هذه مناقشة بين الشافعية والحنفية في العلة التي حرم بها الربا في النقد وغرضنا من إيراد ذلك تثبيت معرفة مآخذ الشافعية ،
الأصح عند الشافعية أن العلة عندهم في ذلك حوهرية الثمن ، وعند الحنفية العلة الوزن في جنس واحد , فألحق بهما كل موزون كالحديد والنحاس والرصاص والقطن والكتان والصوف , وكل ما يوزن في العادة , ووافق أنه لا يحرم الربا في معمول الحديد والنحاس ونحوهما , وإنما يحرم في التبر .
ودليل حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم أنهما حدثاه " { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أخا بني عدي الأنصاري فاستعمله على خيبر فقدم بتمر جنيب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل ثمر خيبر هكذا ؟ قال : لا والله يا رسول الله . إنا لنشتري الصاع بالصاعين من الجمع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تفعلوا , ولكن مثلا بمثل , أو بيعوا هذا واشتروا قيمته من هذا , وكذلك الميزان } رواه البخاري ومسلم قالوا : يعني وكذلك الموزون , فيدل على أن كل موزون لا يجوز التفاضل فيه
وردوا على ما علل به الشافعية بالتالي :
1) بأن علة الشافعية قاصرة فإنها لا تتعدى الذهب والفضة وهما الأصل الذي استنبطتم منه العلة , وعندكم في العلة القاصرة وجهان لأصحاب الشافعي : ( أحدهما ) أنها فاسدة لا يجوز التعليل بها لعدم الفائدة فيها , فإن حكم الأصل قد عرفناه وإنما مقصود العلة أن يلحق بالأصل غيره . ( والوجه الثاني ) أن القاصرة صحيحة , ولكن المعتدية أولى , قالوا : فعلتكم مردودة على الوجهين , لأن حكم الذهب والفضة عرفناه بالنص .
2) قالوا : ولأن علتكم قد توجد ولا حكم , وقد يوجد الحكم ولا علة كالفلوس بخراسان وغيرها فإنها أثمان ولا ربا فيها عندكم، والثاني كأواني الذهب والفضة يحرم الربا فيها مع أنها ليست أثمانا .
ورد الشافعية على استلالهم بـ:
1) أنه يجوز إسلام الذهب والفضة في غيرهما من الموزونات بالإجماع , كالحديد وغيره فلو كان الوزن علة لم يجز كما لا يجوز إسلام الحنطة في الشعير , والدراهم في الدنانير
2) أن أبا حنيفة يجوز بيع المضروب من النحاس والحديد والرصاص , بعضه ببعض متفاضلا ولو كانت العلة الوزن لم يجز
وأجابوا عن حديث الحنفية بثلاثة أجوبة:
( أحدها ) جواب البيهقي قال : قد قيل إن قوله : وكذلك الميزان من كلام أبي سعيد الخدري موقوف عليه.
( الثاني ) جواب القاضي أبي الطيب وآخرين أن ظاهر الحديث غير مراد , فإن الميزان نفسه لا ربا فيه وأضمرتم فيه الموزون ودعوى العموم في المضمرات لا يصح.
( الثالث ) أنه يحمل الموزون على الذهب والفضة جمعا بين الأدلة .
وأجابوا عن قولهم : لا فائدة في العلة القاصرة بأن مذهبنا جواز التعليل بها , فإن العلل أعلام نصبها الله تعالى للأحكام , منها متعدية , ومنها غير متعدية , إنما يراد منها بيان حكمة النص لا الاستنباط , وإلحاق فرع بالأصل كما أن المتعدية عامة التعدي وخاصته . ثم لغير المتعدية فائدتان:
( إحداهما ) أن تعرف أن الحكم مقصور عليها , فلا تطمع في القياس .
( والثانية ) أنه ربما حدث ما يشارك الأصل في العلة فيلحق به , وأجابوا عن الفلوس بأن العلة عندنا كون الذهب والفضة جنس الاثمان غالبا وليست الفلوس كذلك فانها وان كانت ثمنا في بعض البلاد فليست من جنس الاثمان غالبا فسلم الطرد ، وأما العكس فلا ينتقض أيضا بالأواني : لأننا قلنا : جنس الأثمان والأواني من جنس الأثمان ، وإن لم تكن أثمانا فسلمت العلة من النقص في الطرد والعكس