النتائج 1 إلى 10 من 10

الموضوع: المنتقى من:(مسائل السلوك من كلام ملك الملوك) لحكيم الأمة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    438
    أرجو تغيير "قد سره" لتصبح "قدس سره"

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    الدولة
    عمان- الأردن
    المشاركات
    3,723
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

    سيدي،

    وضع تلك البقية هنا جزاكم الله خيراً!!

    أو هات العنوان الفرعي.

    والسلام عليكم...
    فالله أحقّ أن تخشوه إن كنتم مؤمنين

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    438
    أبشر ما يسرّك أخي الكريم محمد , فقد اتصلت بصديقنا صاحب الموقع المذكور -وهو عالم هندي مقيم في مكّةالمكرّمة- إلا أن الاتصال انقطع مراراً , ولذلك عزمت على تلبية أمرك ووضع الكتاب في هذا المنتدى المبارك , وذلك سيأخذ وقتاً لصعوبة قراءة الكتاب , فهو طبعة حجرية تم طبعها في دلهي عام (1343هـ) .

    ومع ذلك فهذا الكتاب النادر يستحق اهتماماً كبيراً لفوائده الغزيرة الكثيرة , وأبدأ بذكر ترجمة وجيزة لمؤلفه العظيم , شيخ شيوخي القدماء مولانا أشرف على التهانوي -رحمه الله تعالى- .

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    438
    ترجمة حكيم الأمة الفقيه الحافظ
    مولانا أشرف علي التهانوي

    أبتدأ ترجمة هذا الإمام الذي قضى نحبه ولم يجف لبده، ولم يسترح قلمه، ولم تسكن حركته وجهده , ولم يفتر عن دعوته وتبليغه , بما سمعته من العلماء الذي أخذوا عن طلابه , مقتبساً بعض الشيء من نزهة الخواطر للعلامة الحسني , ومن كتاب علماء ديوبند .
    فأقول مستعيناً بالله :


    مولده ونشأته :
    ولد بتهانه قرية من أعمال مظفر نكر لخمس خلون من ربيع الآخر سنة ثمانين ومائتين بعد الألف، وقرأ المختصرات على مولانا فتح محمد التهانوي والمولوي منفعت علي الديوبندي، وقرأ أكثر كتب المنطق والحكمة وبعض الفقه والأصول على مولانا محمود حسن الديوبندي المحدث، وأكثر كتب الفقه والأصول وبعض الحديث على مولانا محمود الحسن الديوبندي ، والفنون الرياضية والمواريث على شيخنا السيد أحمد الدهلوي، والحديث والتفسير على مولانا يعقوب بن مملوك العلي النانوتوي، كلها في المدرسة العالية بديوبند.

    حجه وبيعته :
    ثم سافر إلى الحجاز فحج وزار وأخذ الطريقة عن الشيخ الكبير إمداد الله التهانوي المهاجر إلى مكة المباركة، وصحبه زماناً ثم رجع إلى الهند ودرس مدة طويلة في مدرسة جامع العلوم بكانبور مع اشتغاله بالأذكار والأشغال، حتى غلبت عليه الحالة فترك التدريس وسافر إلى أقطار الهند وراح إلى الحجاز مرة ثانية وصحب شيخه مدة، ثم عاد إلى الهند وأقام بموطنه في آخر صفر سنة خمس عشرة وثلاثمائة وألف، فلم يغادره إلا نادراً للتداوي أو لاضطرار

    كثرة مصنفاته :
    أجمع طلاب الشيخ ومرافقوه أن الله تعالى قد طرح له البركة في أوقاته إلى حدّ يُذهل العقول , فقد كان يقوم بالأعمال العسيرة ويصنّف الكتب الكثيرة في أوقات قصيرة جداً , واختلف العلماء والباحثون في عدد مصنّفات الإمام التهانوي , فذهب بعضهم إلى أنها تقرب من الخمسمائة مصنف , وقال آخرون بأنها تزيد على السبعمائة , وذهب العلامة الحسني إلى أنها تزيد على الثمانمائة , وقال آخرون بأنها تزيد على الألف , وهذه كلّها تخمينات وتوقعات لم تقم على الإحصاء الدقيق , إلى أن جاء العلامة مولانا عبد الخالق بن مياجي الباكستاني الأزهري وقام بإحصاء كتب الشيخ , فبلغت ما يقرب من ألف ومئتين كتاباً , ما بين كتاب ضخم ذي مجلدات –وأضخمها بلغ ثلاثين مجلّداّ- ورسالة صغير كتبت كجواب على استفتاء أو بحث في مسألة مفردة , ولما ذهبت إلى قلعة أهل السنة والجماعة في الهند –جامعة ديوبند- قبل عام تقريباً , وجدت رئيس المكتبة فيها يعمل على جمع كتب الشيخ التهانوي , فكانت الكتب التي استطاع جمعها حتى ذلك الحين قد أخذت ثمانية رفوف!!!

    زهده وورعه :
    لقد كان الإمام التهانوي تقياً نقياً زاهداً , عذب المشرب، عف المطلب , كف عن زخرف الدنيا ونضرتها، وغض طرفه عن متاعها وزهرتها، وأعرض عنها وقد عرضت له بزينتها، وصد عنها وقد تصدت له في حليتها.
    أخبرني أحد المجازين في الحديث عن بعض طلابه , أن الشيخ كان متزوجاً زوجتين لكونه لم يُرزق الأبناء من الأولى , وقد كان شديد العدل بين زوجاته , حتى أنه في أحد الأيام أوصى تلميذاً له بأن يشتري له البطيخ , فلما جاء التلميذ بالبطيخة قسمها الشيخ قسمين متساويين , ثم قسم كل واحد منهما إلى نصفين , وأخذ النصف الأول من القسم الأول ووضعه مع النصف الثاني من القسم الثاني , وأخذ النصف الثاني من القسم الأول ووضعه مع النصف الأول من القسم الثاني , ومن ثم أرسل أحد هذه الأجزاء إلى زوجة والآخر إلى الزوجة الأخرى , فتعجّب طلّابه لصنيعه العجيب الغريب , وسألوه عن سبب فعله فأجاب : لعلّ أحد القسمين يكون أحلى من الآخر! فأحببت أن أعدل بين الزوجتين في قسمة البطيخة!!
    وقد كان شديد التعفف عن قبول الهدايا من طلّابه حتى لا يميل قلبه إلى أحد منهم أكثر من الآخرين , وإذا أراد أحد إهداءه شيئاً.. قبله بشرط ألّا يكون فيه تكلّف , وقد حدّثني مولانا محمد طيّب الجشتي أن أحد مريدي الشيخ أراد أن يحضر له هدية من الحلوى المشهورة في الهند , والتي تزن الحبّة منها ما يقارب خمسن غراماً كبعض أنواع الحلوى عندنا , فقبل الشيخ حبتين من الحلوى فقط , فما كان من هذا المريد الذي تعلق قلبه بشيخه إلا أن يصنع حبتين من الحلوى يصل وزن كلّ واحدة منهما كيلو غراما!!


    رسوخه في علم السلوك والتصوّف :
    يظن البعض أن الإمام التهانوي كان محدّثاً كبيراً , وفقيهاً محققاً مدققاً فحسب , إلا أنه في الحقيقة قطب من أقطاب التصوّف في القرن المنصرم , وتشهد له مواعظه التي دوّّنها طلابه في مجالسه , والتي لاقت رواجاً وانتشاراً كبيرا بين العامة والخاصة في الدّيار الهندية , وقد كانت مجالسه تغص بالمريدين والمستفيدين من كافّة أرجاء الهند , وكان وعظه السحر الحلال , والماء الزلال , وفي القوة الشلال , النازل من مكان عال , وإذا تكلّم طاوعته الألفاظ , وانقادت له المعاني , ولم تتوقف عنه أمداد اللغة .
    صار حكيمُُ الأمة مرجعاً في التربية والإرشاد وإصلاح النفوس وتهذيب الأخلاق، تشد إليه الرحال ويقصده الراغبون في ذلك من أقاصي البلاد وأدانيها، وانتهت إليه الرياسة في تربية المريدين وإرشاد الطالبين، والإطلاع على غوائل النفوس ومداخل الشيطان، ومعالجة الأدواء الباطنة والأسقام النفسية، وهو ملتزم لمكانه، يقصد ولا يقصد، ويؤتى ولا يأتي، وللإقامة في زاويته والاستفادة من مجالسه قيود والتزامات، يحتملها الطالبون، لا يلتزم ضيافة القاصدين شأن الزوايا، بل يقومون بذلك بأنفسهم، ويخص بعض الفضلاء وخاصة الزائرين بالضيافة، ومع ذلك يؤمه الطالبون من أنحاء بعيدة، ويتحملون نفقاتهم .
    وقد صنّف عدّة كتب في علم التصوّف والسلوك , كانت فريدة في بابها , خطيبة في محرابها , تلقاها العلماء والمريدون بالقبول والثناء , فكانت رقية القلب السليم ، وغرة العيش البهيم , وتعتبر سمرا بلا سهر، وصفوا بلا كدر , ومن هذه الكتب :
    1. مسائل السلوك من كلام ملك الملوك في مجلدين , وقد طبع بحاشية تفسيره العظيم "بيان القرآن" , كما طبع كنفرداً .
    2. التشرف بمعرفة أحاديث التصوّف , في ثلاث مجلدات , وقد كتب على غلافه :
    " قال تعالى : ((تلك أمانيّهم قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين))
    لمّا دلّت الآية على أن الدعوى بلا برهان مما يجب منه التعفف , وكان الحكم على غير الحديث بكونه حديثاً داخلاً في التعسّف , كما أن عكسه داخل في التقشّف , وكان الابتلاء في هاتين البليتين قد كثر في أحاديث التصوف , فكانت الرسالة الملقبة بالتشرف بمعرفة أحاديث التصوف , مع ترجمتها الموسومة بتكميل التصرف في تسهيل التشرف , وافية عن كلتيهما لما فيها من التحقيق والتعرّف , خالية عن المجازفة والتكلف , فالحائزعليها بعيد إن شاء الله تعالى عن التأسف , قريب إلى التنظف , من تصنيفات صاحب الفهم والتعرف , كاشف معضلات التصوف , مولانا المولوي الحافظ الحاج الشاه أشرفعلي , سلّمه الله الولي العلي..."
    ولعلي أقتبس بعض الفوائد العزيزة منه بعد الانتهاء من هذا الكتاب .
    3. حقيقة الطريقة
    4. الفتوح فيما يتعلّق بالروح
    5. التكشّف عن مهمات التصوّف
    6. تكميل اليقين
    7. تربية السالك وتنجية الهالك
    8. أنوار الوجود في أطوار الشهود
    9. التجلي العظيم في أحسن تقويم
    10. إصلاح الرسوم
    11. مجالسه الوعظية
    وله رسائل وإجابات كثيرة في التصوف والسلوك غير ما ذكرته .


    تبحّره في علم التفسير :
    لقد كان الإمام التهانوي أشهر المفسرين والمقرئين في الدّيار الهندية على كثرتهم ووفرتهم , فقد صنّف الكتب العظيمة النافعة التي كانت محل إعجاب من العلماء والمفسرين , ومن كتبه في هذا الباب :
    • بيان القرآن : أشهر التفاسير باللغة الأوردية , وهو من المقررات في مادّة التفسير في جامعات الهند , إذ يدرسون في المرحلة الأولى تفسير الجلالين مع حاشية مختصرة عليه , ثم حاشية الكمالين في شرح الجلالين , والمرحلة الثانية يدرسون تفسير البيضاوي أو الخازن , والمرحلة الثالثة يدرسون هذا التفسير(بيان القرآن) , والمرحلة الرابعة يدرسون مواضع يحدّدها المدرّس من تفسير الكشاف والرازي والنهر الماد وروح المعاني وابن كثير وغيرها .
    • سبق الغايات في نسق الآيات
    • تنشيط الطبع في إجراء القراءات السبع: وهو كتاب عظيم في علم القراءات
    وغيرها الكثير .


    أوقاته وانشغاله بالدعوة والتبليغ :
    وكان أوقاته مضبوطة منظمة، لا يخل بها ولا يستثنى فيها إلا في حالات اضطرارية، وكان إذا انصرف من صلاة الصبح اشتغل بذات نفسه، عاكفاً على الكتابة والتأليف منفرداً عن الناس، لا يطمع فيه طامع إلى أن يتغدى ويقيل ويصلي الظهر، فإذا صلى الظهر جلس للناس يكتب الردود على الرسائل، ويقرأ بعضها للناس ويتحدث إليهم، ويؤنسهم بنكته ولطائفه، وكان حديه نزهة للأذهان، وفاكهة للجلساء، بحيث لا يملون ولا يضيقون، ويكتب بعض الحجب والتعويذات، فإذا صلى العصر انفرد عن الناس واشتغل بشؤون بيته إلى أن يصلي العشاء، فلا يطمع فيه طامع.
    وقد كان من كبار العلماء الربانيين الذين نفع الله بمواعظهم ومؤلفاتهم، وقد بلغ عدد مجالس وعظه التي دونت في الرسائل وجمعت في المجاميع إلى أربعمائة مجلس، وقد كان نفع كتبه ومجالس وعظه عظيماً في إصلاح العقيدة والعمل، واستفاد منها ألوف من المسلمين، ورفض عدد لا يحصيه إلا الله العادات والتقاليد الجاهلية والرسوم والبدع التي دخلت في حياة المسلمين وفي بيوتهم وأفراحهم وأحزانهم بسبب الاختلاط الطويل بالكفار وأهل البدع والأهواء، وقد كان له فضل كبير في تيسير الطريقة وتقريبها، وتنقيح الغايات من الوسائل، واللباب من القشور والزوائد.
    كان رحمه الله مشتغلاً بالدعوة والتبليغ , مرشداً وناصحاً للجماعات التي تجوب الهند في سبيل التزكية والإصلاح , لا يألو جهداً في تقديم الإرشادات والدعاء لهم , فاستفاد منه الألوف في هذا المجال .
    وكانت له اليد الطولى في المعارف الإلهية، ومهارة جيدة في التصنيف والتذكير، ورزق من حسن القبول ما لم يرزق غيره من العلماء والمشايخ في العصر الحاضر .


    خَلقه وخُلُقه :
    وكان مشكلاً منور الشبيه، أبيض مشرب الحمرة ربعة من الرجال، حسن الثياب في غير إسراف وتجمل، حلو المنطق، لطيف العشرة، فيه دعابة مع مهابة ووقار وسكينة ورزانة، كثير المحفوظ، حسن الاستشهاد بالأبيات، كثير الإنشاد لأشعار المثنوي لمولانا جلال الدين الرومي في المواعظ والمجالس في محالها، شديد العناية كثير الحسبة على أداء الحقوق إلى أصحابها وإصلاح المعاملات مع الناس، لا يحتمل في ذلك تساهلاً وتغافلاً.

    وفاته :
    توفي إلى رحمة الله تعالى لست عشرة خلون من رجب سنة اثنتين وستين وثلاثمائة وألف وقد بلغ من العمر اثنتين وثمانين سنة، ودفن في تهانه بهون.

    ثناء الإمام الكوثري على حكيم الأمة :
    قال العلامة الكوثري في مقالته التي كتبه في جهود علماء الهند في خدمة السنة المطهرة في القرون الأخيرة :
    "وكذلك عنى بهذا الأمر العلامة الأوحد , والحبر المفرد , شيخ المشايخ في بلاد الهندية , المحدث الكبير والجهبذ الناقد , مولانا حكيم الأمة , محمد أشرف علي التهانوي , صاحب المؤلفات الكثيرة البالغ عددها نحو خمسمائة مؤلف ما بين كبير وصغير، فألف – طال بقاؤه – كتاب "إحياء السنن" وكتاب "جامع الآثار" في هذا الباب ويغنى عن وصفهما ذكر اسم مؤلفهما العظيم وكلاهما مطبوع بالهند إلا أن الظفر بهما أصبح بمكان من الصعوبة حيث نفدت نسخهما المطبوعة لكثرة الراغبين في اقتناء مؤلفات هذا العالم الرباني – وهو الآن قد ناهز التسعين أطال الله بقاءه – وهو بركة بلاد الهندية وله منزلة سامية عند علماء الهند حتى لقبوه حكيم الأمة."

    رثاء الإمام محمد إدريس الكاندهلوي لحكيم الأمة :
    لقد قبضت روح العلی والمكارم = بموت حكيم الهند أشرف عالم
    وقد قبضت روح الفضائل والهدی= بموت إمام الهند رأس الأكارم
    نقي تقي عالِم أي عالِم = وموته والله موتة عالَم
    وكان جنيد الوقت ونعمان عصره= وفي البحث كالرازي عند التخاصم
    وكان خطيباً مصقعاً أي مصقع = مواعظه مشهورة في العوالم
    وقد كان في التفسير آية ربه = همي علمه مثل الحيا المتراكم
    وأحيا علوم الدين مدة عمره= وما خاف في مولاه لومة لائم.


    وسأضع في هذا المنتدى بعض مقالاته الصغيرة مما تُرجم إلى العربية -إن شاء الله تعالى-
    التعديل الأخير تم بواسطة عثمان محمد النابلسي ; 05-10-2009 الساعة 22:47

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    438
    وهذه أغلفة بعض كتبه في سلسلته في الدعوة والتبليغ (باللغة الأردية) والتي زادت على المائة كتاب :

    التهذيب - المجلّد السادس :




    تلخيص ألفاظ القرآن :





    مهمات الدّعاء :






    وهذه قطعة من كتابنا الحالي (مسائل السلوك) :




  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    438

    مقدّمة مسائل السلوك من كلام ملك الملوك

    المقدّمة


    قال الإمام التهانوي -قدس الله سرّه- :
    (إن من العلوم القرآنية كثير من مسائل التصوف مما ذكره الصوفية –قدست أسرارهم- في كتبهم مستندين إلى القرآن , وجملة ما ذكروه قسمان :
    - قسم دل عليه القرآن بوجوه الدلالات المعتبرة عند أهل العلم والاجتهاد تنصيصاً , ويسمّى تفسيراً أو استنباطاً , ويسمّى فقهاً , ولا كلام في كون هذا القسم مدلولاً للقرآن .
    أما التنصيص فظاهر , وأما الاستنباط فلِما تقرر من أن القياس مظهر لا مثبت .
    - وقسم لا دلالة للقرآن عليه بعينه , ولا على ما يشاركه في العلة الشرعية , لكن له دلالة على ما يناسبه بنحو من المناسبة , ويسمى اعتباراً .
    وهذا القسم مما تكلموا في كونه مدلولاً له , فكم من مثبت له وهو ظاهر صنيع كثير من الصوفية , وكم من ناف له وهو ظاهر كلام حملة العلوم الظاهرة .

    والقول الفصل في الباب أن النفي حق إن أريد بالدلالة كون ذلك المعنى مقصوداً بلا واسطة كالمنصوص , أو بواسطةٍ كالثابت بالقياس , والإثبات حق منقول من السلف إن أريد بالدلالة ما هو أعم من ثبوته بأحد الطريقين المذكورين , ومن ثبوت الشيء من أصله بنحو من الأصالة من غير أن يقصد مع القول بإرادة المعنى الظاهري قطعاً , فإن إبطال هذا المعنى باطل وذهاب إلى مذهب الباطنية الضالة , ولنسمعك على جميع ما أوعينا .

    أمّا أن لهذا الصنيع أصلاً من السلف , فقد روى رزين عن ابن عباس –رضي الله عنه- في قوله تعالى : ((اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا))-الحديد 17 , قال : يلين القلوب بعد قسوتها فيجعلها مخبتة منيتة يحيي القلوب الميتة بالعلم والحكمة وإلا فقد علم إحياء الأرض بالمطر مشاهدة , فقول ابن عباس –رض- صريح في صحة تأويل الأرض بالقلب , وهل هذا إلا الذي يسلكه الصوفية , ... ظاهره ينفي ظاهر التفسير , لكن لمّا كان هذا التفسير يقينيا يصرف القول عن المتبادر إلى أن مراده –رض- إيقاظ السامع أن لا يكتفي من الآية على ظاهرها وإن كان مقصوداً , بل يعتبر به وينتقل إلى حال القلب .

    ثم نقل الشيخ تحقيقاً للشاه ولي الله الدّهلوي في هذا الباب , نقلاً عن كتابه الفوز الكبير بالفارسية , إلى أن قال :
    فثبت بهذا التقرير كون ذلك الطريق له أصل , وأما كون إبطال المعنى الظاهر باطلاً , ففي روح المعاني تحت آية : ((أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا..)) :
    "وقال ابن عطية روى عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى : { أنزل من السماء مآء }: يريد بالماء الشرع والدين , وبالأودية القلوب , ومعنى سيلانها بقدرها أخذ النبيل بحظه والبليد بحظه , ثم قال : وهذا قول لا يصح والله تعالى أعلم عن ابن عباس لأنه ينحو إلى قول أصحاب الرموز ، وقد تمسك به الغزالي وأهل ذلك الطريق ، وفيه إخراج اللفظ عن مفهوم كلام العرب بغير داع إلى ذلك ، وإن صح ذلك عن ابن عباس فيقال فيه : إنما قصد رضي الله تعالى عنه أن قوله تعالى : { كذلك يضرب الله الحق والباطل } [ الرعد : 17 ] معناه الحق الذي يتقرر في القلوب والباطل الذي يعتريها اه ونحن نقول : إن صح ذلك فمقصود الحبر منه الإشارة وإن كان يريد غير ظاهر فيه ، وحجة الإسلام الغزالي عليه الرحمة أشد الناس على أهل الرموز القائلين بأن الظاهر ليس مراد الله تعالى كما لا يخفى على متتبعي كلامه " اهـ

    ولقد أتى الإمام الغزالي بالقول الصراح والفصل البواح في المسألة في كتابه مشكاة الأنوار , حيث قال :
    " ولا تظننّ من هذا الأنموذج وطريق ضرب المثال رخصة منّي في رفع الظواهر واعتقاداً في إبطالها , لا تظنن من هذا الأنموذج وطريق ضرب المثال رخصة مني في رفع الظاهر واعتقادا في إبطالها حتى أقول مثلا لم يكن مع موسى نعلان، ولم يسمع الخطاب بقوله: (اخلع نعليك) حاش لله فإن إبطال الظواهر رأى الباطنية الذين نظروا بالعين العوراء إلى أحد العالمين ولم يعرفوا الموازنة بين العالمين، ولم يفهموا وجهه. كما أن إبطال الأسرار مذهب الحشوية , فالذي يجرد الظاهر حشوى، والذي يجرد الباطن باطني. والذي يجمع بينهما كامل , ولذلك قال عليه السلام: (للقرآن ظاهر وباطن وحدٌ ومطلع) وربما نقل هذا عن علىّ موقوفا عليه. بل أقول فهم موسى من الأمر بخلع النعلين اطراح الكونين فامتثل الأمر ظاهرا بخلع نعليه، وباطنا باطراح العالمين. وهذا هو (الاعتبار) أي العبور من الشيء إلى غيره، ومن الظاهر إلى السر. وفرق بين من يسمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الملائكة بيتا فيه كلب) فيقتنى الكلب في البيت ويقول ليس الظاهر مرادا، بل المراد تخلية بيت القلب عن كلب الغضب لأنه يمنع المعرفة التي هي من أنوار الملائكة: إذا الغضب غول العقل، وبين من يمتثل الأمر في الظاهر ثم يقول: الكلب ليس كلبا لصورته بل لمعناه- وهو السبعية والضراوة- وإذا كان حفظ البيت الذي هو مقر الشخص والبدن واجبا عن صورة الكلب، فبأن يجب حفظ بيت القلب- وهو مقر الجوهر الحقيقي الخاص- عن شر الكلبية أولى. فأنا أجمع بين الظاهر والسر جميعا، فهذا هو الكامل: وهو المعنى بقولهم (الكامل من لا يطفىء نور معرفته نور ورعه) ولذلك ترى الكامل لا تسمح نفسه بترك حد من حدود الشرع مع كمال البصيرة"اهـ وقريب منه في روح المعاني , وأما كلام الصوفية من القرآن فهو من باب الإشارات إلى دقائق تنكشف على أرباب السلوك , ويمكن التطبيق بينها وبين الظواهر المرادة , وذلك من كمال الإيمان ومحض العرفان , لا أنهم اعتقدوا أن الظاهر غير مرادٍ أصلاً , وإنما المراد الباطن فقط إذ ذاك إلى اعتقاد الباطنية الملاحدة , ومن ادعى فهم أسرار القرآن ولم يحكم التفسير الظاهر فهو كمن يدعي البلوغ إلى صدر البيت قبل مجاوزة الباب. اهـ .

    وقد أتيت بهذا التقرير مع زيادة تحقيق حديث أن لكل آية ظهراً وبطناً(1) , في المجلد الأول من (كليد مثنوي- صفحة 82)(2) , فإن اشتقت إليه فاطلع عليه , وبمجموع ما نقلنا ظهر مجموع ما أوعينا سابقاً من اعتبار فن الاعتبار مع بقاء الظاهر على ما هو عليه , ولطالما أحدّث نفسي بجمع جملة كافية من جنس تلك المسائل من القرآن , لكن كلّ أمر مرهون بوقته .

    وقد جعلت تفسير روح المعاني في هذا المقصد أصلاً أصيلاً لجمعه القدر الكافي منه , وحيث ما أضم إليه شيئاً من غيره أبتدؤه بقولي قال العبد الضعيف) , وأختمه بقولي : (انتهى القول) .

    ولقد كنت كتبت قبل هذا في هذا الباب رسالة مختصرة , بالغة غاية الاختصار , وسمّيته (بتأييد الحقيقة من الآيات العتيقة) , وكأنها كانت كالمقدّمة لهذا , ولقد اقتصرت على الباب من القسم الأول في المتن , وأضفت بعض الأشياء من القسم الثاني في الحاشية , ليتّضح الفرق بين الأصل والتابع , كما إني كنت ألحقت في قريب من الزمان جزءاً من القسم الثاني مسنى (بالنكت الدقيقة) بآخر رسالتي (حقيقة الطريقة) لهذا الفرق بعينه , وقصدي إنما هو القسم الأول , وإنما أتيت ببعض الأشياء من الثاني لئلا يخلو الكتاب عن نموذج منه , ولأنها مسائل مفيدة في نفسها وإن لم تكن مدلولة , فتجتمع المسائل بهذا التقريب .

    نعم لم ألتزم للحاشية هيئتها المتعارفة لعدم الحاجة إليها ولعدم خلوّها من الضيق والصعوبة , وإنما اكتفيت في التمائز بينهما بتصريح لفظي : (المتن والحاشية) متعاقبين , فلو أراد أحد تغيير هيئتها لداعٍ إليه أو حذفها بالكلّية لأمكنه بسهولة(3) , وقد زدت للربط أو التوضيح في بعض المواضع كلمةً أو جملة أحطتها بقوسين .

    وأيضاً لم آت بما كان من الصراحة بمثابة لا يحتاج فيها إلى التنبيه , وهو أكثر الأعمال التي تسمّى بالمقامات , كالحب والذكر والشكر والصبر والزهد والتوكل وغيرها التي امتلأ القرآن منها أوضح من الشمس في رابعة النهار .

    ولقد رأيت إلحاق الرسالة المذكورة آنفاً المسماة (بتأييد الحقيقة) في آخر هذا الكتاب , مما يجعل ذلك أجدر وأحوى , ليظفر الشائق عليهما مجتمعتين وينتفع بأحدهما مع الأخرى(4) , والمأمول من الله الكريم الوهاب أن يجيء هذا الكتاب , كافياً شافياً في القدر الضروري من الباب , والله أعلم بالصواب , وإليه المرجع والمآب , في كل ذهاب وإياب , وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد سيّد أولي الألباب , مع آله والأصحاب , وجميع أتباعه والأحباب , إلى يوم النشور والحساب .
    نمّّقه العبد الفقير , أشرف علي عفى عنه الكبير والصغير , في الثاني والعشرين من رجب المكين سنة 1335 من هجرة سيدنا النبي الأمين ) .



    ==============================
    1- أخرجه الطبري في تفسيره عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً , وذكره السيوطي في الجامع الصغير ونسبه للطبراني في المعجم الكبير ورمز له بالحسن .
    2- وهو كتاب ضخم من كتب الإمام التهانوي , بلغ أربعة وعشرين مجلّداً , وتلاحظ أن كتب الإمام على كثرتها إلا أن كثيراً منها بلغ المجلدات , ككتاب بيان القرآن في الترجمة والتفسير الذي بلغ ثلاثين مجلداً , وكتاب التهذيب الذي بلغ ستة مجلدات .
    3 - وقد حذفت كلمتي المتن والحاشية وجعلتهما نصاً واحداً , كما حذفت قوله : قال العبد الضعيف .
    4 - وقد وضعت هذه الرسالة أثناء الكتاب , وجعلت جميع الكلام ككتاب واحد غير مجزّء .

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jun 2004
    المشاركات
    2,544
    بارك الله فيكم وجزاكم الله خيراً
    هل حصّلت شيئا من كتبه ورسائله الفقهية؟
    وإن كان لا بُدَّ من فَرَحٍ
    فليكن خفيفاً على القلب والخاصرةْ
    فلا يُلْدَغُ المُؤْمنُ المتمرِّنُ
    من فَرَحٍ ... مَرَّتَينْ!

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    438
    إن الشيخ التهانوي كان قليل التصنيف بالعربية , فعدد كتبه بالعربية (12) من مجموع (1200) كتاباً!!
    والسبب في ذلك , أنه رأى عجز عامة المسلمين ومتوسطي الثقافة والطلبة غير المتمكنين من علوم العربية عن الاستفادة من تراث الأمة والذي معظمه باللغة العربية , فحمل على عاتقه مشروع التصنيف باللغة الأردية ووضع المصطلحات الدينية بتلك اللغة , ليتسنى لهؤلاء الاستفادة من تراث الأمة , واستفاد من أعماله خلق كثير من أهل الهند دون الحاجة للتمكن من العربية , وحصل بذلك الخير العميم والنفع العظيم .
    ولم أقف على كتاب له بالعربية في مجال الفقه , وقد كنت أظن أن كتابه (المصالح العقلية في الأحكام النقلية) باللغة العربية , فلما رأيته وجدته يحمل هذه العبارة : (أوردو زبان)! , ومعنى زبان بالعربية : ( لسان)

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    438
    في سورة البقرة

    قوله تعالى : ((ومما رزقناهم ينفقون))
    قيل : ومما رزقناهم من أنوار المعرفة يفيضون , تعميماً للرزق والإنفاق , وهو كثير .
    وقالوا : الرزق هو الحظ , وفيه مجاز , كما قالوا في ((هذا الذي رزقنا من قبل)) وسيأتي .
    وقد سمى النبي –ص- كثيراً من الأعمال البدنية صدقة .

    قوله تعالى : ((والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك))
    يقاس عليه أنه ينبغي عليه الاعتقاد مع جميع المشائخ المحققين مثل الاعتقاد مع شيخه , نعم الاتباع لا يكون إلا لشيخه كما في المقيس عليه .

    قوله تعالى : ((يخادعون الله والذين آمنوا))
    في ذكر اسم الله مع استحالة كونه مخادعاً إشارة إلى أن المعاملة مع أهل الله كهي مع الله .

    قوله تعالى : ((في قلوبهم مرض...))
    فيه إثبات أمراض القلب وهي المعاصي , كما شاع في إطلاقات الصوفية –ر- .

    قوله تعالى : ((كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا))
    ومن البطون(1) تشبيه من ذكر بــذوي صيب , فيكون قوله تعالى ((كلما أضاء لهم...)) إشارة إلى أنهم كلما وجدوا من طاعتهم حلاوة وغرضاً عاجلاً مشوا فيه , وإذا حبس عليهم طريق الكرامات تركوا الطاعات .
    وقال الحسين : إذا أضاء لهم مرادهم من الدنيا في الدين أكثروا في تحصيله , وإذا أظلم عليهم قاموا متحيّرين .

    قوله تعالى : ((الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ))
    من باب الإشارة أنه تعالى مثل البدن بالأرض , والنفس بالسماء , والعقل بالماء , وما أفاض على القوابا من الفضائل , العلمية والعملية , المحصلة بواسطة استخدام العقل والحس , وازدواج القوى النفسانية والبدنية , بالثمرات المتولدة من ازدواج القوى السماوية الفاعلة والأرضية المنفعلة , بإذن الفاعل المختار .

    قوله تعالى : ((كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا))
    في الآية محمل آخر يميل إليه القلب , بأن يكون ما رزقوه من قبل هو الطاعات والمعارف التي يستلذها أصحاب الفطرة والعقول السليمة , وهذا جزاء مشابه لها فيما ذكر من اللذة , كالجزاء الذي في ضده في قوله تعالى : ((ذوقوا ما كنتم تعملون)) أي جزاءه , فــ : "الذي رزقنا" مجاز مرسل عن جزاءه , بإطلاق اسم المسبب على السبب , ولا يضر ذلك أن الجنة وما فيها من فنون الكرامات من الجزاء كما لا يخفى , أو هو استعارة بتشبيه الثمار والفواكه بالطاعات والمعارف فيما ذكر .
    وقيل : أرض الجنة قيعان يظهر فيها أعمال الدنيا كما يشير إليه بعض الآثار , فثمرة النعيم ما غرسوه في الدنيا , فتدبر.

    قوله تعالى : ((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ))
    فيه دليل على أن مدار الخلافة هو العلم والفهم –بشرط ألا يناقضه عمله- لا الاجتهاد في العمل , وهو عين ما يراعيه مشايخ الطريق في الاستخلاف .

    ===========
    1- نسبة للباطن .
    فكُن من الإيمان في مَزِيد = وفي صفاءِ القلبِ ذا تَجديد
    بكَثْرة الصلاةِ والطاعاتِ = وتَرْكِ ما للنَّفس من شَهْوَات

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    438
    قوله تعالى : ((ولا تقربا هذه الشجرة))
    فيه أصل لعادة المشايخ المحققين في النهي عن بعض المباحات مخافة جرّه إلى المعصية , فإن هذا القرب لم يكن ممنوعاً عنه في نفسه .


    قوله تعالى : ((فأزلهما الشيطان)) الآية .
    فيه دليل على أنه لا يأمن المنتهي أيضاً من مكر الشيطان , فإنه لا شك في كون آدم عليه السلام كاملاً , ومع هذا فبينه وبين غيره فرقان :
    - أحدهما : أنه يحفظه الله من الكفر وإن ابتلي بالمعصية .
    - أن معصيته ليست كمعصية غيره , لكونه موفقاً لدرجة من التوبة لم يوفق غيره لها .

    قوله تعالى : ((أوفي بعهدي أوف بعهدكم))
    لا يخفى أن للوفاء عرضاً عريضا
    فأول المراتب الظاهرة منا الإتيان بكلمتي الشهادة ومنه تعالى حقن الدماء والمال ..
    وآخرها منا الفناء حتى عن الفناء , ومنه تعالى التحلية بأنوار الصفات والأسماء ..
    فما روي من الآثار على اختلاف أسانيدها صحة وضعفاً في بيان الوفاء بالعهدين , فهي بالنظر إلى المراتب المتوسطة , وهي لعمري كثيرة ..
    ولك أن تقول : أول المراتب منا توحيد الأفعال , وأوسطها توحيد الصفات , وآخرها توحيد الذات , ومنه تعالى ما يفيضه على السالك في كل مرتبة مما تقتضيه تلك المرتبة من المعارف والأخلاق .

    قوله تعالى : ((واستعينوا بالصبر والصلوة))
    لما أمرهم سبحانه وتعالى بترك الضلال والإضلال والتزام الشرائع , وكان ذلك شاقّاً عليهم لما فيه من فوات محبوبهم وذهاب مطلوبهم , عالج مرضهم بهذا الخطاب :
    واطلبوا المدد والعون ممن له القدرة الحقيقية , بالصبر على ما يفعل بكم لكي تصلوا إلى مقام الرضاء , والصلاة التي هي مراقبة حضور القلب لتلقي تجليات الرب , وإن المراقبة لشاقّة إلا على المنكسرة قلوبهم اللينة أفئدتهم بقبول أنوار التجليات اللطيفة , واستيلاء سطواتها القهرية , فهم الذين يتيقنون أنهم بحضرة ربهم , وأنهم إليه راجعون , بفناء صفاتهم ومحوها في صفاته , فلا يجدون في الدار إلا شؤون الملك اللطيف القهار .

    قوله تعالى : ((وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون))
    دل على أن الخشوع سبب لسهولة الصلاة , وعلى أن استحضار اللقاء والرجوع سبب لحصول الخشوع , فانظر كيف أرشد إلى طريق سهولة العبادة , وحصول الخشوع فيها , سائغاً للذائقين .

    قوله تعالى : ((واتقوا يوماً لا تجزي فيه نفس عن نفس...))
    فيه دليل على أن النسبة المحضية إلى المقبولين لا يجدي نفعاً من غير إيمان ولا عمل , فإنهم كانوا أبناء الأنبياء ثم قرعهم بما قرعهم .
    فكُن من الإيمان في مَزِيد = وفي صفاءِ القلبِ ذا تَجديد
    بكَثْرة الصلاةِ والطاعاتِ = وتَرْكِ ما للنَّفس من شَهْوَات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •