بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين سيدنا محمد من نرتجي شفاعته يوم الدين، الذي لا يوم بعدَه....
وبعد،
فيا أيها الإخوة الأفاضل وخصوصا محبي د. عدنان إبراهيم
أريد أن أقول لكم هنا، إن الرد على رأي من الآراء لا يستلزم انتقاصا ولا قدحا في نوايا المردود عليه.
ولتعلموا جميعا أن لم يدفعني للرد عليه لا دافع شخصي ولا اعتبار غير علمي، ولكن الرأي الذي ذهب إليه والطريقة التي شرع في ترجيحه أراها غير لائقة، ولا مصيبة، وما زلت أقول إن هنا تسرعا في خطابه واندفاعا في استنتاجاته...
وأريد أن تعلموا أيضا أن الرد عليه يشتمل على جانبين:
الجانب الأول: بيان أهم ما استدلَّ به من أمور لغوية وآيات وأحاديث ومعان عقلية أو شرعية، وإعادة النظر في توجيه هذه الآيات ودفع الجهات التي يتعلق بها. وهذا حق لنا مشروع.
الجانب الثاني: بيان بعض اللواز التي تلزمه عندما يقول برأيه، وهذا يدعى في علم المناظرة (الإلزام) ومعنى ذلك إعادة تحليل قوله وبيان ما قد يلزم عنها بحسب النظر العقلي أو بحسب الجهة التي يقيم آراءه عليها...
والإلزام لا يستلزم بالضرورة ولا يتوقف على أن يصرِّح المردود عليه تصريحا مباشرا بما يُلزم به، ولكن يكفي أن يقرر بعض القضايا التي تستلزم ما يُلزَم به، بحسب رأي الناظر...
وللمردود عليه أن يعترف بأنه يلزمه، أو أن يدفع لزومَه بأدلة ظاهرة....
والإلزام في علم المناظرة ليس من باب الكذب أبداً، ولكن ينبغي أن تكون القواعد التي يُلزَم الخصم بناء عليها مسلمَّة له أو مقررة، وأن لا يكون منكراً لها، وأن يكون هناك للزوم بينها وبين ما يُلزَم به من الرادِّ عليه...
ومنهج الإلزام منهج مقرر عند أهل المناظرة والنظر....
ومع ذلك فأنا في ردِّي عليه، وإن اشتمل على إلزامات أراها موجَّهة عليه، إلا أني لم أكثر منها....كما سترون...ولما نزل في بداية نشر الردِّ....ولكني ركزت أكثر على إعادة تحليل أدلته، ومعارضته ونقض وجه دلالاته.....
وكان بإمكاني أن أتجاهل ما قاله وقرره، ولكني أعلم كما أقول دائما، أن أداء الاحترام والتقدير للكاتب الذي يرجو الله تعالى حتى وإن خطأناه، لا يكون بتجاهل ما قاله، ولا يكون بالتغافل عما يدعو إليه، بل إن ذلك إنما يكون بإعادة النظر فيما قرره ومحاولة فهمه على الوجه الذي يريده هو بحسب الطاقة البشرية- ومصارحته بذلك بأقرب الطرق.....ولذلك فإنني إذ أرد على من أردُّ عليهم وإذ أبين نقض مقالات بعض الأعلام بين المسلمين كابن تيمية وابن عربي وابن رشد وغيرهم من المتقدمين أو المعاصرين، أفعل ذلك لأنني أرى مدى تأثيرهم، ومدى وجوب الاهتمام بآرائهم....
ولكن الاهتمام بآراء أحد لا يتمُّ فقط بأن نوافقه فيما يقول، ولا أن نصرف ذهننا وعقلنا عما يلزم رأيه من لوازم، ونقف عندما يقف عليه...بل يتم على أبلغ وجه بتحليل قوله ورأيه ونقده وبيان لوازم الباطلة وتحذيره من الالتزام بها....خصوصاً أننا جميعا نشتغل بنصوص هذا الدين الذي نؤمن به ونأمل رحمة الله تعالى ونحاول اجتناب غضبه....
ولتعلموا وليعلم هو أنني لا أريد من ردِّي عليه إلا وجه الله تعالى وإعلاء كلمة الدين الحق، والفهم الصدق، كما أراه وكما أعتقد أن ينبغي أن يكون، ولا أريد أن يصبح الدين مطية لكل هاجم عليه، لاوياً أعناق آياته لما يهواه، فلا أعتقد أن أحدا منا يرضى بذلك.....
وأنا لا أتوقع منكم ولا من د. عدنان إلا أن يسارع إلى إعادة النظر فيما نقول، وألا يفترض أن ما يقرره وما يرتئيه هو الحق المطلق الذي لا يجوز لأحد معارضته فيه....
بل إننا لو قلنا: إن الأولى بأن يقال له ذلك هو قول جماهير المسلمين في القرون المتطاولة لكان قطعا أولى وأحسن وأصوب....ومع ذلك فها نحن نعيد النظر فيما قرره وارتآه وأن أبعد الشقة عما قال أعلام المسلمين من شتى الفرق والمذاهب.....
وليس المقصود من الرد مجرد التشنيع عليه كما يتوهم بعض المندفعين....بل توجيه الأدلة ونقد الباطل منها، فإنا وإياه يجب علينا أن نحتكم إلى أدلة هذا الدين الحنيف كما تدلُّ عليه، لا كما نريدها أن تدلُّ، وينبغي أن نكون تابعين لدلالات نصوصه لا أن نتصرف فيها بحسب ما نودُّ أن تكون عليه...وذلك لكي يتحقق منا التسليم والاستسلام الحق....
كما أن الرد عليه لا يستلزم إنكار جميع ما يتحلى به من مزايا، وهذا لا يخطر لي أبدا على بال...
والله الموفق، وهو المستعان وعليه التكلان
كتبه
سعيد فودة
وليس لنا إلى غير الله تعالى حاجة ولا مذهب...