ثالثاً: قوله تعالى : إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً{21} لِلْطَّاغِينَ مَآباً{22} لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً{23} لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلَا شَرَاباً{24} إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً{25} جَزَاء وِفَاقاً{26} سورة النبأ
جعل د. عدنان هذه الآية دالة بضعفٍ شديد على الفناء، ولكن من الظاهر أن كلمة أحقابا لا تدل بنفسها على انتهاء اللبث، ولذلك يمكن تقييدها بعدد معين وبالتأبيد، كأن تقول أحقابا ثلاثة، وأحقابا مؤبدة مستمرة. وما كان كذلك لا يقال إنه دليل في نفسه على أحد الاحتمالين. بل يقال إنه يحتملهما. وفرق بين الأمرين عظيم.
ولذلك قال: إن الدلالة لا تتم إلا بناء على مفهوم العدد، وهو قول ضعيف في أًصول الفقه. ومع ذلك تراه يتمسك به، بل إن كل ما رأيناه يتمسك به ضعيف ضعيف، ومن الغريب أن يعترف بضعفه ثم يصر على التمسك به.
وأيضا: فإن (أحقابا) نكرة، وجمع، صحيح أن الاسم (حقب) يدل على عدد من السنين، والجمع معدود، ولكنه غير محدد، والأحقاب جمع قلة، يتناول من ثلاثة إلى عشرة، والنكرة من المطلق في أصول الفقه، والمطلق يقبل العموم البدلي كما هو معلوم في الأصول، فيصح عندئذ أن يكون معنى الآية: أي لابثين فيها أحقاباً وبعدها أحقابٌ وهكذا...ولا دليل على انتهاء الأحقاب برمتها. ولذلك فلا يعارض هذا ما علم من أن الحُقْب عدد ما من السنين، فكونه عددا لا يستلزم نفي ما عداه، وأما اللفظ فهو نكرة، بصيغة الجمع، في مقام التهديد والوعيد. ولذلك رأينا أعاظم المفسرين من المتقدمين والمتأخرين لا يقولون إن كون الحقب عددا معينا، وكون الجمع معدودا، يستلزم وجود حد محدود تقف عنده الأحقابُ المذكورة هنا. وقد مرَّ نقل بعض كلامهم.
ثم اعترافه بأن مفهوم العدد ضعيف، ومع ذلك يتمسك بهذا الضعيف ويجعله مقابل المحكم الظاهر من الآيات الثلاثة التي جعل هذه الآية تقابلها وتفتح للكفار باب الدخول إلى الجنة بعد أن يتطهروا ويصيروا مؤمنين، وزاد على ذلك فجعله حاكما عليها مقدما مرَجَّحاً...!! لعمري إنني لم أكن أتوقع منه السير في هذه السكة من طرق الاستدلال، ووالله إن هذا لا يستحق أن يكون استدلالا، بل هو عبارة عن طرق ملفقة يراد منها أن توصله إلى غاية يريدها ويهواها، أما أن يكون الدليل الراجح قاده إليها، فلا وألف لا.
وبذلك يبطل ما ادعاه من المقابلة الثلاثية التي تفرد بها، ولم يجد أحدا قال بها..ولم يتنبه إلى أن عدم وجود أحد يقول بها ربما يكون أعظم دليل على ضعفه، وعدم وجود اعتبار لها، خصوصا في هذا المقام العظيم، الذي هو أعظم من الدنيا وما فيها.