بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.
في بيان معنى الاستواء على العرش الوارد في حق الله تعالى، يقول الإمام الرازي رضي الله عنه:((واما آيات الاستواء المتعدية بعلى ,فمن الملاحظ أن سياقها_ من بداية الآية وما يلي الاستواء على العرش _ يدل على القدرة والخلق والعلم, وعليه فإن الاستواء " ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ " وجب أن يكون أيضاً دليلاً على كمال القدرة والعلم، لأنه لو لم يدل عليه بل كان المراد كونه مستقراً على العرش كان ذلك كلاماً أجنبياً عما قبله وعما بعده، فإن كونه تعالى مستقراً على العرش لا يمكن جعله دليلاً على كماله في القدرة والحكمة وليس أيضاً من صفات المدح والثناء، لأنه تعالى قادر على أن يجلس جميع أعداد البق والبعوض على العرش وعلى ما فوق العرش، فثبت أن كونه جالساً على العرش ليس من دلائل إثبات الصفات والذات ولا من صفات المدح والثناء، فلو كان المراد من قوله: { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } كونه جالساً على العرش لكان ذلك كلاماً أجنبياً عما قبله وعما بعده، وهذا يوجب نهاية الركاكة، فثبت أن المراد منه ليس ذلك، بل المراد منه كمال قدرته في تدابير الملك والملكوت حتى تصير هذه الكلمة مناسبة لما قبلها ولما بعدها وهو المطلوب)).
وعلى تفسير من فسر الاستواء بالعلو (وهم المجسمة من الوهابية ومن قبلهم): فيلزم عليهم أن الله تعالى لم يكن قبل خلق السماوات والأرض عالياً على العرش، أي أن صفة العلو على العرش _التي يدندن بها الوهابية دائما_ إنما اكتسبها الباري بعد أن لم يكن متصفاً بها!!!
وعلى تفسير بعض هؤلاء الاستواءَ بالاستقرار، فيلزم أن الله تعالى كان قبل خلق السماوات والأرض مضطرباَ ثم استقر !!!
واستقراره على العرش هل هو صفة كمال أم صفة نقص؟؟
إن قالوا صفة نقص: كفروا.
وإن قالوا صفة كمال: لزمهم أنه كان قبل خلق السماوات والأرض ناقصاً، ثم اكتسب كماله بعد خلق السماوات والأرض!!!
أما تأويل أهل السنة والجماعة (الأشاعرة والماتريدية) للاستواء بالاستيلاء وبالقهر والغلبة، فليس فيه محذور بإذن الله تعالى، وبيان ذلك:
1. إن كلا التأويلين موافق للغة العرب لم يخرج عنها.
2. إن كلا التأويل موافق لأصول العقيدة الإسلامية في تنزيه الله تعالى عن مشابهة الحوادث.
بقي أن نذكر: أن من اعتمد أحد التأولين السابقين من أهل السنة، لم يقطع بصحة ما ذهب إليه، وهذه قاعدة عامة في جميع التأويلات، ملخصها أن تعيين اللفظ المراد صرف الظاهر إليه هو أمر ظني (اجتهادي) لا قطعي.
شبهات:
حاول المجسمة إلزام أهل السنة بمثل ما ألزمهم أهل السنة عند تفسيرهم _أي المجسمة_ الاستواء بالعلو والاستقرار، وهي الإلزامات التي ذكرتها آنفاَ.
قالوا: إذا فسرتم استوى بـ(استولى) فيلزم أن الله تعالى لم يكن مستولياً على العرش قبل خلق السماوات والأرض.
والجواب:
هذا غير لازم لنا، ودليلنا نقلي هو دلالة اسم الله: (المقيت) إذ من معانيه: المستولي على كل شيء، ولذلك فنحن نقلب عليهم إلزامهم ونلزمهم بالإلحاد باسم الله: (المقيت).
قالوا: وتأويل الاستواء بالقهر والغلبة معناه وجود مغالب لله.
والجواب:
يقول إمام الحرمين رحمه الله تعالى: ((حَمْلُ الاستواء على القهر والغلبة شائع في اللغة ، إذ العرب تقول استوى فلان على الممالك إذا احتوى على مقاليد الملك واستعلى على الرقاب ، وفائدة تخصيص العرش بالذكر أنه أعظم المخلوقات في ظن البرية ، فنص تعالى عليه تنبيها بذكره على ما دونه ، فإن قيل الاستواء بمعنى الغلبة ينبئ عن سبق مكافحة ومحاولة ؛ قلنا: هذا باطل ، إذ لو أنبأ الاستواء عن ذلك لأنبأ عنه القهر))اهـ.
وهذا يعني أن الله تعالى موصوف بأنه القهار ، ولا يقتضي ذلك وجود مغالب له كي يَظْهر قهرُه إياه ، فكذلك استواؤه واستعلاؤه على عرش ملكه لا يقتضي وجود مغالب له .
أي أن لازم ما ظنوه إلزاماَ لنا هو الإلحاد في اسم الله "القهار"، فليتنبهوا لذلك.
وأنا أدين الله تعالى بما ذهب إليه الإمام الرازي رضي الله عنه وبيض وجهه يوم الحساب، لكن أردت بيان ضعف مذهب المجسمة أمام أضعف أقوال أهل السنة (إن صح التعبير بأضعف)!!!