النتائج 1 إلى 12 من 12

الموضوع: نظرات في كتاب المضنون الصغير المنسوب للإمام الغزالي

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2003
    المشاركات
    2,444

    نظرات في كتاب المضنون الصغير المنسوب للإمام الغزالي

    نظرات في

    كتاب

    المضنون الصغير




    كتبه

    سعيد فودة






    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أفضل الأنبياء وخاتم المرسلين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،وبعد

    فإنا ما دمنا في هذه الحياة، فسوف تظلُّ الحاجة إلى مراجعة ما كتبه العلماء، ونقد ما ألفه الكتاب موجودة، محتاجا إليها، فهي التي تثمر حركة الفكر، والتقدم في النظر والوعي.

    ومن أهم الأمور التي يجب على المرء إدامة المراجعة فيها، علم التوحيد والعقائد، وهو العلم الي يبحث في العقائد المنسوبة إلى الدين، من حيث بيان الحق فيه من الباطل، والرد على الشبه الواردة على العقيدة الحقة، والإتيان بالادلة المؤيدة لها.

    وإنَّ وظيفة الباحث في هذا العلم الشريف أن يعيد النظر في الكتب التي ألفها العلماء، وفي الكتب المنسوبة إليهم سواء كانت نسبتها صحيحة أو لا، فإن مجرد نسبة الكتب إلى أعلام العلماء تفتح الباب للترويج لهذه الكتب بما فيها من حق أو باطل.

    ومن هذا الباب فإن نقد ما في تلك الكتب، وبيان مدى ما تشتمل عليه من الآراء الموافقة للصواب أو المجانبة له، يفيد في إعادة تقويم سير طلاب المعرفة وإرشادهم إلى الصواب.

    ومن الكتب المنسوبة إلى بعض أعلام العلماء، كتاب المضنون الصغير المنسوب إلى الإمام الحجة الإسلام أبي حامد الغزالي عليه الرحمة والرضوان، ومن المعلوم مكانة هذا الإمام الهمام، ومدى ما يستفيده من ينسب إليه ما هو ليس له من الترويج لما فيه من آراء! فإن الثقة بهذا الإمام من الناس قد بلغت منزلة عالية بحيث صار مجرد نسبة القول إليه يستدعي من الواحد الاهتمام بالقول وإعطاءه غاية التنبه والمكانة التي يستحقها.

    وهذا الكتاب من الكتب الإشكالية، فهو من الكتب المنسوبة إلى الإمام الغزالي، وفيه من الآراء ما لا يتوافق مع ما قرره الغزالي في كتبه الأخرى المتقدم منها والمتأخر! وفيه آراء تخالف ما قرره أهل السنة في علم التوحيد، ووافقهم عليها الإمام أبو حامد نفسه في كتبه.

    قال الإمام الزبيدي:"اعلم أنه قد عزي إلى الشيخ أبي حامد الغزالي كتب، وقد صرح أهل التحقيق أنها ليست له، من جملتها السر المكتوم في أسرار النجوم، ونسب هذا الكتاب إلى الإمام الفخر فأنكر كونه له أيض، لكن أصحاب الروحانيين وأهل التصحيح ينقلون من أشياء كثيرة بقولهم: قال الفخر الرازي في كتابه السر المكتوم في أسرار النجوم كذا وكذا، قال صاحب تحفة الإرشاد: هو موضوع عليه. ومنها كتاب تحسين الظنون، وله فيه:

    [poem font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
    لا تظنوا الموت موتا إنه=لحياة وهي غايات المنى
    أحسنوا الظن بربٍّ راحم=تشكروا السعي وتأتوا أمنا
    ما أرى نفسي إلا أنتم=واعتقادي أنكم أنتم أنا[/poem]

    وقد صرح الشيخ الأكبر أنه موضوع. ومنها كتاب النفخ والتسوية، فإنه كذلك موضوع عليه. ومنها كتاب المضنون به على غير أهله، قال ابن السبكي: ذكر ابن الصلاح أنه منسوب إليه وقال معاذ الله أن يكون له وبين سبب كونها مختلقا موضوعاً عليه، والأمر كما قال. وقد اشتمل على التصريح بقدم العالم، ونفي علم القديم بالجزئيات، وكل واحد من هذه يكفر الغزالي قائلها هو وأهل السنة أجمعون، فكيف يتصور أنه يقولها، وهو عندي، وفي المسامرة أنه من تأليف علي بن خليل السبتي، وكذلك صرح صاحب تحفة الإرشاد بأنه موضوع عليه. وقد صنف أبو بكر محمد بن عبدالله المالقي كتاباً في ردِّه، وتوفي في سنة 750هـ([1])".

    وكتاب النفخ والتسوية هو نفسه المضنون الصغير، سمي بذلك لأنَّ فيه سؤالا عن النفخ والتسوية.

    وقال د. عبد الكريم عثمان بعدما ذكر خلاصة ما نقلناه عن الإمام الزبيدي:"ويؤيد هذا الرأي من المحدثين الدكتور العناني وزكي مبارك. ويذهب الدكتور صليبا والدكتور عياد في تحقيقهما لكتاب المنقذ إلى رأي محيي الدين ابن عربي في أن المضنون الكبير للغزالي وأما المنحول فهو المضنون الصغير أو ما يسمَّى النفخ والتسوية، وللأستاذ دنيا مناقشة لطيفة حول هذا الموضوع في كتابه الحقيقة في نظر الغزالي([2])".

    ولعل الشيخ الأكبر ابن عربي فرق بين المضنون الصغير والمضنون به على غير أهله، فنفى نسبة الأول وأبقى الثاني منسوبا إلى الغزالي، لما يجده قارئ المضنون الصغير من آراء غريبة عن الإمام الغزالي، وهي ظاهرة فيه، بل غالبة عليه، وأما المضنون به على غير أهله فالآراء التي فيه بعضها بين البطلان، وكثير منها ليس كذلك، فظهور بطلان النسبة في الأول أشد منها في الثاني. وهو مصيب في ذلك. ولكنا نكاد نجزم ببطلان نسبة الكتابين إلى الإمام الغزالي وإن كان ذلك في الصغير أقوى منه في الكبير.

    وأما المناقشة اللطيفة التي ذكرها سليمان دنيا وأشار إليها د. عبدالكريم عثمان في هذا النصِّ، فهي لا تكفي لإثبات نسبة الكتاب إلى الإمام الغزالي، بل غاية ما فيها ظنون وتخمينات بأن الكتب التي وعد الغزالي بتأليفها في النفس أو في غيرها لم لا تكون هي المضنون ومدارج القدس! لا سيما وقد وجدنا فيها بعض ما يتسم به الغزالي من أنفاس. وكأن الدكتور سليمان دنيا يتوقع ممن يريد أن ينسب إلى الغزالي كتاباً أن يكتبه بأسلوب مخالف تمام لأسلوب الغزاليّ! تعلق ببعض أمور لسنا هنا في مقام بيانها ولا مناقشتها، لأن قصدنا في هذا البحث أن ننقد الكتاب نقدا داخليا بغض النظر عن آراء من نظر فيه وآراء من رأى فيه رأياً دون أن يكون ذلك الرأي معتمدا على دليل معتبر في هذا المقام.

    ولذلك فقد مال بعض الباحثين كالأستاذ عبد الرحمن بدوي إلى أن هذا الكتاب من الكتب المشكوك في نسبتها إلى الغزالي. وممن أنكر نسبة كتاب المضنون به على غير أهله إلى الغزالي د. عامر النجار في كتابه "نظرات في فكر الغزالي، فقال بعدما بين بعض المسائل التي ذكرها صاحب كتاب المضنون:"وأعتقد الآن بعد هذه النظرة الشاملة نستطيع أن ننتهي إلى نتيجة مناسبة وهي أنه وضح لنا بلا أدنى شكٍّ أن المضنون به على غير أهله نسب خطأ وزورا إلى الإمام الغزاليِّ وأنه ليس من كتبه ولا من تأليفه([3])".

    وسوف نحاول أن نعرض بعض أهم الآراء التي ذكرها الغزالي في هذا الكتاب، ونحللها لنرى مدى التوافق أو الاختلاف مع ما بينه وقرره في كتبه الأخرى، وسنحاول أيضا أن ننفذ في عمق هذه الآراء لنرى مدة وجاهتها في نفسها، وهل ما يعتمد عليه كاتب الكتاب قوي، وهل هذه الأدلة يليق أن يعتمد عليها واحد مثل الغزالي إذا تبين ضعفها!

    فلنشرع في المقصود بلا تطويل، فالكتاب يتألف من عدة فصول كل فصل يبحث في أمر من الأمور المهمة الدقيقة، فالأول في التسوية، والثاني في النفخ، والثالث في الروح والرابع في الجوهر والخامس في نسبة الروح والسادس في صورة آدم على صورة الرحمن.

    ولارتباط الكتاب بكتاب آخر منسوب إلى الغزالي أيضا، ويحمل اسما قريبا من اسم "المضنون الصغير"، وهو "المضنون به على غير أهله"، ولاشتراك هذا الكتاب أيضا مع المضنون الصغير في اختلاف الناس في نسبته إلى الغزالي، فسوف نحاول أن نجري نوع مقارنة بين الكتابين من بعض الجهات، سواء من حيث الآراء الواردة فيهما، أو من جهات أخرى سيلاحظها القارئ المحترم، لنتمكن من اختراق ما يجول حولهما.

    ولا أنسى أن أذكر ههنا أن أكثر ما أورده صاحب المضنون الصغير مذكور في كتاب معارج القدس في مدارج النفس المنسوب للإمام الغزالي، وهو مشكوك في نسبته إليه كهذين الكتابين. بل إن كثيرا مما هو وارد في المضنون الصغير يوجد تقريبا بالنص في كتاب معارج القدس.



    ----------------------------------------

    ([1]) إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين، السيد مرتضى الزبيدي محمد بن محمد الحسيني الزبيدي، مؤسسة التاريخ العربي، 1414هـ-1994م، (1/43-44).

    ([2]) سيرة الغزالي وأقوال المتقدمين فيه، دار الفكر بدمشق، ص38.

    ([3]) نظرات في فكر الغزالي، شركة الصفا، 1990م، ص 75.


    .................يتبع إن شاء الله تعالى
    وليس لنا إلى غير الله تعالى حاجة ولا مذهب

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2003
    المشاركات
    2,444
    الملاحظة الاولى: في الكتاب ما يدلُّ دلالة واضحة على أنه ليس من تأليف الغزالي بل منسوب إليه، والراوي الذي نسبه إلى الغزالي مجهول الهوية.

    ومما نلاحظه في هذا الكتاب([1]) أنه ينصُّ على أنَّ الغزالي لم يكتب كتابه هذا مباشرة كما فعله في سائر كتبه، وذلك أنه ينصُّ على أن الكاتب غير الغزالي رحمه الله، ولكنه ينسب تلك الآراء إلى الغزالي، ومن أمثلة ذلك:

    أولا: في مقدمة الكتاب يقول:"سئل الشيخ الإمام الأجل الزاهد السيد حجة الإسلام...أبو حامد...الغزالي قدس الله روحه ونور ضريحه([2])"، وهذا صريح في أن الغزالي لم يكتب الكتاب بيده، بل فيه دعوى صريحة أن هذه الأسئلة وجهت إلى الغزالي فقام بالإجابة عنها.

    ثانيا: يقول في بداية الفصل الأول في "التسوية":"سئل ما التسوية فقال: إن التسوية فعل في المحل القابل للروح...([3])".

    ثالثا:وفي بداية الفصل الثاني:"وسئل ما النفخ؟ فقال([4])".

    رابعا: وفي بداية الفصل الثالث:"قيل له قد ذكرت التسوية والنفخ فما الروح([5])؟".

    خامساً: وفي بداية الفصل الرابع:قيل له: وما حقيقة هذه الحقيقة، وما صفة هذا الجوهر؟([6])"

    سادسا: وفي بداية الفصل الخامس:"فقيل له: هنا دليل آخر على إحالة ما ذكرتموه أظهر من طلاب التفرقة.....فقال: هيهات، فإن قولنا الإنسان حي عالم...([7])".

    سابعا: وكذلك في مقدمة الفصل السادس:"فقيل له ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم أن الله خلق آدم على صورته.....فقال:الصورة اسم مشترك...الخ([8])".

    إذن الكتاب كله من أوله إلى آخره، منسوب إلى الغزالي، وليس من كتابته نفسه، بل من الظاهر أن أحدا ينسب هذه الأجوبة إلى الغزالي، بناء على أسئلة توجه إليه. فالكتاب من باب الرواية إلى الغزالي، وليس كتابة منه نفسه. ولا نعرف هذا الراوي الذي ينسب الأجوبة إلى الغزالي، ولا بدَّ لتثبيت النسبة من معرفة الراوي قبل كل أمرٍ، وهو مجهول هنا.

    فهذا الأمر وحدَه يكفي للتشكيك في الجزم بنسبة الكتاب إلى الغزالي.

    الملاحظة الثانية: يوجد تناقضات واضحة بين ما في هذا الكتاب وبين ما تمَّ ذكره في كتاب المضنون به على غير أهله، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يوجد تناقضات بينة بين ما هو موجود في هذين الكتابين، وبين ما هو موجود في الكتب الأخرى التي تأكدنا من صحة نسبتها إلى الغزالي رحمه الله. وهذا وحده يزيد في تشكيك المرء في نسبتهما إليه.

    وهاكم أمثلة على ذلك:

    أولا: اعتماده على نظرية الفيض المردودة

    قال في المضنون الصغير:"فإنَّ الطين مركب ولا تشتعل فيه النار، بل لا بدَّ بعد تركيب الطين الكثيف من تردد في أطوار الخلقة، حتى يصير نباتا لطيفا فتثبت فيه النار وتشتعل فيه([9])"

    وقال:"وكذلك الطين بعد أن ينشئه الله خلقا بعد خلق في أطوار متعاقبة يصير نباتا، فبأكله الآدمي فيصير دما، فتنتزع القوة المركبة في كل حيوان صفوة الدم الذي هو أقرب إلى الاعتدال فبصير نطفة، فيقبلها الرحم....فالنطفة عند تمام الاستواء والصفاء تستحق روحاً يدبرها يتصرف فيها، فيفيض إليها الروح من جود الجواد الحق الوهاب لكل مستحق مستحقه، ولكل مستعد ما يقبله على قدر قبوله واحتماله من غير منع ولا بخل، فالتسوية عبارة عن هذه الأفعال المرددة لأصل النطفة في الأطوار السالكة بها إلى صفة الاستواء والاعتدال([10])".

    وقال:"الجود الإلهي سبب لحدوث نور الوجود في كل ماهية قابلة للوجود([11])". وقال:"فالجود الإلهي الذي هو ينبوع الوجود على كل ما له قبول الوجود([12])".

    وفي هذه الفقرات ينصُّ على ما يأتي:

    1-الفيض على حسب الاستعداد.

    2-الفيض واجب عند الاستعداد من غير بخل ولا منع.

    3-لا بدَّ من المرور في هذه المراحل لتمام التسوية.

    4-لكل مستعد ما يقبله على قدر قبوله واحتماله.

    5- كل ماهية تقبل الوجود، فيلزم إيجادها بمقتضى ما يسميه بالجود، وهذا هو عين الإيجاب وسلب الإرادة الإلهية.

    وظاهر لكل متأمل أنَّ هذه الأصول ذات مبنى إشراقيٍّ فيضيّ، لا يرتضيه الغزالي ولا غيره من علماء أهل السنة، وهي مبنية أيضا على القول بوجوب الفيض عند الاستعداد، وهو مخلاف أيضا لما قرره الغزالي وغيره من القول بنفي الوجوب على الله تعالى.

    وكاتب الكتاب ينص في هذه الفقرات على ضرورة ولا بدِّية المرور في هذه المراحل الثلاث للوصول إلى استحقاق نفخ الورح، وهذا يعني أنه لا بدَّ من التدرج والمرور في ترتيبات معينة قبل أن يصح التسوية لقبول الروح، وهذه المراحل ضرورية لصحة النفخ.

    ولكن هذا مخالف لما ورد في القرآن الكريم على الأقل في حقِّ سيدنا عيسى عليه السلام، فلم تمرَّ نطفته في هذه المراحل بل تم نفخها مباشرة في رحم مريم البتول عليها السلام، وهذا دالٌّ بحقٍ على أنه لا يشترط صحة النفخ وقبوله المرور بهذه المراحل الثلاث.

    ثانياً: لا ينفصل من الشمس عند تنويرها شيء

    قال صاحب الكتاب في أثناء بيانه لمفهوم الفيض:"ولقد غلط قوم في نور الشمس أيضاً، فظنوا أنّه ينفصل شعاع من جرم الشمس ويتصل بالحائط وينبسط عليه، وهو خطأ، بل إن نور الشمس سبب لحدوث شيء يناسبه في النورية، وإن كان أضعف منه في الحائط المتلون، كفيضان ذي على المرآة من ذي الصورة، فإنه ليس بمعنى انفصال جزء من صورة الإنسان واتصاله بالمرآة، بل على معنى أن صورة الإنسان مثلا سبب لحدوث صورة تماثلها في المرآة المقابلة للصورة، وليس فيهما اتصال وانفصال إلا السببية المجردة([13])".

    وفضلا عن بطلان هذا القول بحسب معايير العلم والتجربة والمراقبة، بل بالنظر إلى الحسِّ وقليل من العقل، فهذا تصريح بأنَّ شيئا من الشمس لا ينفصل عنها حال إشعاعها، وقد ردَّ الغزالي هذا القول في تهافت الفلاسفة، بعدما أورد ما تمسك به جالينوس إذ قال:"لو كانت الشمس مثلا تقبل الانعدام، لظهر فيها ذبول في مدة مديدة، والأرصاد الدالة على مقدارها منذ آلاف السنين لا تدل إلا على هذا المقدار، فلما لم تذبل في هذه الآماد الطويلة، دل على أنها لا تفسد."

    واعترض عليه الغزالي بطريقين:

    الطريق الأول: على هذا القائل أن يثبت أنه لا فساد إلا بالذبول، قال الغزالي:"ولا يبعد أن يفسد الشيء بغتة وهو على حال كماله([14])"،وهذا لم يأت عليه بدليل.

    وقال في الطريق الثاني: أنه لو سلم هذا وأنه لا فساد إلا بالذبول، فمن أين عرف أنه لا يعتريها الذبول، أما التفاته إلى الأرصاد فمحال، لأنها لا تعرف مقاديرها إلا بالتقريب، والشمس التي يقال إنها كالأرض مائة وسبعين مرة، أو ما يقرب منه، ولو نقص منها مقدار جبال مثلا، لكان لا يتبين للحس، فلعلها في الذبول الآن، وإلى الآن قد نقص منها مقدار جبال فأكثر، والحسُّ لا يقدر على أن يدرك ذلك، لأن تقديره في علم المناظر لا يعرف إلا بالتقريب، وهذا كما أن الياقوت والذهب مركبان من العناصر عندهم، وهي قابلة للفساد، ثم لو وضعت ياقوته مائة سنة، لم يكن نقصانها محسوسا، فلعل نسبة ما ينقص من الشمس في مدة تاريخ الأرصاد كنسبة ما ينقص من الياقوتة في مائة سنة، وذلك لا يظهر للحسِّ، فدلَّ أنّ دليله في غاية الفساد([15])".

    فهذا تصريح من الغزالي بأنَّ ما هو مذكور في المضنون الصغير غير مرضيٍّ عنده.



    ------------------------------------------

    ([1])سنعتمد على طبعة دار الحكمة للطباعة والنشر، دمشق حلبوني، بتحقيق رياض مصطفى العبدالله.

    ([2]) ص33.

    ([3]) ص35.

    ([4]) ص37.

    ([5]) ص41.

    ([6]) ص45.

    ([7]) ص53.

    ([8]) ص59-60.

    ([9]) المضنون الصغير، ص35.

    ([10]) المضنون الصغير، ص35-36.

    ([11]) المضنون الصغير، ص39.

    ([12]) المضنون الصغير، ص38.

    ([13]) المضنون الصغير، ص39.

    ([14]) تهافت الفلاسفة، سلسلة ذخائر العرب، تحقيق سليمان دنيا، دار المعارف، ط6، ص126.

    ([15])تهافت الفلاسفة، سلسلة ذخائر العرب، تحقيق سليمان دنيا، دار المعارف، ط6، ص126-127.

    يتبع إن شاء الله تعالى......
    وليس لنا إلى غير الله تعالى حاجة ولا مذهب

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jul 2003
    المشاركات
    2,444
    ثالثا: حدوث الروح عند الاستعداد

    قال صاحب المضنون الصغير:"إذا حصل الاستواء في النطفة، حدث فيها الروح من خالق الروح من غير تغيير في الخالق، بل إنما حدث الروح الآن لا قبله، لتغير المحل بحصول الاستواء الآن لا قبله([1])"

    وقال:"ولكن الحق أن الروح البشرية حدثت عند استعداد النطفة للقبول، كما حدثت الصورة في المرآة بحدوث الصقالة، وإن كانت الصورة سابقة الوجود على الصقالة([2])"

    رابعاً: أخصُّ صفات الإله

    قال في المضنون الصغير:"بل أخصُّ وصفه أنه قيوم، أي هو قائم بذاته، وكل ما سواه قائم به([3])".

    وقال في المضنون به على غير أهله:"ولذلك لا يحيط علم الإنسان بأخصِّ وصف الله سبحانه وتعالى([4])".

    وهذا تعارض ظاهر، فمجرد تعيين أخص كما في المضنون الصغير وصف معارض لنفيه إمكان معرفة أخص وصف بل تعيينه كما في المضنون به على غير أهله.

    خامساً: الزمان لا أول له ولا آخر

    قال صاحب المضنون به على غير أهله:"الزمان لا يكون محدوداً، وخلق الزمان في الزمان أمر محال، فاليوم هو الكون الحادث في اللغة([5])"،وهذا الكلام يفهم منه –بحسب ظاهره- أنَّ الزمان لا أول له ولا آخر. فعدم محدودية الزمان، لا معنى له إلا أزلية الزمان، وهذا الرأي مبني على القول بقدم العالم، وقد عرف القاصي والداني رأي الغزالي فيمن يقول بقدم العالم، وأزلية الزمان، فإنه قد صرح بكفرهم بلا مثنوية، فمن المحال أن يقول بقول يكفر قائله.

    ولينظر هل يمكن أنْ يحمل هذا القول على أن الزمان لا يكون في زمان، فلا يكون محدودا بزمان لاستحالة ذلك.

    سادساً: الرزق واجب عقلاً

    بنى صاحب المضنون به على غير أهله، مسألة الرزق على قانون الفيض، وكون النوع يبقى مستحفظا بالأشخاص، ولذلك فيجب الفيض على كلِّ شخص من الأشخاص بما تنحفظ به ذاته ليحفظ النوع الإنساني. وهذا رأي راجع إلى آرء الفلاسفة، وقد ردَّ الغزالي القولَ بالفيض في كثير من كتبه.

    قال صاحب المضنون:"وتعقل بقاء النوع الإنساني ببقاء الأشخاص وتناسلهم، وتعقل تناسلهم ببقاء كل شخص، وتعقل بقاء كل شخص مدة بما فيه قوام حياته وهو الرزق، والرزق إنما يكون من النبات والحيوان، وهما الخبز واللحم والفواكه من جملة النبات وأكثر الحلاوَى، فوجب أن يكون الرزق مضموناً بتقدير الرؤوف الرحيم([6])".

    ولينظر هل يمكن أن يحمل هذا الوجوب على القول بالوجوب بناء على إرادة الفاعل المختار، أي إن الله تعالى أخبر في قاطع القرآن بأنه رزق الإنسان في السماء بلا ريب، وما دام الأمر كذلك فهو واجب من هذه الجهة، لا على معنى الوجوب العقلي المنبوذ!

    سابعاً: وحدة الصفات

    قال في المضنون به على غير أهله:"يتخيل بعض الناس كثرة في ذات الله سبحانه وتعالى، من طريق تعدد الصفات، وقد صح قول من قال في الصفات لا هو ولا غيره، وهذا التخيل يقع من توهم لاتغاير، ولا تغاير في الصفات، مثال ذلك أن إنسانا يعلم صورة الكتابة، وله علم بصورة بسم الله التي تظهر تلك الصورة على القرطاس، وهذه صفة واحدة، وكمالها أن يكون المعلوم تبعاً لها، فإنه إذا حصل العلم بتلك الكتابة، ظهرت الصورة على القرطاس بلا حركة يد وواسطة قلم ومداد، فهذه الصفة من حيث إن المعلوم انكشف بها، يقال لها علم، ومن حيث إن الألفاظ تدلُّ عليها يقال لها القدرة كلام، فإن الكلام عبارة عن مدلول العبارات، ومن حيث إن وجود المعلوم تبع لها يقال لها القدرة، ولا تغاير ههنا بين العلم والقدرة والكلام، فإن هذه صفة واحدة في نفسها، ولا تكون هذه الاعتبارات الثلاث واحدة، وكل من كان أعور ينظر بالعين العوراء، فلا يرى إلا مطلق الصفة، فيقول: هو هو، وإذا التفت إلى الاعتبارات الثلاث فقال: هي غيره، ومن اعتبر مطلق الصفة مع الاعتبارات فقد نظر بعينين صحيحتين اعتقاد أنها لا هو ولا غيره([7])".

    وكلامه هذا وإن كان ظاهره من حيث اللفظ والتعبير، أن الصفات لا هي هو ولا غيره، كما هو مشهور مذهب الأشاعرة، إلا أنه يشرح هذا القول بطريقة صريحة في أن الصفات راجعة إلى صفة واحدة، ولا يبعد بعد ذلك أن يرجع الصفات كلها إلى عين الذات، فيؤول قوله أخيراً إلى مذهب الفلاسفة والمعتزلة من نفي الصفات.

    ولينظر هل يمكن أن يحمل كلامه في هذه المسألة على ما اشتهر من مذهب الأشاعرة من أن كل صفة لا يقال لها هي غير الصفة الأخرى ولا عينها، فبينهما اعتبار ما! ولكن ظاهر كلام هنا يرجع إلى أن الاختلاف بين الصفات اختلاف اعتباريّ فقط لا حقيقي وهذا مخالف لصريح مذهب القوم!



    -----------------------------------

    ([1]) المضنون الصغير، ص38.

    ([2]) المضنون الصغير، ص56.

    ([3]) المضنون الصغير، ص53.

    ([4]) المضنون به على غير أهله، منسوب للغزالي، تحقيق، رياض مصطفى العبدالله، دار الحكمة، دمشق، ص60.

    ([5]) المضنون به على غير أهله، ص43.

    ([6]) المضنون به على غير أهله، ص46.

    ([7]) المضنون به على غير أهله، 59.
    وليس لنا إلى غير الله تعالى حاجة ولا مذهب

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jul 2003
    المشاركات
    2,444
    الملاحظة الثالثة: اعتماده على أدلة ضعيفة

    ومن أمثلة ذلك:

    أولاً: ما أورده كدليل على حدوث الروح عند استعداد النطفة لا قبلها.

    وسنورد ما ساقه من برهان هنا ثم نعلق عليه، قال:"إن كانت الأرواح موجودة قبل الأبدان، لكانت إما كثيرة أو واحدة، وباطل وحدتها وكثرتها فباطل وجودها.

    [حال النفس بعد التعلق بالبدن([1])]

    إنما استحال وحدتها بعد التعلق بالأبدان، لعلمنا ضرورة بأن ما يعلمه زيد يجوز أن يجهله عمرو، ولو كان الجوهر العاقل منهما لاستحال اجتماع المتضادين فيه، كما يستحيل في زيد وحده، ونعني بالجوهر العاقل الروح.

    ومحال كثرتها لأن الواحد محال أن لا يثنى ولا ينقسم [إلا([2])] إذا كان ذا مقدار كالأجسام، فالجسم ينقسم فإنه ذو مقدار وذو بعض، فيتبعض، أما ما له([3]) ولا مقدار فكيف ينقسم([4]).

    [حال النفس قبل التعلق بالبدن([5])]

    فأما تقدير كثرتها قبل التعلق بالبدن فمحال: لأنها إما أن تكون متماثلة أو مختلفة، وكل ذلك محال.

    وإنما استحال التماثل لأن وجود المثلين محال في الأصل، ولهذا يستحيل وجود سوادين في محلٍّ، وجسمين في مكان واحد، لأن الاثنين يستدعي مغايرة، ولا مغايرة هنا، وسوادان في محلين جائز، لأن هذا يفارق ذلك في المحل إذا اختص بمحل لا يختص به الآخر، وكذلك يجوز محل واحد في زمانين، إذ لهذا وصف ليس للآخر، وهو الاقتران بهذا الزمان الخاص، فليس في الوجود مثلان مطلقا، بل بالإضافة كقولنا زيد وعمرو هما مثلان في الإنسانية والجسمية، وسواد الحبر والغراب مثلان في السوادية، ومحال تغايرهما لأن التغاير نوعان

    أحدهما: اختلاف النوع والماهية كتغاير الماء والنار، وتغاير السواد والبياض.

    الثاني: بالعوارض التي لا تدخل في الماهية كتغاير الماء الحار والماء البارد.

    فإن كان تغاير الأرواح البشرية بالنوع والماهية فمحال، لأن الأرواح البشرية متفقة بالحد والحقيقة وهي نوع واحد([6])، وإن كانت متغايرة بالعوارض فمحال أيضا، لأن الحقيقة الواحدة إنما يتغاير عوارضها إذا كانت متعلقة بالأجسام، منسوبة إليها بنوع ما([7])، إذ الاختلاف في أجزاء الجسم ضرورة ولو في القرب والبعد من السماء عنها مثلاً، أما إذا لم يكن كذلك كان الاختلاف محالاً([8])، وهذا ربما يحتاج في تحقيقه إلى مزيد تقرير، لكن هذا التقرير ينبه عليه.

    فقيل له: كيف يكون حال الأرواح بعد مفارقة الأجسام ولا تعلق لها بالأجسام فكيف تكثرت وتغايرت؟

    فقال: لأنها اكتسبت بعد التعلق بالأبدان أوصافاً مختلفة من العلم والجهل والصفاء والكدورة وحسن الأخلاق وقبحها، فبقيت منها متغايرة، فعقلت كثرتها بخلاف ما قبل الأجساد فإنه لا سبب لتغايرها([9])".

    ومن الواضح بعد التعليقات والملاحظات التي ذكرناها في محلها أن برهان المؤلف غير تام، بل ليس ببرهان أصلاً، مجرد تحكم، وفيه نوع مصادره على المطلوب، فما دام اجاز اختلاف الأرواح بعد مفارقة الأجسام بالعوارض والأوصاف التي اكتسبتها في أثناء تعلقها بالبدن، فمن أين يستحيل اكتساب تلك الأعراض والصفات من قبل تعلقها بالبدن، ومن أين يستحيل أن يخلقها الله تعالى مختلفة بالعوارض والصفات مع اتحادها بالنوع والحقيقة؟

    فلا دليل نراه صالحا لأن يتمسك به في هذا المقام.

    وهذه الطريقة من الاستدلال نستبعد أن تكون طريقة الإمام الغزالي رحمه الله تعالى.

    وهذا الدليل الذي احتج به صاحب كتاب المضنون الصغير هو عينه الدليل المنسوب لأرسطو كما ذكره العضد والسيد الشريف في المواقف وشرحها، وها نحن ننقله هنا للإفادة والمقارنة، قال:"المقصد الثالث: في أن النفس الناطقة حادثة. اتفق عليه المليون؛ إذ لا قديم عندهم إلا الله وصفاته، عند من أثبتها زائدة على ذاته، لكنهم اختلفوا في أنها هل تحدث مع حدوث البدن أو قبله.

    فقال بعضهم: تحدث معه لقولهم تعالى بعد تعداد أطوار البدن (ثم أنشأناه خلقا آخر) والمراد بهذا الإنشاء إفاضة النفس على البدن.

    وقال بعضهم: بل قبله لقوله صلى الله عليه وسلم (خلق الله الأرواح قبل الأجساد بألفي عام).

    وغاية هذه الأدلة الظنُّ دون اليقين الذي هو المطلوب، أما الآية؛ فلجواز أن يريد بقوله (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ)(المؤمنون: من الآية14) جعلَ النفس متعلقة به، وإنما يلزم من ذلك حدوث تعلقها، لا حدوث ذاتها، وأما الحديث؛ فلأنه خبر واحد، فتعارضه الآية وهي مقطوعة المتن مظنونة الدلالة، والحديث بالعكس، فلكل رجحان من وجه، فيتقاومان هذا كما ذكرناه.

    وأما الحكماء؛ فإنهم قد اختلفوا في حدوثها، فقال به أرسطو ومن تبعه، ومنعه من قبله، وقالوا بقدمها.

    احتج أرسطو بأنها لو قدُمت، فإما أن تكون قبل التعلق بالبدن متعددة متمايزة أو لا، فإن كانت متمايزة، فتمايزها وتعينها إما بذواتها أو لا بذواتها:

    فإن كان بذواتها أو بلوازمها، فتكون كل نفس من النفوس البشرية نوعا منحصرا في الشخص الواحد، فيلزم اختلاف كل نفسين بالحقيقة، وإنه باطل؛ إذ لو لم نقل بأنَّ كلها متماثلة، فلا أقل من أن يوجد فيما بين الجميع نفسان متماثلان.

    وإن كان تمايزها لا بذواتها، كان بالقابل وما يكتنفه كما تقدم من أن تعدد أفراد النوع الواحد معلل بقابله والأعراض المكتنفة به ومادتها البدن، فتكون متعلقة قبل هذا البدن ببدن آخر، ويلزم التناسخ أي انتقالها من بدن إلى آخر، وسنبطله، وإن لم تكن قبل التعلق متمايزة بل كانت واحدة، فبعد التعلق إن بقيت على وحدتها كما كانت، كانت نفس زيد هي بعينها نفس عمرو، فيلزم أن يشتركا في صفات النفس من العلم والقدرة واللذة والألم وسائر الصفات، وإنه باطل بالضرورة. وإن لم تبق كما كانت، بل تكثرت لزم التجزي والانقسام، ولا يتصور هذا إلا فيما له مقدار وحجم، فلا تكون مجردة بل مادية، وأيضا فقد عدمت بذلك التجزي والانقسام تلك الهوية الواحدة القديمة، وحصلت هويتان أخريان حادثتان، ويلزم المطلوب وهو أن النفوس المتعلقة بالأبدان حادثة([10])".

    وتجد مناقشة الدليل في المقاصد والمواقف وشرحهما، قال العلامة الكفوي:"ثم الأرواح المخصوصة متحدة في الماهية لتصير أشخاص الإنسان ماهية واحدة ، ثم هي أصناف ، بعضها في غاية الصفاء ، وبعضها في غاية الكدورة ، ( وهي حادثة أما عندنا فلأن كل ممكن حادث ، لكن قبل حدوث النفس ) لقوله عليه الصلاة والسلام : ' خلق الله الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ' وعند أرسطو : حادثة مع البدن ، وعند البعض : قديمة لأن كل حادث مسبوق بمادة ولا مادة له ، وهذا ضعيف([11])".

    وممن ردَّ على ذلك الدليل الحسين بن أحمد السياغي، حيث قال بعد أن لخص الدليل العقلي الذي ساقه صاحب المضنون الصغير، وأوردناه سابقاً:"ويمكن أن يجاب عنه: أنا نختار كونها متكثرة بخلق الله عزوجل، ولا محذور في افتقارها إلى التغاير.

    قولكم: وإذا فرضت النفس مجردة قبل الجسد فلا عوارض لتغايرها، ممنوعٌ.

    وسنده: أنه لم لا تكون متغايرة بعوارض، أيسرها أن هذه غير تلك، ولا يقدح في تجردها، إذ المراد به التجرد عن تلبسها بالهيكل الكثيف، لا عدم التعلق به تعلق التدبير، وإلا لم يصح تسميتها مجردة بعد التعلق، وهو خلاف المطلوب، ونقيض ما صرحوا به في تعليقها.

    وذهب آخرون إلى: تقدم الأرواح على الأجسام، واحتجوا بالظواهر السمعية منها قوله تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) (الأعراف:172)

    قال في (جامع البيان): اعلم أن الأحاديث الصحاح دالة على أن الله تعالى استخرج ذرية آدم من صلبه وميز بين أهل الجنة والنار، وأما الإشهاد عليهم هنالك بأنه ربهم، ففي حديثين موقوفين على ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما، كما حققه الثقات من المحدثين ووافقهما أكثر السلف كأُبي بن كعب ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وقتادة والسدّي وغيرهم انتهى.

    والخطاب بقوله تعالى: (أَلَستُ بِرَبِكُم) ليس إلا لموجود والأصل الحقيقة والعدول إلى غيرها مفتقر إلى دليل، كيف والدليل قائم على الأصل، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام، وقوله صلى الله عليه وسلم: (أنا أول الأنبياء وآخرهم بعثا). وقوله صلى الله عليه وسلم: (كنت نبيا وآدم بين الماء والطين)، وفي رواية (وآدم منجدل في طينته) وقوله صلى الله عليه وسلم: (الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف). وفي الباب أحاديث وآثار قاضية بهذا المعنى فلا تعويل على غيره.

    وأما الاعتضاد بدليل عقلي، فالحق ما ذكره بعض المحققين: أن وجود النفس قبل البدن لم يحصل بذلك برهان عقلي، إلا أن سببها موجود قبل البدن وهي أشرف من البدن، فيكون وجودها قبل البدن وهي المخاطبة بالأمر والنهي وهي عالمة بجميع المعقولات بالقوة وتستفيض المعاني وتفيضها بمجرد الصفاء واللطافة لكن لما تسربلت بسربال الجثمان، وانحصرت في حيز البشر، واحتجبت بحجب الحواس، تعذر عليها استفاضتها إلا بالسمع، وإضافتها إلا بالقول، فجعل الله آيات السمع والقول في البدن لئلا تنقطع مواد العلم من حول النفوس، فيعبر العالم بلسانه عن المعاني المعلومة في نفسه للمتعلم المستمع، فتلج العبارة في أذنه، فيتصل عالمها ونظمها بالفكرة وصورتها بالحافظة ومعانيها المجردة عن الموارد بالنفس حتى قال: ثم إن غالب النفوس ما دامت في هيكلها البشري لا يقدر على حفظ جميع ما يلقى إليها من القول، ولا ما تنتجه من بيانه فكرها، فألهمها الله صفة الكتابة ليكون لها عونا في حفظ ما تريد حفظه، وليكن ذخيرة للأخلاق من الأسلاف وينتقل العلم من قرن إلى قرن ومن أهل إلى أهل إلى أن يقضي الله أمرا هو فاعله([12])".



    ----------0-----------------------

    ([1]) زيادة منا.

    ([2]) زيادة منا رأيناها ضرورية.

    ([3]) يبدو أن ها هنا نقصا نقدره بحسب السياق:"وأما ما لا بعض له ولا مقدار..."

    ([4]) من الواضح أنَّ الدليل على عدم وحدتها بعد التعلق واضح لا إشكال فيه، فكل واحد من الأبدان له نفس خاصة تتعلق به. وأما دليل عدم كثرتها بعد التعلق، فليس بواضح ولا مفيد، بل الأصل أن تكون متعددة ومتكثرة بحسب الأأبدان، فأما إذا أراد بكثرتها كونها مركبة، فهذا يحتاج لدليل لم يورده هنا. والكلام كله كما لا يخفى مبني على القول بتجردها، فلا معنى لكثرتها ههنا إلا تكثرها حال كونها متعلقة بالأجسام، ولا نرى مانعا يمنع من ذلك مع تكثر الأجسام. ويمكن أن يقال له: سلمنا أنها مجردة ولا تتكثر في نفسه، أي ليست متركبة، ولكن لم تقول إنها لا تتكثر بحسب تكثر الأجسام.

    ([5]) زيادة منا.

    ([6]) إن اتفاق الأرواح بالنوع والحد لا يستلزم وجوب وحدتها، فإن المتفق بالحد يجوز تكثره بالعوارض وبالتعين، وهذا لا يضرُّ كونه متفقا بالحد والنوع.

    ([7]) هذه دعوى بلا برهان، فلا دليل أورده على أن الحقيقة الواحدة إنما تتغير بالعوارض بشرط كونها متعلقة بالأجسام، وهذا الشرط تمَّ إدخاله ههنا تحكماً ليتمكن المؤلف من إكمال الدليل، أو ما يتصوره دليلاً. ويعارضه كما سنرى قريباً، أنه أجاز اختلاف الأرواح بعد انفكاكها عن الأبدان بالعوارض، فما دام ذلك جائزا علها ثمة، فما دليل إحالته ههنا، أي قبل التعلق بالأجسام. نفي هذا مجرد تحكم.

    ([8]) هذه دعوى بلا برهان كما قلنا.

    ([9]) المضنون الصغير، ص56-75. وانظر المضنون به على غير أهله، ص84، فقد لخص فيه هذا الدليل أيضاً.

    ([10])كتاب المواقف ، عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي (ت: 756هـ)، دار الجيل - لبنان - بيروت - 1417هـ - 1997م ، ط1، ت: عبد الرحمن عميرة،(2/677-678).

    ([11])الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، أبو البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفومي الوفاة: 1094 ، مؤسسة الرسالة -بيروت - 1419هـ - 1998م. ،ت. عدنان درويش - محمد المصري.ص470.

    ([12])تحفة المشتاق إلى شرح أبيات المولى اسحق، السياغي، الحسين بن أحمد (المتوفى: 1221هـ) الوفاة: 1221، ص10.
    وليس لنا إلى غير الله تعالى حاجة ولا مذهب

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Sep 2008
    المشاركات
    43
    جزاكم الله خيرا يا سيدي على هذه النظرات القيمة، فقد أجليتم الحقيقة، ونصرتم الطريقة
    [move=left]اللهم أحيِ قلوبنا بنور معرفتك[/move]

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jul 2003
    المشاركات
    2,444
    ثانياً: تأويله الحديثَ بناء على الدليل الضعيف السابق

    قال صاحب المضنون:"فقيل له: إن كانت الأرواح حادثة مع الأجسام، فما معنى قوله صلى الله عليه وسلم حيث قال:"خلق الله الأرواح قبل الأجسام بألفي عام"، وقوله صلى الله عليه وسلم:"أنا أول الأنبياء خلقا واخرهم بعثاً" وقوله:"كنت نبيا وآدم بين الماء والطين".

    من الواضح أن هذا الاستشكال منبعث مما هو ظاهر في النصوص الدينية من أن الأرواح مخلوقة قبل الأجساد، وأنه يتمُ نفخها فيها في وقت معين، وهذا لا يستلزم حدوث الروح في نفس وقت النفخ، كما يريد صاحب المضنون الصغير، بل توجد أحاديث تدلُّ على أسبقية الروح للبدن، منها ما ساقه هنا، وحاول الإجابة عنه.

    ولما كانت هذه النصوص ظاهرة في أسبقية الأرواح على الأجساد، لم يكن أمام صاحب المضنون الصغير إلا محاولة تأويلها، زاعماً أن ما ساقه من الدليل السابق على حدوث الروح وقت النفخ قاطع، وبرهان لا يردُّ عليه، فقال:"ليس في هذا ما يدلُّ على قدم الروح، بل يدلُّ على حدوثه وكونه مخلوقا، نعم ربما يدلُّ بظاهره على تقدم وجوده على الجسد، وأمر الظواهر هين، فإن تأويلها ممكن، والبرهان القاطع لا يدرأ بالظواهر، بل يسلط على تأويل الظواهر، كما في ظواهر التشبيه في حق الله سبحانه تعالى([1])".

    وقد تبين لنا ضعف هذا الدليل! ولكن لما زعم ذلك، لم يبق أمامه إلا تأويل النصوص! فهذا النوع من التأويل المعتمد على دليل عقلي ضعيف جدا لا يليق أن ينسب إلى الإمام الغزالي رحمه الله تعالى لما فيه من التحكم الواضح.

    ثم حمل كل حديث على محمل:

    تأويله للحديث الأول:"خلق الله الأرواح قبل الأجسام بألفي عام([2])"

    هذا الحديث الأول حمله على الملائكة! قال: "فلعله أراد بالأرواح الملائكة، وبالأجسام أجساد العالم من العرش والكرسي والسموات والكواكب والهواء والأرض والماء([3])".

    قال ابن عبد البر ناقلا الإجماع على أن المراد بالأرواح أرواح البشر:"واحتج إسحاق أيضا بقول الله عز وجل (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم) الآية قال إسحاق: أجمع أهل العلم أنها الأرواح قبل الأجساد استنطقهم وأشهدهم على أنفسهم([4])".

    ومع الإجماع على أن المراد بها أرواح البشر، فلا مجال لحملها على الملائكة.

    وقال القشيري:"وفي الجملة الروح مخلوقة، والحق أجرى العادة بأن يخلق الحياة للعبد ما دام الروح في جسده. والروح لطيفة تقررت للكافة طهارتها ولطافتها، وهي مخلوقة قبل الأجساد بألوفٍ من السنين. وقيل إنه أدركها التكليف، وإن لها صفاء التسبيح، وصفاء المواصلات، والتعريف من الحق([5])".

    والحديث المذكور ضعيف كما نصَّ عليه غير واحد من العلماء، قال الإمام السيوطي:"مسألة : في خبر ورد عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال : خلق الله الأرواح قبل الأجساد بألفي عام . وعن ابن عباس أنه قال : خلق الله الأرواح قبل الأجساد بأربعة آلاف سنة ، وخلق الأرزاق قبل الأرواح بأربعة آلاف سنة . ما الجواب عن التعارض بين هذه الأخبار ؟

    الجواب : إنما يطلب الجواب عن التعارض بين حديثين، وهذان الحديثان غير ثابتين أما الثاني فباطل لا أصل له ، وأما الأول فورد بإسناد ضعيف جداً فلا نعول عليه، والمعول عليه في ذلك الحديث الصحيح إن الله قدر المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وذلك شامل للأرزاق([6])".

    وقال العجلوني:" تنبيه: اختلفوا هل الأرواح خلقت قبل الأجساد أم معها؟ والراجح الأول بل ادعى فيه ابن حزم الاجماع واستدل بحديث ضعيف جدا،ولفظه:"الله خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف".

    وقيل:خلقت مع الأجساد وجرى عليه جماعة، واستدلوا بما رواه الشيخان من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إنَّ أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل الله الملك فينفخ فيه الروح"

    وأجيب: بأن نفخ الروح غير خلقها، فهي موجودة أولا فاذا خلقت الأجساد نفخت الأرواح فيها. فتأمل.

    وقال ابن حجر المكي في فتاواه الحديثية: ما روى عن ابن عباس أن الله خلق الأرواح قبل الأجساد بأربعة آلاف سنة، لا أصل له، وأيضا خبر خلق الله الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ضعيف جدا، فلا يعول عليه، قال:نعم صح أن الله قدر المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وذلك شامل للأرزاق انتهى([7])".

    وفي كلام صاحب المضنون الصغير أيضا، حمل الأجساد على أجساد الكونيات كالكواكب والأفلاك كما ذكر، وهذا خلاف ظاهر الأحاديث التي هو شارع في تأويلها، ولا تقبله، فلو قبلت تلك الروايات حمل الأرواح على الملائكة، لما قبلت حمل الأجساد على أزاء العالم! كما زعم!

    ومما يدلُّ على ذلك ما قاله الإمام البغوي:"عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: ' الأرواح جنودٌ مجندةٌ، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها، اختلف '. هذا حديث متفق على صحته أخرجه محمد من رواية عائشة، وأخرجه مسلم من رواية يزيد بن الأصم وأبي صالح، عن أبي هريرة. وقال عبد الله بن مسعود: الأرواحُ جنودٌ مجندةٌ تلاقى، فتشام كما تشام الخيل، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف. وفي الحديث بيان أن الأرواح خلقت قبل الأجساد، وأنها مخلوقة على الائتلاف والاختلاف، كالجنود المجندة إذا تقابلت وتواجهت، وذلك على ما جعلها الله عليه من السعادة والشقاوة، ثم الأجساد التي فيها الأرواح تلتقي في الدنيا، فتأتلف وتختلف على حسب ما جُعِلتْ عليه من التشاكل والتناكر في بدء الخلق، فترى البر الخير يحب مثله، والفاجر يألف شكله، وينفر كل عن ضده. وفيه دليلٌ على أن الأرواح ليست بأعراضٍ، وأنها قد كانت موجودة قبل الأجساد، وأنها تبقى بعد فناء الأجساد، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهداء أن أرواحهم في جوف طير خضرٍ تسرح من الجنة حيث شاءت([8])".

    وجاء في الفردوس بمأثور الخطاب:"خلق الله عز وجل الأرواح قبل الأجساد بألفي عام فأمرت بالطاعة لي والسلام علي فأول روح آمن بي وصدقني من الرجال روح أبي بكر وأول روح آمن بي وسلم علي من النساء عائشة([9])".

    وهذا يُظهر أن المراد بالأرواح أرواح البشر، وبالأجساد أجساد البشر أنفسهم لا أجزاء العالم كما ذكر صاحب المضنون!

    قال الإمام الرازي:"واعلم أن قوله: (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ) (الأنعام:62) مشعر بكون الروح موجودة قبل البدن، لأن الرد من هذا العالم إلى حضرة الجلال: إنما يكون لو أنها كانت موجودة قبل التعلق بالبدن، ونظيره قوله تعالى: (ارْجِعِى إِلَى رَبّكِ) (الفجر: 28) وقوله: (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً)(يونس:4) ونقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خلق الله الأرواح قبل الأجساد بألفي عام) وحجة الفلاسفة على إثبات أن النفوس البشرية غير موجودة قبل وجود البدن حجة ضعيفة بينا ضعفها في (الكتب العقلية)([10])".

    فتأويله للحديث:

    أولا: لا مسوِّغ له، ولا موجب، فما زعمه برهانا ليس ببرهان أصلاً.

    ثانيا: يبطل تأويل الأرواح بالملائكة. لما أوردنا من الأدلة، على أنه يوجد غيرها كثير، فاكتفينا بالقليل الدالّ على المراد، فالمسألة أوضح من أن يقع فيها نزاع. وبعضهم يؤولها بالنفوس العلوية يريدون بها نفوس الأفلاك العلوية بناء على مذهب الفلاسفة من أن لكل فلك نفساً تدبره، وهذا التأويل أظهر في البطلان.

    ثالثا: يبطل تأويل الأجسام بأجزاء العالم أو الكواكب والعرش والكرسي، لما أوردناه أيضاً.

    فهو باطل من هذه الجهات الثلاث.



    -------------------------------------

    ([1]) المضنون الصغير، ص63-64.

    ([2]) هذا الحديث محكوم بضعفه كما سنرى.

    ([3]) المضنون الصغير، ص65-66.

    ([4])التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري (ت: 463)، وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية - المغرب - 1387،ت:مصطفى بن أحمد العلوي ,‏محمد عبد الكبير البكري، (18/84).

    ([5])تفسير القشيري المسمى لطائف الإشارات،أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري النيسابوري الشافعي (ت: 465هـ)، دار الكتب العلمية - بيروت /لبنان - 1420هـ-2000م، ط1،ت:عبد اللطيف حسن عبد الرحمن، (2/201).

    ([6])الحاوي للفتاوي في الفقه وعلوم التفسير والحديث والاصول والنحو والاعراب وسائر الفنون، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت: 911هـ)، دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان - 1421هـ - 2000م ، ط1،ت: عبد اللطيف حسن عبد الرحمن. (1/356).

    ([7])كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، إسماعيل بن محمد العجلوني الجراحي (ت:1162هـ)، مؤسسة الرسالة-بيروت-1405، ط4،ت: أحمد القلاش. (1/122-123)

    ([8])شرح السنة، الحسين بن مسعود البغوي (ت 516هـ)، المكتب الإسلامي - دمشق _ بيروت - 1403هـ - 1983م، ط2،ت: شعيب الأرناؤوط - محمد زهير الشاويش.(13/57).

    ([9])الفردوس بمأثور الخطاب، أبو شجاع شيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلمي الهمذاني الملقب إلكيا، (ت: 509 هـ)، دار الكتب العلمية - بيروت - 1406 هـ - 1986م، ط1،ت: السعيد بن بسيوني زغلول. (2/187).

    ([10])التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب، فخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي الشافعي الوفاة: 604،دار الكتب العلمية - بيروت - 1421هـ - 2000م، ط1، (13/15).
    وليس لنا إلى غير الله تعالى حاجة ولا مذهب

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jul 2003
    المشاركات
    2,444
    رأي ابن قيم الجوزية وابن تيمية في خلق الروح قبل الجسد أو معه:

    ناقش ابن قيم الجوزية تبعا لابن تيمية في وجود الأرواح قبل الأجسام، فقال:"وأما قول إسحاق إن العلماء أجمعوا على أن قوله تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)(لأعراف: من الآية172) أنها الأرواح قبل الأجساد فإسحاق رحمه الله تعالى قال بما بلغه وانتهى إلى علمه وليس ذلك بإجماع فقد اختلف الناس هل خلقت الأجساد قبل الأرواح أو معها على قولين حكاهما شيخنا وغيره.

    وهل معنى الآية أخذ الذرية بعضهم من بعض وإشهادهم بما فطرهم عليه أو إخراجهم من ظهر آدم واستنطاقهم على قولين مشهورين.

    والذين قالوا إن الأرواح خلقت قبل الأجساد ليس معهم نص من كتاب الله ولا سنة رسوله وغاية ما معهم قوله (وإذ أخذ ربك من بني آدم) الآية وقد علم أنها لا تدل على ذلك.

    وأما الأحاديث التي فيها أنه أخرجهم مثل الذر فهذا هل هو أشباحهم أو أمثالهم، فيه قولان وليس فيها صريح بأنها أرواحهم.

    والذي دل عليه القرآن والسنة والاعتبار أن الأرواح إنما خلقت مع الأجساد أو بعدها فإن الله سبحانه خلق جسد آدم قبل روحه فلما سواه وأكمل خلقه نفخ فيه من روحه فكان تعلق الروح به بعد خلق جسده.

    وكذلك سنته سبحانه في خلق أولاده كما دل عليه حديث عبدالله بن مسعود المتفق على صحته قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم ينفخ فيه الروح.

    وقد غلط بعض الناس حيث ظن أن نفخ الروح إرسال الروح وبعثها إليه وأنها كانت موجودة قبل ذلك ونفخها تعلقها به وليس ذلك مراد الحديث بل إذا تكامل خلق الجنين أرسل الله إليه الملك فنفخ فيه نفخة فتحدث الروح بتلك النفخة فحينئذ حدثت له الروح بواسطة النفخة.

    وكذلك كان خلق المسيح أرسل الله الملك إلى أمه فنفخ في فرجها نفخة فحملت بالمسيح كما قال تعالى (فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً،قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً،قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً) (مريم:17-19)

    وهذا صريح في إبطال قول من قال إن هذه الروح التي خاطبها هي روح المسيح فإن روح المسيح إنما حدثت من تلك النفخة التي نفخها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وكيف يقول المسيح لأمه أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا وكيف يكون قوله(فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا)(التحريم:من الآية12) أي من روح ولدها فتكون روح المسيح هي النافخة لنفسها في بطن أمه، وهذا قول تكثر الدلائل على بطلانه وإنما أشرنا إلى ذلك إشارة([1])".

    وقال في روضة المحبين:"وأجابت طائفة أخرى أن الأرواح خلقت على هيئة الكرة ثم قسمت فأي روحين تلاقيتا هناك وتجاورتا تألفتا في هذا العالم وتحابتا وإن تنافرتا هناك تنافرتا هنا وإن تألفتا من وجه وتنافرتا من وجه كانتا كذلك ها هنا وهذا الجواب مبني على الأصل الفاسد الذي أصله هؤلاء أن الأرواح موجودة قبل الأجساد وأنها كانت متعارفة متجاورة هناك تتلاقى وتتعارف وهذا خطأ بل الصحيح الذي دل عليه الشرع والعقل أن الأرواح مخلوقة مع الأجساد وأن الملك الموكل بنفخ الروح في الجسد ينفخ فيه الروح إذا مضى على النطفة أربعة أشهر ودخلت في الخامس وذلك أول حدوث الروح فيه ومن قال إنها مخلوقة قبل ذلك فقد غلط وأقبح منه قول من قال إنها قديمة أو توقف في ذلك([2])".

    وقال في كتاب الروح:"وأما قول أبى محمد بن حزم أن مستقرها حيث كانت قبل خلق أجسادها فهذا بناء منه على مذهبه الذي اختاره وهو أن الأرواح مخلوقة قبل الأجساد، وهذا فيه قولان للناس وجمهورهم على أن الأرواح خلقت بعد الأجساد، والذين قالوا أنها خلقت قبل الأجساد ليس معهم على ذلك دليل من كتاب ولا سنة ولا إجماع إلا ما فهموه من نصوص لا تدل على ذلك أو أحاديث لا تصح([3])".



    ------------------------------------

    ([1])أحكام أهل الذمة، أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي (ت:751هـ)، رمادى للنشر - دار ابن حزم - الدمام - بيروت - 1418 - 1997، ط1،ت: يوسف أحمد البكري - شاكر توفيق العاروري. (2/1057-1060).

    ([2])روضة المحبين ونزهة المشتاقين، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله (ت: 751)، دار الكتب العلمية - بيروت - 1412 – 199. (1/76-77).

    ([3])الروح في الكلام على أرواح الأموات والأحياء بالدلائل من الكتاب والسنة، أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي الوفاة: 751 هـ، دار الكتب العلمية - بيروت – 1395هـ – 1975م. ص109.
    وليس لنا إلى غير الله تعالى حاجة ولا مذهب

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jul 2003
    المشاركات
    2,444
    أشكرك أخي الفاضل علي العمري...وما هذا إلا من حسن ظنك...
    وليس لنا إلى غير الله تعالى حاجة ولا مذهب

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jul 2003
    المشاركات
    2,444
    تأويله للحديث الثاني:"أنا أول الأنبياء خلقا واخرهم بعثاً"

    حمل الحديث الثاني على التقدير، فقال:"فالخلق هنا هو التقدير دون الإيجاد، فإنه قبل أن ولدته أمه لم يكن موجوداً مخلوقاً، ولكن الغايات والكمالات سابقة في التقدير لاحقة في الوجود([1])".

    وقال الشيخ عبدالقادر العيدروسي:"وحسن الترمذي خبر يا رسول الله متى وجبت لك النبوة قال وآدم بين الروح والجسد ومعنى وجوب النبوة وكتابتها ثبوتها وظهورها في الخارج، نحو (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ)(المجادلة: من الآية21)، (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ)(البقرة: من الآية183)، والمراد ظهورها للملائكة وروحه صلى الله عليه وسلم في عالم الأرواح إعلاما بعظيم شوقه وتميزه على بقية الأنبياء، وخص الإظهار بحالة كون أدم بين الروح والجسد؛ لأنه أوآن دخول الأرواح إلى عالم الأجساد والتمايز حينئذ أتم وأظهر، فاختص صلى الله عليه وسلم بزيادة أظهار شرفه حينئذ ليتميز على غيره تميزا أعظم وأتم.

    وأجاب الغزالي عن وصفه نفسه بالنبوة قبل وجود ذاته وعن خبر (أنا أول الأنبياء خلقا وآخرهم بعثا) بأن المراد بالخلق هنا: التقدير لا الإيجاد؛ فإنه قبل أن تحمل به أمه لم يكن مخلوقا موجودا، ولكن الغايات والكمالات سابقة في التقدير لاحقة في الوجود. فقوله: (كنت نبيا) أي: في التقدير قبل تمام خلقه آدم؛ إذ لم ينشأ إلا لينتزع من ذريته محمد صلى الله عليه وسلم، وتحقيقه أن للدار في ذهن المهندس وجودا ذهنيا سببا للوجود الخارجي، وسابقا عليه فالله تعالى يقدر ثم يوجد على وفق تقدير بانيها انتهى ملخصا.

    وذهب السبكي إلى ما هو أحسن وأبين، وهو: أنه جاء أن الأرواح خلقت قبل الأجساد؛ فالاشارة بـ(كنت نبيا) إلى روحه الشريفة أو حقيقه من حقائقه لا يعلمها إلا الله، ومن حباه الأطلاع عليها. ثم أنه تعالى يؤتي كل حقيقة منها ما شاء في أي وقت شاء، فحقيقته صلى الله عليه وسلم قد تكون من حين خلق آدم عليه السلام، أتاها الله ذلك الوصف بأن خلقها متهيئة له، وأفاضه عليها من ذلك الوقت، فصار نبيا وكتب اسمه على العرش ليعلم ملائكته وغيرهم كرامته عنده، فحقيقته موجودة من ذلك الوقت، وان تأخر جسده الشريف المتصف بها، فنحو ايتائه النبوة والحكمة وسائر أوصاف حقيقته وكمالاتها معجل لا تأخر فيه، وإنما المتأخر تكونه وتنقله في الأصلاب والأرحام والطاهرة، إلى أن ظهر صلى الله عليه وسلم.

    ومن فسر ذلك بعلم الله بأنه سيصير نبيا لم يصل لهذا المعنى؛ لأن علمه تعالى محيط بجميع الأشياء، فالوصف بالنبوة في ذلك الوقت ينبغي أن يفهم منه أنه أمر ثابت له فيه، وإلا لم يختص بانه نبي إذ الأنبياء كلهم كذلك بالنسبة لعلمه تعالى.

    وأخرج ابن سعد عن الشعبي: متى استنبئت يا رسول الله؟ قال: (وآدم بين الروح والجسد حين أخذ مني الميثاق)، وهو يدل على أن آدم عليه السلام لما صور طينا، استخرج منه صلى الله عليه وسلم ونبي أخذ منه الميثاق، ثم أعيد إلى ظهره ليخرج أوان وجوده.

    فهو أولهم خلقا، وخلق أدم السابق كان مواتا لا روح فيه وهو صلى الله عليه وسلم كان حيا حين استخرج ونبي وأخذ منه الميثاق. ولا ينافي هذا أن استخراج ذرية آدم انما كان بعد نفخ الروح فيه لأنه صلى الله عليه وسلم خص من بين بني آدم بذلك الأستخراج الأول.

    وفي تفسير العماد بن كثير عن علي وابن عباس رضي الله عنهم، في قوله تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) (لأعراف:172) ،أن الله لم يبعث نبياً إلا أخذ عليه العهد في محمد صلى الله عليه وسلم؛ لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ويأخذ العهد بذلك على قوله.

    وأخذ السبكي من الآية أنه على تقدير مجيئه في زمانهم مرسل إليهم، فتكون نبوته ورسالته عامة لجميع الخلائق من أدم إلى يوم القيامة، وتكون الأنبياء وأممهم كلهم من أمته فقوله: (وبعثت إلى الناس كافة) يتناول من قبل زمانه أيضا. وبه يتبين معنى كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد، وحكمة كون الأنبياء في الأخرة تحت لوائه، وصلاته بهم ليلة الأسراء([2])".

    تأويله للحديث الثالث:"كنت نبيا وآدم بين الماء والطين"

    وعلى التقدير أيضاً حمل الحديث الثالث! فقال: "وأما قوله صلى الله عليه وسلم كنت نبيا وآدم بين الماء والطين، فهو ايضا إشارة لما ذكرناه، وأنه كان نبيا في التقدير قبل تمام خلقة آدم عليه السلام، لأنه لم ينشأ آدم إلا لينتزع الصافي من ذريته، ولا يزال يستصفي تدريجا إلى أبلغ كمال الصفاء، فقبل الروح القدسي النبوي المحمدي([3])".

    بيان درجة الحديث: قال الإمام الزركشي: "الحديث السادس عشر (كنت نبيا وآدم بين الماء والطين)، هذا اللفظ لا اصل له ولكن المأثور فيه ما رواه الترمذي وغيره انه قيل: يا رسول الله متى كنت نبيا أو كتبت نبيا. قال وآدم بين الروح والجسد، وقال حسن صحيح،وأخرج ابن حبان عن سارية والحاكم في صحيحهما من حديث العرباض بن سارية: إني كنت عند الله لمكتوب خاتم النبيين وآدم لمنجدل في طينته، وهو بمعنى الاول وقد افردت لهذا الحديث جزءا([4])".

    ومثله حديث: ( كنت أول النبييين في الخلق وآخرهم في البعث ) قال الإمام السخاوي في المقاصد الحسنة أخرجه:"أبو نعيم في الدلائل وابن أبي حاتم في تفسيره وابن لال ومن طريقه الديلمي كلهم من حديث سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة به مرفوعا.

    وله شاهد من حديث ميسرة الفجر بلفظ ( كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد ) أخرجه أحمد والبخاري في تاريخه والبغوي وابن السكن وغيرهما في الصحابة وأبو نعيم في الحلية وصححه الحاكم وكذا هو بهذا اللفظ عند الترمذي وغيره عن أبي هريرة متى كنت أو كتبت نبيا قال ( وآدم ) وذكره وقال الترمذي إنه حسن صحيح وصححه الحاكم أيضا وفي لفظ ( وآدم منجدل في طينته ).

    وفي صحيحي ابن حبان والحاكم من حديث العرباض بن سارية مرفوعا ( إني عند الله لمكتوب خاتم النبيين وأن آدم لمنجدل في طينته ).

    وكذا أخرجه أحمد والدارمي في مسنديهما وأبو نعيم والطبراني من حديث ابن عباس قال قيل يا رسول الله متى كتبت نبيا قال ( وآدم بين الروح والجسد ).

    وأما الذي على الألسنة بلفظ ( كنت نبيا وآدم بين الماء والطين ) فلم نقف عليه بهذا اللفظ فضلا عن زيادة ( وكنت نبيا ولا آدم ولا ماء ولا طين ) وقد قال شيخنا في بعض الأجوبة عن الزيادة إنها ضعيفة والذي قبلها قوي([5])"

    ومع ضعف تأويله بمجرد العلم والتقدير، فإنه لا فرق بينه وبين غيره في ذلك، إذ كل ما تعلق به علم الله تعالى قديم لا أول له، وهو سابق على وجوده الخارجي أيضا، فيصح فيه ما صحَّ في النبي على هذا التقدير، فيبطل الفرق وتنتفي فائدة الحديث وخصوصيته بالنبي عليه الصلاة والسلام.

    ولكنا نورد كلاما لطيفا مفيدا، زيادة على ذلك، قال الإمام تقي الدين السبكي رضي الله تعالى عنه:"الحمد لله الذي عظم نبيه ومن علينا به وهدانا إلى كل خير إذ وصل سببنا بسببه.

    وبعد فقد حصل البحث في تفسير قوله تعالى وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه وقول المفسرين هنا أن الرسول هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأنه ما من نبي إلا أخذ الله عليه الميثاق أنه إن بعث محمد في زمانه لتؤمنن به ولتنصرنه ويوصي أمته بذلك وفي ذلك من التنويه بالنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيم قدره العلي ما لا يخفى وفيه مع ذلك أنه على تقدير مجيئه في زمانهم يكون مرسلا إليهم فتكون نبوته ورسالته عامة لجميع الخلق من زمن آدم إلى يوم القيامة ويكون الأنبياء وأممهم كلهم من أمته ويكون قوله بعثت إلى الناس كافة لا يختص به الناس من زمانه إلى يوم القيامة بل يتناول من قبلهم أيضا ويتبين بذلك معنى قوله صلى الله عليه وسلم كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد وإن من فسره بعلم الله بأنه سيصير نبيا لم يصل إلى هذا المعنى لأن علم الله محيط بجميع الأشياء ووصف النبي صلى الله عليه وسلم بالنبوة في ذلك الوقت ينبغي أن يفهم منه أنه أمر ثابت له في ذلك الوقت ولهذا رأى اسمه آدم مكتوبا على العرش محمد رسول الله فلا بد أن يكون ذلك معنى ثابتا في ذلك الوقت ولو كان المراد بذلك مجرد العلم بما سيصير في المستقبل، لم يكن له خصوصية بأنه نبي وآدم بين الروح والجسد لأن جميع الأنبياء يعلم الله نبوتهم في ذلك الوقت وقبله فلا بد من خصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم لأجلها أخبر بهذا الخبر إعلاما لأمته ليعرفوا قدره عند الله فيحصل لهم الخير بذلك.

    فإن قلت أريد أن أفهم ذلك القدر الزائد فإن النبوة وصف لا بد أن يكون الموصوف به موجودا وإنما يكون بعد بلوغ أربعين سنة أيضا. فكيف يوصف به قبل وجوده وقبل إرساله فإن صح ذلك فغيره كذلك.

    قلت قد جاء أن الله خلق الأرواح قبل الأجساد فقد تكون الإشارة بقوله كنت نبيا إلى روحه الشريفة صلى الله عليه وسلم وإلى حقيقته والحقائق تقصر عقولنا عن معرفتها وإنما يعلمها خالقها، ومن أمده بنور إلهي ثم إن تلك الحقائق يؤتي الله كل حقيقة منها ما يشاء في الوقت الذي يشاء فحقيقة النبي صلى الله عليه وسلم قد تكون من قبل خلق آدم آتاها الله ذلك الوصف بأن يكون خلقها متهيئة لذلك وأفاضه عليها من ذلك الوقت فصار نبيا وكتب اسمه على العرش وأخبر عنه بالرسالة ليعلم ملائكته وغيرهم كرامته عنده فحقيقته موجودة من ذلك الوقت فإن تأخر جسده الشريف المتصف بها واتصاف حقيقته بالأوصاف الشريفة المفاضة عليه من الحضرة الإلهية حاصل من ذلك الوقت وإنما يتأخر البعث والتبليغ لتكامل جسده صلى الله عليه وسلم الذي يحصل به التبليغ وكل ماله من جهة الله تعالى ومن جهة تأهل ذاته الشريفة وحقيقته معجل لا تأخر فيه وكذلك استنباؤه وإيتاؤه الكتاب والحكم والنبوة وإنما المتأخر تكونه وتنقله إلى أن ظهر صلى الله عليه وسلم وغيره من أهل الكرامة([6])".



    ----------------------------------

    ([1]) المضنون الصغير، ص67.

    ([2])تاريخ النور السافر عن أخبار القرن العاشر ، عبد القادر بن شيخ بن عبد الله العيدروسي (ت 1037هـ) ، دار الكتب العلمية - بيروت - 1405 ، (1/6-8).

    ([3]) المضنون الصغير، ص69.

    ([4])اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة المعروف بـ ( التذكرة في الأحاديث المشتهرة ) ، بدر الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله الزركشي الوفاة: 794 هـ ، دار الكتب العلمية - بيروت - 1406 هـ - 1986م ، ط1، ت: مصطفى عبد القادر عطا. ص172.

    ([5])المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة ، أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد السخاوي (ت: 902 هـ) ، دار الكتاب العربي - بيروت - 1405 هـ - 1985م ، ط1، ت: محمد عثمان الخشت،(1/520-521).

    ([6])فتاوى السبكي، الامام أبي الحسن تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي (ت: 756هـ )، دار المعرفة - لبنان/ بيروت. (1/38-40).
    وليس لنا إلى غير الله تعالى حاجة ولا مذهب

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jul 2003
    المشاركات
    2,444
    هذا هو البحث كاملا للاطلاع
    الملفات المرفقة الملفات المرفقة
    وليس لنا إلى غير الله تعالى حاجة ولا مذهب

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    113
    جزاك الله خيرا شيخنا الجليل و نفعنا بكم و ايدكم لنصرة الحق و اهله بجاه سيد المرسلين.

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Sep 2016
    المشاركات
    784
    "وظيفة الباحث أن يعيد النظر في كتب أعلام العلماء سواء كانت نسبتها إليهم صحيحة أو لا، فإن مجرد نسبتها إليهم تفتح الباب لترويجها بما فيها من حق أو باطل".

    بوركتم شيخنا وحفظكم الله ونفعنا بكم وبعلومكم.
    {واتقوا الله ويعلمكم الله}

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •