كذا سميع والإله كذا سميع ونحو ذلك وإثبات ذلك بعض النظر عن تحققه في واحد أو لا وهذا إثبات لتعدد الإله ولو فرضاً وإنما يجيء ذلك على معنى أن الإله هو المعبود أما لو قلنا إن الإله هو المستغني عن غيره المحتاج له غيره فهو أبعد عن أن يكون كلياً إذ نفس تصور معناه يمنع من وقوع الشركة فيه لدخول الكل سواه في القيدين . وأما على ما حققه سيدي العلامة الغماري فتكون هذه القضية منحرفة لا تصلح في التخاطب فضلاً عن العلوم إذ يكون الإله خاص بالله تعالى كالرحمن فكأنك قلت كل الله بصير وإنما سميت منحرفة لأنها أثبتت لما ليس له أفراد أفرادا ولهم تعبير لا يصلح في مسألتنا . وعلى الاحتمال الأول تكون قواعد علم الكلام تثبت التعدد وذلك قبيح .
وأتساءل هنا إذا كانت جميع قضايا علم الكلام كلية ولم يكن لها تعلق بالذات المعينة التي يجب اعتقادها فلا تختص إذن بعقيدة الإسلام إذ من علم قواعد كلية دون أن يؤمن بمعين من رب ونبي فليس بمسلم . وقد أشار الشربيني إلى هذا كما ذكرتم وما قلتموه أن ذلك عقيدة خاصة إنما يتأتى بعد منع ما قدمناه وبعده لنا أن نقول يرجع الكلام في ماهية علم الكلام المصطلح عليه وأرى أنه على تعريف البايجوري وتصريحهم بأن موضوعه ذات الله يكون الخلاف ليس وراءه شيء .والله أعلم .
ما تقدم سيدي هو مجموعة خواطر طافت على ذهني القاصر فإن كان فيها ما تستوجهونه فذلك فضل من الله و إلا فلكم الحق في الإعراض عنها وما ذلك إلا من غفلتي وسوء فعلي . وكما قيل إن بعض الكلام فساده يغني عن إفساده .
ودمتم نفعنا الله بعلومكم

ملاحظة : وجدت كلاماً جيداً للبناني يدل ظاهره على أن ما له فرد أو ليس له فرد لا يدخل عليه السور الكلي قال رحمه الله في شرح السلم (133) : ( تقدم أن السور هو ما دل على تعميم الأفراد أو تبعيضها وأن المقصود من موضوع القضية مصدوقه ومن محمولها مفهومه ولذا كان من حق السور أن لا يدخل إلا على ما له أفراد يقصد الحكم عليهما تعميماً أو تبعيضاً وهو الموضوع الكلي لا الجزئي ) وتحفظنا على كلامه آخرا والله أعلم

سعيد فودة
06-05-2004, 00:37
الجواب على استدراكات العلوي:
بارك الله تعالى فيك أيها الأخ الحبيب، وأكثر من أمثالك.
ولا ينقص طرفكم دقيق النظر وحسن الاطلاع ولا عميق الأدب، فسبحان الله أحسن الخالقين.

أما ما أشرتم إليه من فائدة ما هو مذكور في الحواشي، فلم يكن كلامي تعريضا بكم ولا بغيركم من الذين يظهر منهم حسن التفهم والاحترام، وحاشاكم ولكنها كانت تنبيها لغيركم لئلا يذهب ذهنه إلى غير ما قصدتَ أيها الفاضل.
وبعد فما ذكرته في أولا وثانيا لا نخالفك فيه.


1- قولك أيها الفاضل:" فالأولى أن يقال المنشيء للمعنى خارجاً"اهـ
2- أقول هو كذلك كما هو المفهوم من السياق ولأن الخبر والإنشاء محل الكلام أوصاف للكلام اللفظي، لا النفسي، وأقصد بالسياق أصول الفقه. وكلامك لطيف.
3- وأما قولك: يشكل بما تقدم وبفهم المعنى من غير اللفظ كالفعل والإشارة وغير ذلك من الدلالات"اهـ ، فلا شك أن محل الكلام إنما هو اللفظ المنقسم من حيث دلالته إلى خبر وإنشاء. وليس المقصود من التعريف كل ما يدل على المعنى القائم في النفس.
4- وأما ما تكلمت به عن الإنشاء والأخبار وتعلقها بالعقائد والفقه، فأنا أشكرك على هذا التدقيق الحسن، ولكني أحله كله أو معظمه، بما يلي: إذا قلنا الله موجود، فهذا حكم عقائدي، وهو خبر، ومعنى الخبر المفهوم من اللفظ دال على مادصق ثابت قبل الخبر عينه، وهو نفس حقيقة الله. ولو لم يوجد الخبر أو وجد ثم فني لما أثر ذلك على ما صدقه. وأما الحكم الفقهي مثل الصلا واجبة، فحقيقة الحكم كما لا يخفى عليك إنما هو الخطاب الثابت من الله تعالى بطلب فعل الصلاة، وإنما حكمنا على ليس متعلقا بالصلاة نفسها بل بفعلن للصلاة، وهذا الحكم إنشائي كما هو واضح، ونتيجته القول بالوجوب، فالوجوب لازم للحكم كما هي طريقة المتكلمين خلافا لطريقة الفقهاء. وأما الصلاة المقامة نفسها وهي ما يصدق عليه ذلك المعنى بعد أداء العبد إياها، أو إذا قلت إن ما يصدق عليه إنما هو المعنى المفهوم من لفظ الصلاة واجبة، في الذهن قبل التوجه للعمل ، فهذا الأمرثبوته في ذهننا إنما هو بعين هذا اللفظ، ولا ثبوت له في الخارج مستقلا عن الخطاب سواء كان كلاما نفسيا قديما أو حادثا، أما مصداقه الخارجي وهو الصلاة المقامة من قبل المكلف، فهو ثابت بعده والخطاب كان سببا في إنشائه خارجا، أو أحد أسبابه (مع الإرادة والفعل الحاصل من العبد..).
5- وهكذا نقول: إن قولنا الله عالم، هو حكم عقائدي، وقولنا يجب التصديق بأن الله عالم، حكم فقهي. كما أشرت في كلامك عن بعض المحققين.
6- ويبقى كلامنا صحيحا عندما نقول: يجب الإيمان بكون الله عالما، وقولنا الله عالم، فقولنا الله عالم حكم عقائدي، أي قضية خبرية تامة، تعلم ليعتقد بها. وقولنا الإيمان (بالمعنى الاسمي)بأن الله تعالى عالم، فهذا هو عين الاعتقاد، وقولنا، الإيمان بكون الله تعالى عالما حكم فقهي أي إنشائي طلبي. ولا تداخل ولا ينقض ما قلناه.
7- وأما كون الحكم خطاب الله تعالى فهو ما بني عليه وهو طريقة المتكلمين، وأما كونه دليل الحكم وكون الحكم هو عين الوجوب المفهوم منه، فهذه طريقة الفقهاء كما لا يخفى عليك. ويبقى الحكم الطلبي وهو المقصود بالشرعي التكليفي متعلقا بفعل العبد،دائما، ويبقى الاعتقاد كيفا نفسانيا أو حديث النفس.
وأما الحكم الوضعي فلا يخفى عليك أن العلامة البيضاوي وغيره جعلوه علامات للحكم الشرعي التكليفي. ولا تكلف في هذا على هذا الفهم. فهناك حكم شرعي وهناك علامات عليه وشروط له. فأين التكلف. ب لهو مجرد اصطلاح.

وأما كون ترتب كون المصيب واحدا على ما ذكرته واحتمال تعدده في الإنشاء، فوجهه، أنا نقطع أن المقصود من الخبر هو الحكاية عن الواقع أو عن نفس الأمر، وما في نفس الأمر واحد لاستحالة اجتماع الأضداد والنقائض أو ارتفاعها. فمهما فهم من الخبر معى معينا أو أكثر فلا يخلو إما أن يكون هذا الفهم مطابقا أو لا يكون مطابقا لما في نفس الأمر. فعلى الأول الإصابة وعلى الآخر الخطأ. والحكم بالخطا والصواب قطعا واجب عقلا.
وأما في الإنشاء، فلا قطع بذلك مع احتماله، كما ذكرت، لأن المعنى مفهو من نفس اللفظ والخطاب، ويمكن أن يكون الخطاب مفهما لأكثر من معنى، ويمكن للشارع جعل أكثر من احتمالا من المعاني المفهومة كافيا للحكم بالإصابة. فمن ههنا قلت باحتمال تعدد المصيب، مع أنني أرجح القول بكون المصيب واحدا.

وأنا لم أمنع ما قلتموه من أن المفهوم من الخبر من حيث ما هو خبر، قد يحتمل الظن لا القطع، ولكن أنا أنظر إلى مدلوله من حيث كونه خبرا، والمقصود من الخبر هو التعريف بالأمر في نفسه كما قلت، وأما الطلب فقد يكون الأمر في نفسه هو عين ما يفهمه المجتهد، ومن ههنا يتعدد. ولم أنظر فيه لكون الخبر آحادا أو محتملا، فحتى لو كان محتملا فأنا لا أجوز بناء على ذلك تعدد المعاني (أي العقائد) مع تساويها بالنسبة للمكلف، فالمكلف عندما يرى الاختلاف في الأخبار العقائدية، يجب أن يعرف لزوم صواب أحدها وخطأ الباقي. لما ذكرته سابقا.

وأما وجوب تجويز تعدد المصيب فإنما بنيته على احتمال تجويز تعدد مدلول الخبر(وأنا وإن كنت ذكرت الخبر فقط في كلامي إلا أنني قصدت كما هو ظاهر الخطاب ومنه الإنشائي بدلالة كلامي عن الحكم في العمليات لا العقائد)، وهو على هذا إذا قلنا بأن الحكم إنما هو نفس ما يفهمه المجتهد من الخطاب، فيجب الحكم بجواز تعدد المصيب. وإن منعنا القول بتعدد مدلول الخطاب المتعلق بالإنشاء، فالمصيب واحد قطعا .
ولا يخفى عليك أن ما نقلت عن الأمدي وكما ذكره غيره، من الأصل في القول بتعدد المصيب، راجع إلى ما ذكرت أنا، وما ذكرته لا يناقض ما قاله العلماء بل يؤصل له. بحسب ما أرى.

وأما قولك:" يتحقق الكذب بعدم المطابقة خارجاً ولا تعلق لطلب المخبر أو اعتقاده" فإنما اعتبرت طلب المخبر لأمرين، الأول لأن الخبر من حيث هو كلام صادر عن ، يشتمل عليه، لما ذكره العلماء من قصد الإفهام، والإفهام المقصود من الخبر أمران الأول نفس النسبة ، والثاني مطابقتها لما في الخارج. فالصدق يلاحظ فيه الأمران., وقولك صحيح ولكنك لاحظت فيه نفس الخبر فقط لا من حيث كونه صادرا عن مخبر قاصد للإفهام. وأنا فصلت الكلام على الاحتمالين، ولذلك تكلمت عن الكذب والإثم لاحقا.

يتبع إن شاء الله

سعيد فودة
07-05-2004, 21:46
وأما قولك أيها الفاضل: " أن من قضايا علم الكلام الأيمان بالجنة والنار وأنهما موجودتان ونحو ذلك مما هو متعلق بمعين قطعاً فكيف تكون قضاياه كلها كلية"اهـ
فيمكن أن يقال: إنما المبحوث فيه في علم الكلام ليس نفس الوجود الثابت للجنة والنار، بل ثبوت التصديق بهما ، وأما هما فقد وردا في الشريعة. فالاعتقاد بهما من جملة العقيدة، وأما البرهان على صحة الاعتقاد بهما فهو من علم الكلام. وهذا على ما أشرت إليه سابقا من أن علم الكلام إنما يبحث في الأدلة والبيان للعقائد، وليس في نفس ثبوت العقائد، فعلم الكلام يبحث في الاحتجاج للعقائد والدفاع عنها وبيانها. لا في نفسها عقيدة عقيدة.
ويمكن أن يقال أن المبحوث فيه في علم الكلام إنما هو القانون الكلي الذي نؤمن بناء عليه بالجنة والنار، وليس في نف الجنة والنار، فنقول مثلا: القانون الكلي في ذلك هو أن كل ورد به الشرع ولم يخالف المقطوع العقلي، فيجب الإيمان به، فيكون الإيمان بالجنة والنار جزئيا من جزئيات هذه القاعدة الكلية.

وأما قولك أيها الفاضل :" يلزم من ذلك أن كل قضايا علم الكلام تثبت التعدد للإله...الخ"اهـ
فهو متقن ولطيف يدل على فضلك. ولكن لي عليه ملاحظات.
أولا: ما استندت إليه من كلام السيد الغماري، ليس مسلما، ولي تعليق عليه، كتبته منذ سنوات عديدة. وربما أنشره في هذا المنتدى.
ولا أرى أن المناطقة أخطأوا في المسألة التي التفت هو إليها رحمه الله تعالى.
ثانيأ: أما لزوم تعدد الآلهة فلا يلزم قطعا مما قلته، وذلك أن ما قلته معناه، كل ما هو إله فهو عالم وعلمه متعلق بجميع المتعلقات، وكل ما هو إله فهو قادر وقدرته متعلقة بجميع المتعلقات. وهذا كما لا يخفى عليك فرضي بناء على التقدير الذهني بتعدد الآلهة. ولكن نفس الذهن يقول إن الإله يستحيل تعدده، فيكون القول الأول صحيحا، والثاني صحيحا، قطعا. لأن الأول عام في كل ما يفرض إلها سواء عند المسلمين وهو واحد قطعا، أم عند غيرهم ممن يقولون بتعدد الإله، فيجب عليهم إما أن يثبتوا هذه الصفات للإله الآخر أيضا، فإن لم يستطيعوا فعليهم أن يعترفوا بأنه ليس بإله وتكون دعواهم هذه مجردة عن الدليل.
يعني إن الكفار إن قالوا الكواكب آلهة، فإننا نقول لهم كل ما هو إله يجب أن يكون قادرا قديما، فأثبتوا لنا قدرة الكواكب، وقدمها. فإن لم يستطيعوا فإن دعواهم تبطل قطعا.
هذا هو المقصود من عبارتي وهو الظاهر من معناها، وأما ما استلزمته منها فلا يلزم.
وبناء على ذلك ينحصر ما هو مذكور في علم الكلام من قواعد في العقيدة الحقة الصحيحة، ولا يكون مشتركا بين جميع العقائد.
وهذا كله مبني على ما لا يخفى عليك من أن موضوع علم الكلام ليس هو ذات الله تعالى بل هو كل معلوم يصلح أن يستفاد منه تدعيم العقائد الإيمانية.

وما أشرت إليه من كلام البناني لا يستلزم ما ذكرتَ أيها الفاضل، لأن الكلي لا يشترط فيه وجوده خارجا، بل مجرد فرضه ولو تقديرا وإن امتنع وجود أكثر من فرد له.

هذا ما تنقح لي باختصار أرجو أن أكون مصيبا، ويسرني أن أتباحث مع فاضل مثلك، يشحذ الذهن، ويتكلم بما يعي فإن أمثالك قليلون في هذا الزمان.
والله الموفق.

حسن العلوي
15-05-2004, 08:13
سيدي العلامة سعيد وفقكم الله وحفظكم بما حفظ به أحبابه وأوليائه .
أعتذر عن تأخري ولقد أمتعني ما كتبتم كما هي عادتكم وقد اتضح ـ بحمد الله تعالى ـ لي الكثير فزادكم الله علماً وفهماً إلا أنني بقي عندي بعض الأمور أحببت ان أرجأها إلى محالها حيث سيذكرها المصنف وأرجو أن تتضح لي هناك و حفظاً لاطراد الموضوعات في أبوابها إلا أنني أستميحكم سيدي بذكر أمر أستوضحه :
قولكم (. وأما كون ترتب كون المصيب واحدا على ما ذكرته واحتمال تعدده في الإنشاء، فوجهه، أنا نقطع أن المقصود من الخبر هو الحكاية عن الواقع أو عن نفس الأمر، وما في نفس الأمر واحد لاستحالة اجتماع الأضداد والنقائض أو ارتفاعها. فمهما فهم من الخبر معى معينا أو أكثر فلا يخلو إما أن يكون هذا الفهم مطابقا أو لا يكون مطابقا لما في نفس الأمر. فعلى الأول الإصابة وعلى الآخر الخطأ. والحكم بالخطا والصواب قطعا واجب عقلا )
أقول إن المخبر عنه الخارجي قد تكون له عدة جهات وهي إما أن تقبل الاجتماع أو لا الأولى يجوز أن تحتملها صيغة الخبر فيصدق بها جميعاً بخلاف الثانية كقولنا دخل محمد بغداد تحتمل محمد نفسه وهو الظاهر أو جيشه أو كتابه فإذا حصل فهم لأحد الماصدقات عند حصولها في الخارج جميعاً صدق الخبر بها لكل فاهم وهذا كأنني أيضاً ألمحه في كلامكم ألا أنه يظهر منه عدم اكتمال ذلك الابتناء الذي ذكرتموه إذ فرضتم أن الخبر إما أن يطابق الخارج فالصدق أو لا فالكذب لاستحالة اجتماع الضدين وهذا مسلم ولكن في حال ما إذا كان الخبر لا يحتمل جهات ذلك الخارجي أولم تحصل جميعا كذلك إذا قام دليل على أن مدلول الخبر ليس له إلا جهة واحدة هي المقصودة كقولنا الله واحد لا شريك له فالمقصود به معنى واحد لا يحتمل ليس للخبر ولكن لقيام القاطع على ذلك ولو لم يكن خبر كما أشرتم ويمكن استتبا ع الأمر في اللفظ المشترك كقوله عندي عين أو عيون . فإذا كنتم سيدي لا تخالفون في ذلك فأرجو أن تبينوا كيف يكون الفرق بين النسبتين مؤثراً على توحد المصيب أو تعدده إلا إن قصدتم بإعانة الخارج فيتم ما سبق .
وما ذكرتم من الأدب في كلام الفقير هو غيض مما يفيض به الفؤاد نحوكم وقليل في ساحة جنابكم فجزاكم الله خير ما جزى والدا عن ولده وعالما عن علمه ونفعنا بكم سالمين .
وما ذكرتم فيّ سيدى مبني على حسن ظنكم وتواضعكم الجم وأرجو من الله أن يحققه كذلك ببركتكم .

سعيد فودة
19-05-2004, 23:08
الجواب:
بارك الله تعالى فيك أيها الأخ الفاضل

النسبة الخبرية التامة، كقولك زيد قائد، لا يخفى عليك أنها لا تتم إلا إذا بينت جهاتها من الزمان والمكان والضرورة والإمكان، وغير ذلك، ومع إهمال ذكر هذه الجهات، فنحن نقدر عمومها أو خصوصها بحسب ما يلائم المقام.
ولذلك فالأخبار إما أن تكون مذكورة فيها الجهات بشكل تام، أو لا، كقولنا سيدنا محمد عليه رأى ربه ، فهذه مطلقة غير مقيدة بأي جهة. وأما لو قلنا سيدنا محمد رأى ربه في ليلة الإسراء والمعراج مثلا. فهي مقيدة بالزمان، أي موجهة بالزمان.
فالعبارة الأولى يمكن أن يقرأها واحد فيقول نعم على فرض الإسراء، ويمكن أن يقرأها واحد فيقول لا، على فرض غير الإسراء هذا على افتراض تحقق الرؤية بالفعل في تلك الليلة. ولا يمكن أن تحكم بالغلط على أي أحد منهما، إلا بالقيد السابق.
وأما العبارة الثانية فلا يوجد إلا احتمال واحد ممكن في حال واحدة ف إما نعم أو لا، وواحد منهما غلط وواحد صواب. فباتحاد الجهة تقل الاحتمالات.
وهكذا هي الأخبار العقائدية، يجب أن لا نفرض النزاع فيها إلا مع تحديد الجهات بشكل تام، لنتحقق أنه عند الاختلاف هل اتحدت الجهة أو لا، ولذلك وجدت بعض الاختلافات بين العلماء كانت لفظية لاختلاف الجهة.

ولذلك فالمصيب واحد في العقائد، لأن النسبة الواحدة التامة لا تحتمل خارجا مطابقا إلا واحدا، سواء علمناه ما هو بالفعل أو جهلناه، فعلى كلا الحالتين نقطع بصواب واحد وخطأ الآخر. غاية الأمر أنا لم نستطع تحديد المخطي من المصيب.

وأما الإنشاء فإن المعنى مفهوم من نفس اللغة والخطاب، فإن كان الخطاب محتملا لفهمين، وهذا موجود ومتحقق، فيجب تجويز الخلاف.
ولكن على الفرض الذي فرضته أيها الفاضل سابقا، من أن الواقع المطابق في هذه الحالة إنما هو علم الله تعالى، وما في علم الله تعالى إنما هو حكم واحد فقط للحادثة الواحدة. فيكون للإنشاء خارجا للخبر إلا إنه ههنا علم الله تعالى فقط، وفي الخبر، علم الله والخارج.
فبناء على ذلك أجزت أنا القول بتعدد المصي على وجه التجويز لا على وجه الترجيح والتحقيق.
ولكن لم لا يقال إن الخطاب الصادر عن الشارع إذا كان محتملا من الناحية اللغوية لمعنيين اثنين، كدلالة صيغة الأمر مثلا على الطلب (الصادق على الوجوب والندب)أو الوجوب فقط. فهل يوجد دليل قاطع على أن الله تعالى أراد فقط أحد هذين المعنيين للصيغة؟؟! أم إننا مهما رجحنا أحدى الدلالتين فإننا سوف نبقى محتملين ولو احتمالا مرجوحا عندنا للآخر..
ويكون في هذه الحالة كجواز استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه أو المشترك في معنييه تمثيلا فقط لا تحقيقا.
ومن هذا الباب احتملت الاختلاف مع التصويب في الإنشائيات ونفيت التصويب فقط في الخبريات.
فيتبين لك أيها الفاضل أن للخارج مدخلية كما أشرت، ولكن مدخليته ليست من حيث تحقق العلم بها بالفعل، بل تصح مع الجهل بها، غاية الأمر أننا عندما نعلم الخارج نرجح قطعا أحد الاحتمالين الخبريين، ومع جهل الخارج، نبقى متشككين ما هو الاحتمال الصحيح، ولكننا يجب علينا القطع والجزم بخطأ احتمال وإصابة الآخر.
والله أعلم.