بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
هذه بعض العبارات من عقيدة الخواصِّ [العقيدة الناشية الشادية] التي في مقدِّمة [الفتوحات المكِّيَّة] للشيخ ابن عربي رحمه الله أعلِّق عليها لتبيان خروج الشيخ عن الأشعريَّة فيما يقرِّر من مسائل، وإنَّما أذكر ما كان منه صريحاً واضحاً في مخالفة أهل السُّنَّة والجماعة.
وثبوت هذه العقيدة له كمثل ثبوت عقيدة العوام التي يذيعها الإخوة ظانِّين أنَّ الشيخ ابن عربي موافق لأهل السُّنَّة والجماعة في اعتقاده، فمن شكَّك في هذه فعليه الشَّكُّ في تلك، ومن أثبت تلك لزمه إثبات هذه.
ولعلَّ التَّعليق على كامل ما ذكر في هذه العقيدة يتيسَّر بإذن الله تعالى لواحد من سادتي المشايخ حفظهم الله تعالى.
ملحوظة: الشيخ في بعض المسائل يوافق قول أهل الحقِّ، لكنَّ موافقته لهم في بعضها لا يعني أنَّه على مذهبهم.
ملحوظة: لو أفردتُ ما قال تصريحاً في معارضة أهل السُّنَّة والجماعة السادة الأشاعرة رضي الله عنهم ونقد ما قالوا لكفى في إثبات مخالفته لهم في الاعتقاد، لكنِّي سأزيد على هذا بذكر كلِّ ما هو فيه مخالف لهم.
- قال: "مسألة: أما بعد فإن للعقول حداً تقف عنده من حيث ما هي مفكرة لا من حيث ما هي قابلة، فنقول في الأمر الذي يستحيل عقلاً قد لا يستحيل نسبة إلهية كما نقول فيما يجوز عقلاً قد يستحيل نسبة إلهية".
أقول: معلوم أنَّ الحكم العقليَّ إنَّما هو الحكم الذَّاتيُّ، أي ليس مبدأ الحكم العقليِّ هو العقل، بل هو ذات المتكلَّم عليه، فلو قلنا: (يجب وحدة الإله عقلاً) فمعناه أنَّا نحكم بأنَّ الإله من حيث هو إله تجب وحدته. ولو قلنا: (يمتنع أن يكون الإله جسماً) فإنَّ مقصودنا ليس هو أنَّ العقل عند تكفيره يصل إلى امتناع ذلك، بل هو حكم بأنَّ الإله من حيث هو إله لا يكون جسماً.
فإذا ما عُرِف هذا قيل: الشيخ ابن عربي يقول بأنَّ الممتنع العقليَّ أخصُّ من الممتنع في مرتبةالنسبة الإلهيَّة، فهو إن كان يقصد بهذه المرتبة مرتبة ثبوتيَّة فإنَّ الأمر الممتنع في ذاته يمتنع أن يكون له أيُّ درجة من درجات الثُّبوت في ذاته لمّضا كان الحكم العقليُّ في حقيقته هو الحكم الذَّاتي.
وإن كان قصد مرتبة غير ثبوتيَّة أصلاً فما معنى أن يُسمِّي هذا الأمر بأنَّه نسبة إلهيَّة؟!
وإجمالاً يقال إنَّ حكمنا على شيء بأنَّه ممتنع عقلاً ليس منَّا حكماً بأنَّه ممتنع أن تتوصَّل إليه العقول، بل هو حكم بامتناعه في ذاته [لامتناع التناقض].
نعم، المعلوم هو أنَّ العقل قد يقصر عن معرفة وجوب شيء أو إمكانه أو امتناعه، ثمَّ ياتي الشرع مثلاً بصحَّته، لكن إن وصل العقل إلى كونه ممتنعاً في نفسه موجباً التناقض فهو حكم بامتناعه في نفسه لا في العقول فقط.
وقد يقال هاهنا إنَّ الشيخ قد قصد أنَّ الوهم والخيال مرتبة ثبوتيَّة كما أنَّ الذِّهن الإنسانيَّ يسع فرض الواجب والممكن والممتنع.
ثمَّ يقال: ما قصد الشيخ بقوله "نسبة إلهيَّة"؟ فإنَّه لو كان على مذهب أهل السُّنَّة فإنَّه إمَّا أن يقصد عين ذاته تعالى أو صفاته أو أفعاله أو ما هو اعتباريٌّ عن كلٍّ منها، ولكنَّ هذا كلَّه لا يصحُّ فيه أنَّه يكون أمراً ممتنعاً عقلاً.
ولمَّا كان مطلوبنا إثبات مخالفته لمعتقد أهل السُّنَّة فكلامه هنا ظاهر في مخالفتهم.
أمَّا ما ندَّعيه نحن فهو أنَّ الشيخ إنَّما يقصد المظاهر الإلهيَّة وفق القول بوحدة الوجود مخالفاً أهل السُّنَّة، فذلك جارٍ عليه. فمن أنكر علينا فهمنا هذا فليأتِ بتفسير مغاير لقوله هذا!
- قال: "مسألة: أنى للمقيد بمعرفة المطلق وذاته لا تقتضيه وكيف يمكن أن يصل الممكن إلى معرفة الواجب بالذات وما من وجه للممكن إلا ويجوز عليه العدم والدثور والافتقار فلو جمع بين الواجب بذاته وبين الممكن وجه لجاز على الواجب ما جاز على الممكن من ذلك الوجه من الدثور والافتقار وهذا في حق الواجب محال فإثبات وجه جامع بين الواجب والممكن محال فإن وجوه الممكن تابعة له وهو في نفسه يجوز عليه العدم فتوابعه أحرى وأحق بهذا الحكم وثبت للممكن ما ثبت للواجب بالذات من ذلك الوجه الجامع وما ثم شيء ثبت للممكن من حيث ما هو ثابت للواجب بالذات فوجود وجه جامع بين الممكن والواجب بالذات محال".
أقول: الشيخ يفسِّر امتناع علم الممكن بالواجب تعالى من حيث إنَّه لا وجه للجمع بينهما، فلو لم نجر كلامه على القول بوحدة الوجود فيقال: هل العلم في ذاته لشيء يقتضي جهة اشتراك بين العالِم والمعلوم؟! فعبارة الشيخ صريحة في هذا الحصر، وهو باطل.
- قال: "مسألة: أقول بالحكم الإرادي لكني لا أقول بالاختيار فإن الخطاب بالاختيار الوارد إنما ورد من حيث النظر إلى الممكن معرى عن علته وسببيته".
أقول: هذه مخالفة صريحة لمذهب أهل السُّنَّة، وأصل ما فارق به أهل السُّنَّة غيرهم من الفرق هو إثبات الله تعالى فاعلاً مختاراً، أمَّا الإرادة فقد أثبته الشيخ حكماً لا يلزم من الاختيار، كما أنَّ الفلاسفة والمعتزلة يطلقون أنَّ الله تعالى يريد كذا مع منعهم لكونه تعالى فاعلاً بالاختيار.
أمَّا تفسير قوله هذا فهو موجَّه على القول بوحدة الوجود كذلك -لا على مذهب أهل السُّنَّة-.
- قال: "مسألة: فأقول بما أعطاه الكشف الاعتصامي أن الله كان ولا شيء معه إلى هنا انتهى لفظه عليه السلام وما أتى بعد هذا فهو مدرج فيه وهو قولهم وهو الآن على ما عليه كان يريدون في الحكم فالآن وكان أمران عائدان علينا إذ بنا ظهرا وأمثالهما وقد انتفت المناسبة والمقول عليه كان الله ولا شيء معه إنما هو الألوهة لا الذات وكل حكم يثبت في باب العلم الإلهيّ للذات إنما هو للألوهية وهي أحكام نسب وإضافات وسلوب فالكثرة في النسب لا في العين".
أقول: هذا تفريق بين ذات الواجب تعالى والألوهيَّة بأنَّ الألوهيَّة حكم للذات، فيكون وصف الواجب بالأولهيَّة ليس أمراً لعين الذات، بل لها من حيث حكم لها. واللازم منه هو أنَّ اسم "الله" ليس المسمى فيه هو الذات الواجب. وهذا يُفسَّر بناء على القول بالوحدة بأنَّ الألوهيَّة هي مرتبة ثبوتيَّة دون مرتبة الأحديَّة. فمن أنكر أن تُوجَّه هذه العبارة على القول بالوحدة فليوجِّهّا لِنَرَ!
ومقصوده من قوله: "العلم الإلهيِّ" هوالفلسفة والكلام تبعاً، فكلُّ ما يثبت للواجب في الفسلفة والكلام يقول الشيخ إنَّه ليس ثبوته في الحقيقة للموجود الحقِّ الواجب تعالى، بل هو ثبوت له في مرتبة الألوهيَّة. أمَّا العلم بذات الحقِّ تعالى فممتنع عند الشيخ من باب العلم النَّظريِّ، بل لا يكون إلا بالعلم الكشفيِّ.
فهل عبارته هذه مما يصحُّ على مذهب أهل السُّنَّة والجماعة من أيِّ وجه؟؟؟!
- قال: "مسألة: من أردت الوصول إليه لم تصل إليه إلا به وبك بك من حيث طلبك وبه لأنه موضع قصدك فالألوهة تطلب ذلك والذات لا تطلبه.
أقول: هذا تفريق صريح ثانٍ بين الذات والألوهة.
- قال: "مألة: المتوجه على إيجاد كل ما سوى الله تعالى هو الألوهة بأحكامها ونسبها وإضافاتها وهي التي استدعت الآثار فإنّ قاهراً بلا مقهور وقادراً بلا مقدور صلاحية ووجوداً وقوة وفعلاً محال".
أقول: عبارته هذه صريحة في امتناع تحقُّق وصف الله تعالى بالقادريَّة من غير وجود مقدور! فيلزم من هذا أنَّه ما دام حكم الألوهيَّة فيجب وجود مقدور مقهور. لكن يكفي صريح كلامه!
ولست بحاجة إلى بيان توجيه ذلك على مذهب وحدة الوجود الآنَ لأنَّ المقصود هاهنا ليس هو ذلك.
ملحوظة: لا يبعد أن يكون ابن تيميَّة قد أفاد في قوله بقدم نوع المخلوقات من كلام الشيخ ابن عربي!
- قال: "مسألة: الألوهة تقضي أن يكون في العالم بلاء وعافية فليس إزالة المنتقم من الوجود بأولى من إزالة الغافر وذي العفو والمنعم ولو بقي من الأسماء ما لاحكم له لكان معطلاً والتعطيل في الألوهة محال فعدم أثر الأسماء محال".
أقول: هل تقتضي الألوهة ذلك عند أهل الحقِّ؟!
لا، فإنَّ الانتقام عند أهل الحقِّ صفة فعل راجعة إلى القدرة والإرادة كما هو معلوم، لكنَّها عند الشيخ صفة ذات يجب دوام تعلُّقها وإلا للزم التعطيل للإله –تعالى عن ذلك-!
فهنا أمران خالف فيهما أهل الحقِّ مصرِّحاً بذلك:
الأوَّل: أنَّه قد أثبت صفات الفعل صفات للذات.
الثاني: أنَّه أوجب دوام تعلُّق صفات التأثير هذه.
وهذا عودٌ على ما سبق من لزوم وجود المخلوقات أبداً.
- قال: " مسألة: لو صح الفعل من الممكن لصح أن يكون قادراً ولا فعل له فلا قدرة له فإثبات القدرة للممكن دعوى بلا برهان وكلامنا في هذا الفصل مع الأشاعرة المثبتين لها مع نفي الفعل عنها".
أقول: ما من أحد من أهل ا لسُّنَّة من ينفي القدرة عن العبد، فهذا تصريح من الشيخ بمخالفتهم.
ثمَّ إنَّ هاهنا منه مغالطة واضحة، وهي أنَّه قد خلط بين مفهوم القدرة الذي هو الاستطاعة مع القدرة التي تحدث مع الفعل التي تعلُّقها الكسب، ولا حاجة لتبيان عبارته أكثر، فالمقصود بمخالفته أهل الحقِّ حاصل.
- قال: "مسألة: كون الباري عالماً حياً قادراً إلى سائر الصفات نسب وإضافات له لا أعيان زائدة لما يؤدي إلى نعتها بالنقص إذ الكامل بالزائد ناقص بالذات عن كماله بالزائد وهو كامل لذاته فالزائد بالذات على الذات محال وبالنسب والإضافة ليس بمحال وأما قول القائل لا هي هو ولا هي أغيار له فكلام في غاية البعد فإنه قد دل صاحب هذا المذهب على إثبات الزائد وهو الغير بلا شك إلا أنه أنكر هذا الإطلاق لا غير ثم تحكم في الحد بأن قال الغيران هما اللذان يجوز مفارقة أحدهما الآخر مكاناً وزماناً ووجوداً وعدماً وليس هذا بحد للغيرين عند جميع العلماء به".
أقول: هنا تصريح بمخالفة السادة الأشاعرة واستبعاد قولهم وتخليط بين المغايرة في المفهوم والمغايرة في الوجود –أي المغايرة الحقيقيَّة-.
- قال: "مسألة: من وجب له الكمال الذاتي والغنى الذاتي لا يكون علة لشيء لأنه يؤدي كونه علة توقفه على المعلول والذات منزهة عن التوقف على شيء فكونها علة محال لكن الألوهة قد تقبل الإضافات فإن قيل إنما يطلق الإله على من هو كامل الذات غني الذات لا يريد الإضافة ولا النسب قلنا لا مشابهة [مشاحة؟] في اللفظ بخلاف العلة فإنها في أصل وضعها ومن معناها تستدعي معلولا فإن أريد بالعلة ما أراد هذا بالإله فسلم ولا يبقى نزاع في هذا اللفظ إلا من جهة الشرع هل يمنع أو يبيح أو يسكت".
أقول: هذا تفريق آخر بين ذات الحقِّ تعالى والألوهة.
- قال: "مسألة: الألوهة مرتبة للذات لا يستحقها إلا الله فطلبت مستحقها ما هو طلبها والمألوه يطلبها وهي تطلبه والذات غنية عن كل شيء".
أقول: هذا نصٌّ في أنَّ الألوهة مرتبة لذات الواجب تعالى، لا أنَّ الواجب تعالى هو الإله، بل هي مرتبة هو متجلٍّ فيها، فنحن عند قولنا: (يا الله) فنحن لا ندعو واجب الوجود تعالى، بل ندعو ما تجلَّى به من مجمع الأسماء والصفات! أي الذات الواحديَّة، وأنا هنا ألزمه بكلامه في غير عبارته هذه، والمقصود تبيان اتِّساق كلامه تماماً مع القول بالوحدة. وإلا فإنَّ هذا النَّصَّ منه لا يجري مُجرى قول أهل السُّنَّة والجمعة من أيِّ وجه، بل يمتنع توجيهه بغير وجه القول بالوحدة!
قال مكملاً: "فلو ظهر هذا السر الرابط لما ذكرنا لبطلت الألوهة ولم يبطل كمال الذات وظهر هنا بمعنى زال كما يقال ظهروا عن البلد أي ارتفعوا عنه وهو قول الإمام للألوهية سر لو ظهر لبطلت الألوهية".
أقول: هذا نصٌّ في التفريق كذلك، وفيه ما فيه.
- قال: "مسألة: الأزل نعت سلبي وهو نفي الأولية فإذا قلنا أول في حق الألوهة فليس إلا المرتبة".
أقول: تفريق آخر، إنَّما أعيد ما قد ظهر كثيراً لأنَّ البعض قد يتأوَّل ما سبق، ففي زيادة التصريح زيادة نفي لأن يكون مراده غير الظاهر
- قال: "مسألة: دلت الأشاعرة على حدوث كل ما سوى الله بحدوث المتحيزات وحدوث أعراضها وهذا لا يصح حتى يقيموا الدليل على حصر كل ما سوى الله تعالى فيما ذكروه ونحن نسلم حدوث ما ذكروا حدوثه".
أقول: جواب ما أورد في دليل الحدوث معروف، والمقصود هنا ذكر اعتراضه عليهم.
- قال: "مسألة: كل موجود قائم بنفسه غير متحيز وهو ممكن لا تجري مع وجوده الأزمنة ولا تطلبه الأمكنة".
أقول: ما ليس يجري عليه زمان فهو قديم، فهذا منه إثبات لوجود ممكن قديم.
ثمَّ يقال: دعواه ممنوعة، فإنَّ كلَّ ممكن فوجوده بغيره، وقد ثبت أن ليس شيءٌ ممكنٌ معلولاً لله تعالى، فكلُّ ممكن مجرَّد فهو بتأثير من الله تعالى، فهو حادث، فهو زمانيٌّ.
أمَّا إجراء دليل الحدوث فيقال إنَّ حدوث أعراض الأجسام معروف، أمَّا لو فرضنا مجرَّداً ما فإن كان هذا المجرَّد متغيِّراً فهو حادث لحدوث الأعراض، أمَّا أن نفرضه غير متغيِّر ففرضه لا ينقض دليل الحدوث، فإمَّا أن يكون هو مرجع الحوادث فيكون هو الإله تعالى، أو لا فيُستدلُّ على إمكانه وحدوثه بدليل الوحدانيَّة، من امتناع تعدُّد الواجب، فيجب إمكان كلِّ غير الواجب، وكلُّ ممكن فهو زمانيٌّ من حيث تجدُّد الإمداد [أي تعلُّق القدرة] من الواجب تعالى، فيلزم حدث كلِّ غير الواجب تعالى.
أمَّا على القول بالوحدة فإنَّ بعض مظاهر الوجود الحقِّ يمكن قدمه، إذ ليس هو متعلَّقاً لقدرة الوجود الحقِّ، فلهذا يصحُّ عند الشيخ ابن عربي قدم غير الله تعالى.
- قال: "مسألة: دلالة الأشعري في الممكن الأول أنه يجوز تقدمه على زمان وجوده وتأخره عنه والزمان عنده في هذه المسألة مقدر لا موجود، فالاختصاص دليل على المخصص. فهذه دلالة فاسدة لعدم الزمان فبطل أن يكون هذا دليلاً".
أقول: منعٌ مبناه على القول بقدم هذا الممكن، فهل من أبين من هذا؟! ثمَّ إنَّ هذا الدَّليل للسادة الأشاعرة رضي الله عنهم إنَّما هو بعد إثبات حدوث الكلِّ إلا هو تعالى.
وقد يكون مقصود الشَّيخ أنَّه لمَّا كان الزمان عند السادة الأشاعرة مقدَّراً اعتباريّاً غيرَ وجوديٍّ فإنَّ الزمان في نفسه أمر عدميٌّ، فلا يكون هناك ترجيح أصلاً، فإنَّ الزمان تابع للحدوث، ولا يكون ظرفاً له.
فيجاب بأنَّه منع باطل، وتوجيه هذا الدَّليل بأنَّ بعدَ الحادث الأوَّل عن حادث معيَّن يمكن أن يكون أكبر أو أصغر، فلو قلنا إنَّ الحادث الأوَّل هو القلم، والحادث المعيَّن هو يوم القيامة فإنَّ عدد الآنات الزمانيَّة التي يمكن فرضها بينهما يمكن أن تكون أكبر ممّا هي عليه ويمكن أن تكون أصغر، أي أن يكون بين خلق القلم ويوم القيامة ألف سنة فقط أو 1*10^100000000000000000000000000000000000000000000 سنة، -على فرض أنَّ هذه المدَّة أبعد من بدء خلق العالم-.
إذن: حدوث الحوادث بأزمانها [الراجعة إلى تراتب الحوادث وتباعدها] أمر مرجَّح، وهذا الاختصاص لا يكون إلا من مخصِّص، فثبت المطلوب، وصحَّت الدلالة.
ثمَّ أكمل فقال: "فلو قال نسبة الممكنات إلى الوجود أو نسبة الوجود إلى الممكنات نسبة واحدة من حيث ما هي نسبة لا من حيث ما هو ممكن فاختصاص بعض الممكنات بالوجود دون غيره من الممكنات دليل على أن لها مخصصاً فهذا هو عين حدوث كل ما سوى الله".
أقول: هذا منه تسمية للممكن بأنَّه حادث، وليس كذلك، وهذا دليل الإمكان لا دليل الحدوث على كا هو معلوم.
وكذلك هو منه قول بأنَّ الماهيَّات غير مجعولة، وهو متناسق مع القول بالأعيان الثابتة في مذهب وحدة الوجود.
- قال: "مسألة: عجبت من طائفتين كبيرتين الأشاعرة والمجسمة في غلطهم في اللفظ المشترك كيف جعلوه للتشبيه ولا يكون التشبيه إلا بلفظة أمثل أو كاف الصفة بين الأمرين في اللسان وهذا عزيز الوجود في كل ما جعلاه تشبيهاً من آية أو خبر".
أقول: هذا اعتراض على السادة الأشاعرة لا يرد! وظهور ضعفه يُغني عن الرَّدِّ عليه!
ثمَّ أكمل قائلاً: "ثم إن الأشاعرة تخيلت أنها لما تأولت قد خرجت من التشبيه وهي ما فارقته إلا أنها انتقلت من التشبيه بالأجسام إلى التشبيه بالمعاني المحدثة المفارقة للنعوت القديمة في الحقيقة والحدِّ، فما انتقلوا من التشبيه بالمحدثات أصلاً ".
أقول: هل يكون فاهماً لقول السادة الأشاعرة مَنْ يُلزِمهم بهذا فضلاً عن أن يكون أشعريّاً؟!
أمَّا وفق وحدة الوجود فليس يمتنع عند القائل بها القول بتشبيه الإله -تعالى عن ذلك- بخلقه، فمرتبة الألوهيَّة دون مرتبة الأحديَّة التي هي الوجود الحقُّ، فالتشبيه ممكن فيما دون مرتبة الوجود الحقِّ عنده.
ثمَّ قال: "ولو قلنا بقولهم لم نعدل مثلاً من الاستواء الذي هو الاستقرار إلى الاستواء الذي هو الاستيلاء كما عدلوا ولا سيما والعرش مذكور في نسبة هذا الاستواء ويبطل معنى الاستيلاء مع ذكر السرير ويستحيل صرفه إلى معنى آخر ينافي الاستقرار فكنت أقول إن التشبيه مثلاً إنما وقع بالاستواء والاستواء معنى لا بالمستوي الذي هو الجسم والاستواء حقيقة معقولة معنوية تنسب إلى كل ذات بحسب ما تعطيه حقيقة تلك الذات ولا حاجة لنا إلى التكلف في صرف الاستواء عن ظاهره فهذا غلط بين لا خفاء به".
أقول: هذا منه تخليط، فإنَّ حاصل مراده من قوله: "والاستواء حقيقة معقولة معنوية تنسب إلى كل ذات بحسب ما تعطيه حقيقة تلك الذات" هو اشتراك لفظ الاستواء لفظاً، فيكون مدلوله بحقِّ الحقِّ تعالى غيرَ مدلوله بحقِّ الخلق، فالتخليط هو في قوله إنَّ هذا الذي يقول هو هو ظاهر مدلول اللَّفظ!
- قال: "مسألة: كما أنه تعالى لم يأمر بالفحشاء كذلك لا يريدها لكن قضاها وقدرها".
أقول: مخالفة ظاهرة، وقول أهل الحقِّ بيِّن في أنَّ الله تعالى يريد فعل العبد فعلاً منه، ولا يريده فعلاً العبد فاحشة منه.
ثمَّ أكمل فقال: "بيان كونه لا يريدها لأن كونها فاحشة ليس عينها بل هو حكم الله فيها وحكم الله في الأشياء غير مخلوق وما لم يجر عليه الخلق لا يكون مراداً".
أقول: في غاية الضَّعف!!! فوق كونه في غاية مخالفة قول أهل الحقِّ!
فأهل الحقِّ يقولون ما قال الله تعالى: "إنَّ الله يحكم ما يريد". نعم، الأمر هو متعلَّق صفة الكلام، لكنَّه دالٌّ على ما أراد الله تعالى من كون شيء حسناً أو قبيحاً أو مأموراً به أو منهياً عنه، بما يلزم منه استعقاب الثواب أو العقاب.
- قال: "مسألة: لا يستحيل في العقل وجود قديم ليس باله فإن لم يكن فمن طريق السمع لا غير".
أقول: كفى بهذه المسألة تصريحاً بمخالفة قول أهل الحقِّ!
يتبع...