فنحن معاشر أهل السنة ندعي وجود موجود لا هو داخل العالم ولا هو خارجه، فهل يمكننا أن نقول : وهذا العالم الذي أوجده هذا الخالق لا هو داخل الذات الإلهية ولا هو خارجها؟
إن الحديث عن الدخول والخروج لا يطرأ إلا على بال المشبهة كما لا يخفى، فذات الباري عز وجل منزهة عنه أصلا، فهي ذات لا كالذوات، وهذه العبارة قريبة من قول من يقول بوحدة الوجود النافية لمعنى التكثر، وعندي إشكال:
حوارنا مع المجسمة يدور على إثبات ذات لا كالذوات، ولكننا نتطرق للحديث عن نفي الدخول والخروج، وعندما نناقش القائلين بالوحدة في الوجود نكاد نطالبهم بالخروج فقط، والأصل نفي الدخول والخروج معا، فكأننا نقول لهم: يجب أن تثبتوا وجود العالم خارج الذات، لا داخلها! وأرى في هذا إشكالا كبيرا، لعدم وجود توازن في برهان الدعوى التي نحدها على المجسمة ونقسمها شطرين مع أهل الوحدة.
محققو القائلين بالوحدة لا يثبتون العالم داخل الذات كما لا يخفى؛ لنفي التكثر عندهم، ونحن نلزمهم به، ونبين لهم أن نفيهم للحلول والاتحاد لا ينفعهم، بل هو لازم وإن لم يقولوا به، ولكننا عندما نطالبهم بإثبات العالم خارج الذات فهل هذا كاف؟
أكاد أجزم أن وحدة الوجود أمر ما زال غامضا، وأن القائلين به المعتقدين له كمذهب إسلامي على ضربين:
ضرب اعتمد الرمز والإشارة ، وقرر عجز اللسان عن حقيقة التعبير عن هذا المذهب، وهم أغلب القائلين بهذا المذهب قديما.
وضرب رأى إمكانية هذا التعبير، ولكن ما من منصف إلا ويرى لهذا الضرب منهم كلاما متناقضا، فهو بلا مرية يحمل بعضه على بعض، من كان لا يرى رأيهم حمل ما وافق الأشعرية على الوحدة، ومن كان مائلا إليهم حمل كلام الوحدة على الطريقة الأشعرية، والترجيح من الفريقين ظني.