بسم الله الرحمن الرحيم
المدارسة التاسعة
(الفصل الثاني: في تقسيم الألفاظ)
(دلالة اللفظ): كون اللفظ بحيث إذا أطلق فهم منه المعنى من كان عالما بالوضع، وتنقسم هذه الدلالة إلى دلالة مطابقية وتضمنية والتزامية، وهاك شرحها باختصار:
دلالة اللفظ (على تمام مسماه) تسمى دلالة (مطابقة) كدلالة الإنسان على الحيوان الناطق، (و) دلالته (على جزئه) تسمى دلالة (تضمن) كدلالة الإنسان على الناطق، (و) دلالته (على لازمه الذهني) تسمى دلالة (التزام)
(واللفظ) ينقسم من حيث الإفراد والتركيب إلى مفرد ومركب، فهو (إن دل جزؤه على جزء معناه) المقصود منه (فمركب، وإلا) بأن لم يدل جزؤه على جزء معناه المقصود منه (فمفرد) سواء لم يكن له جزء أصلا كباء الجر أو كان له جزء ولكن لا يدل على جزء معناه الموضوع له كالزاي من زيد والعبد من عبد السلام .
(والمفرد) أنواع فهو (إما ألا يستقل بمعناه وهو الحرف، أو يستقل) في إفادة معناه، (وهو) _أي المفرد المستقل في إفادة معناه_ (فعل إن دل بهيئته على أحد الأزمنة، وإلا) بأن لم يدل بهيئته على أحد الأزمنة (فاسم).
والأسم إما (كلي) أو جزئي، فهو كلي (إن اشترك معناه) أي لم يمنع نفس تصور مفهومه من وقوع الشركة فيه، والكلي ينقسم باعتبار تساوي أفراده في التحقق بالمفهوم منه أو عدم تساويها إلى قسمين وهما:
1-كلي (متواطئ): وذلك (إن استوى) تحقق مفهومه في أفراده.
2- وكلي (مشكك إن تفاوت) تحققه فيها بزيادة أو نقص، أو شدة أو ضعف.
وينقسم الاسم الكلي أيضا إلى جنس"جامد" ومشتق، فهو (جنس) "جامد" (إن دل على ذات غير معينة) دون الوصف،ويتحقق الاسم الجامد في اسم الجنس(كالفرس) وفي علم الجنس كأسامة، والفرق بينهما أن اسم الجنس قد وضع للماهية من حيث هي هي وأما علم الجنس فقد وضع للماهية من حيث هي متشخصة في الذهن، (و)هو اسم (مشتق إن دل على ذي صفة معينة) أي إن دل على ذات ذي صفة معينة (كالفارس) والشارب.
وفي مقابل الاسم الكلي،فالاسم (جزئي إن لم يشترك) أي إن منع نفس تصور مفهومه من وقوع الشركة فيه وهو إما (علم) شخص وذلك (إن استقل) في مفهومه، (ومضمر إن لم يستقل) في مفهومه بأن احتاج إلى ما يوضحه من الصلة أو الإشارة أو غيرهما وذلك كضمير التكلم والخطاب والغيبة، وكون الضمير جزئيا هو الراجح عند أكثر العلماء ومنهم من قال إنه كلي من حيث الوضع وجزئي من حيث الإستعمال.
طلب مشتق
مركب--خبر الكلي اسم الجنس
تنبيه جامد
الاسم علم الجنس متواطئ
اللفظ مفرد
الفعل علم شخص مشكك
الحرف الجزئي مضمر
(تقسيم آخر) للفظ: وهو باعتبار تعدده واتحاده وتعدد معناه واتحاده.
(اللفظ والمعنى إما أن يتحدا وهو المفرد) وسمي بذلك لانفراد لفظه بمعناه، (أو يتكثرا) بأن تتعدد الألفاظ والمعاني، (و)هذه الألفاظ (هي) ما يعرف باسم ("المتباينة") وسميت بذلك لتباين معانيها واختلافها بخلاف المترادفة سواء (تفاصلت معانيها) في الخارج بأن لم يمكن اجتماع معاني ألفاظها في مصداق واحد وذلك (كالسواد والبياض) والإنسان والفرس، (أو تواصلت) بأن أمكن اجتماع معانيها في بعض المصاديق، فالمصداق يجوز حمل أكثر من معنى عليه وذلك (كالسيف والصارم) باعتبار أن أحدهما ذات والآخر صفة (والناطق والفصيح) باعتبار أن أحدهما صفة والآخر صفة الصفة، والإنسان والحيوان باعتبار أن أحدهما كل والثاني جزء.
(أو تكثر اللفظ واتحد المعنى وهي) الألفاظ (المترادفة أو بالعكس) بأن اتحد اللفظ وتعدد المعنى وهي أقسام؛ (فإن) تعدد (وضع) اللفظ (للكل) أي لكل معنىً من معانيه (كالعين فمشترك) لفظي، (وإلا) -بأن لم يوضع للكل بل للبعض ومن ثم نقل إلى غيره واستعمل فيه- (فإن نقل) اللفظ (لعلاقة) نوعية بين المعنى الأول والمعنى الثاني (واشتهر) اللفظ عند أهل الخطاب (في) المعنى (الثاني سمي بالنسبة إلى) المعنى (الأول منقولا عنه و)بالنسبة (إلى) المعنى (الثاني منقولا إليه) ؛ فاللفظ واحد وتتعدد تسميته بحسب المعنى الذي ينسب إليه، (وإلا) بأن نقل اللفظ لعلاقة نوعية ولكن لم يشتهر في المعنى الثاني بل في الأول (فحقيقة) بالنسبة للمعنى الأول (ومجاز) بالنسبة للمعنى الثاني.
-النص والمجمل والظاهر والمؤول:
(والثلاثة الأُوَل) أي الألفاظ المفردة والمتباينة والمترادفة، وهي الألفاظ (المتحدة المعنى) تعتبر من ألفاظ ال("نصوص") والنص هو ما دل على معناه من غير احتمال لغيره، (وأما الباقي) -وهو كل ما اتحد لفظه وتعدد معناه- فينقسم إلى ثلاثة أقسام؛ (فالمتساوي الدلالة) بالنسبة إلى معانيه من اشتهار له بالبعض (مجمل)؛ والمجمل هو لفظ لم تتضح دلالته على معناه وهو هنا يصدق على المشترك فقط، (والراجح) الدلالة بالنسبة إلى أحد معانيه (ظاهر)، والظاهر هو ما دل على المعنى مع احتمال غيره احتمالا مرجوحا ويصدق هنا على المنقول إليه والحقيقة، (والمرجوح) الدلالة بالنسبة إلى أحد معانيه (مؤول)، والمؤول هو ما دل على معنىً مرجوح كالأسد بالنسبة للرجل الشجاع ويصدق هنا على المنقول عنه والمجاز، فإذا دل لفظ الأسد على الحيوان المعروف سمي اللفظ ظاهرا وإذا دل على الرجل الشجاع سمي اللفظ مؤولا.
وهذا كله باعتبار ذات اللفظ مجردا عن السياق أما حال كونه في السياق فقد يصبح المؤول ظاهرا وبالعكس وذلك إذا وجدت القرائن الصارفة سواء كانت حالية أو لفظية، فاللفظ في السياق ينظر إليه باعتبارين؛ باعتبار ذاته وباعتبار السياق الذي وجد فيه، فقولك مثلا: "رأيت أسدا على المنبر" ينظر إلى لفظة الأسد التي فيه باعتبارين؛ فبعتبار ذات اللفظ هو ظاهر في الحيوان ومؤول في الرجل الشجاع وبعتبار السياق الذي وجدت فيه هو ظاهر في الرجل الشجاع مؤول في الحيوان والقرينة الصارفة هي لفظ "على المنبر" إذ الحيوان لا يعتليه عادة.ً
المحكم والمتشابه:
والقدر (المشترك بين النص والظاهر) وهو الرجحان هو ما يصدق عليه أنه ("المحكم")، فالمحكم هو لفظ واضح الدلالة على معناه إما لأنه لم يحتمل غير هذا المعنى وهو النص أو لأنه يحتمل غيره احتمالا مرجوحا وهو الظاهر، والقدر المشترك (بين المجمل والمؤول) وهو عدم الرجحان هو ما يصدق عليه أنه ("المتشابه")،فالمتشابه هو لفظ ليس راجح المعنى إما لإنه مرجوح في هذا المعنى وهو المؤول أو لكونه متساويا بالنسبة للمعاني المتعددة وهو المجمل، والمحكم والمتشابه ينظر إليهما باعتبارين؛ باعتبار ذات الألفاظ وباعتبار كونها في السياق-كما قيل في الظاهر والمؤول-، والأخير-أي باعتبار كونها في السياق- هو المعتبر في الإصطلاح الشرعي "آية آل عمران".
فائدة: أهل الأهواء يتبعون المتشابهات، ويتكلمون بالمجملات؛ أما الأولى فللزيغ الذي في قلوبهم وأما الثانية فللخوف عن التصريح بمعتقدهم، فتأمل!!.
(تقسيم آخر) للفظ باعتبار مدلوله من حيث كونه لفظا أو معنى:
(مدلول اللفظ إما معنى أو لفظ)، واللفظ إما (مفرد) مستعمل أو مفرد مهمل (أو مركب مستعمل أو) مركب (مهمل، نحو الفرس) مثالا للْمعنى (والكلمة) مثالا للّفظ المفرد المستعمل حيث تدل الكلمة على الإسم والفعل والحرف، (وأسماء الحروف) مثالا للّفظ المفرد المهمل فلفظ الجيم مستعمل ومدلوله لفظ مهمل وهو"ج" حيث لا يفيد معنى بذاته، (والخبر)-قول يحتمل الصدق والكذب- مثالا للّفظ المركب المستعمل (والهذيان) مثالا للّفظ المركب المهمل لإنه غير مفيد.
المركب وأقسامه:
(والمركب) التام (صيغ للإفهام) أي إفهام المقصود الذي في نفس المتكلم، (فإن أفاد) االمركب (بالذات طلبا) أي إفادة أولية بأن يكون دالا على الطلب بمقتضى وضعه؛ (فالطلب للماهية استفهام)، فالإستفهام هو طلب ذكر الماهية، (و)الطلب (للتحصيل)- أي لتحصيل الماهية في أي فرد من أفرادها- أمر؛ فالأمر لغة هو طلب الفعل مطلقا ولكن العرف قد خص طلب الفعل (مع الاستعلاء) بال("أمر" و)طلب الفعل (مع التساوي) بال("التماس") وطلب الفعل (مع التسفل) بال("سؤال"، وإلا) بأن -لم يفد المركب بالذات طلبا بل باللازم- فصادق بصورتين: الخبر والتنبيه؛ (فمحتمل التصديق والتكذيب) لذاته (خبر، وغيره تنبيه)، فالتنبيه هو ما نبهت به عن مقصودك وهو مركب لا يحتمل التصديق والتكذيب ولا طلب فيه باعتبار ذاته بل بطريق الإلتزام (ويندرج فيه الترجي) وهو في الأمور الممكنة التي يرجى حصولها، (والتمني) وهو في المستحيلات أو الأمور الممكنة التي لا يرجى حصولها، (والقَسَم والنداء) وغيرهم مما يعلم بالإستقراء .
ملاحظة: تقسيم المركب التام بحسب إفادته للطلب هو الأليق ببحث الأصولي؛ إذ الأخبار والتنبيهات المحضة لا تفيد أحكاما شرعية لأنه لا طلب فيها، فلذلك يبحث في الأخبار والتنبيهات هنا من جهة إفادتها للطلب بطريق الإلتزام.