النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: العلامة ابن خلدون و دوره في تربية الطفل المسلم ...

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Aug 2011
    المشاركات
    53

    العلامة ابن خلدون و دوره في تربية الطفل المسلم ...

    بقلم : محمود المحرزي الحسيني


    ( توطئة )




    بسم الله الرحمن الرحيم

    تعيش امتنا العربية و الاسلامية_في وضعها الراهن_ حالة من حالات الصراع الداخلي..خصوصا علي مستوى الفكر; ويعد هذا الصراع _الكائن_ بمثابة المحصلة المنطقية لكل ما لازمنا من تبعات الاستعمار الغربي، هذا الاستعمار الذى ابي ان يغادر هذه البلاد_في صورته العسكرية_دون ان يبذر في تربتها الحضارية(بذور فلسفاته المتناقضة)..تلك الفلسفات التي قام بالتوفر عليها والتفاني في رعايتها رجالاته من :المبشرين، و المستشرقين، و من دان لهم بالولاء..من اصحاب الفلسفات الانهزامية...
    هذا..ويمكن ان نحدد _بصفة عامة_ اشكالات تلك الفلسفات من خلال محتواها ، والذى يحمل بين طياته جمل الخصائص الحضارية لهذا الغرب ، وما تشمله من مضامين _نراها_ تغاير من كل وجه: مضامين حضارتنا العربية الاسلامية التليدة...و يمكن ان نستبين ذلك بوضوح من خلال الدلالات الثقافية لهذا الغرب ، ومدى التباين بينها و بين الثقافة الاسلامية من حيث النظرة الي: الالوهية ، و الكون ، و الانسان..........، و ايضا بما تحمله تلك الثقافة_الوافدة_ من مذاهب اجتماعية و اقتصادية تختلف من حيث : اسسها ، و ركائزها ، و منطلقاتها ،ونظرتها الي الاخلاق و القيم عن ثقافتنا الاصيلة... كما يمكننا التعريف ب(مادة) هذا الصراع _الدائر_ عن طريق تحديد طرفي النزاع : فالوافد الغربي بما يحمله من سياسات الهيمنة ، و فلسفة الاحتواء من جهة!!! و من جهة اخرى :الشرقي الموروث بما يحمله من ثقافة لها اصالتها الذاتية ، و قسماتها الحضارية التي تميزت بها عبر القرون...
    و بحثنا هذا ( ابن خلدون و اسهاماته في تربية الطفل المسلم )..لا يعد مجرد ( ردة فعل ) لتخرصات الغربيين ، او من سار في ركابهم !! كما و انه من الجهة الاخرى لا يسير في نغمة التغني بامجاد السابقين ..و النحيب علي اطلالهم_ و ننوه في الوقت ذاته الي ان دراسة منجزات اعلامنا التربوية ب (دقة ) و ب ( موضوعية ) ، لتزيد من تقديرنا لهم ، و الاعتراف لذويهم._انما يستهدف بحثنا هذا : ابراز خصائص التجديد التربوى بالنسبة للطفل ، و ذلك من خلال استعراض النتاج الفكرى لعلم من اعلام المسلمين ، عاش في القرن الثامن الهجرى !!!! و شهد له المتخصصون _ في الغرب نفسه _ بانه امام و مجدد في بحوث التربية و التعليم ...و سيستبين لنا _بمشيئة الله _ بعد ابراز اسهامات ابن خلدون في تربية الطفل : مدى اهمية دراسة (تراث اعلامنا الفكرى ) _ خصوصا _ ممن عرفو بنزعتهم التجديدية ، تلك الخصيصة التي تميز بها هذا الدين و فارق بها غيره !!!! و التي امتثلت حقيقة في مصادر تشريعاته ، مما جعلها تتصف بالمرونة ، و الصلاحية لكل زمان و مكان....
    و سنمهد في هذا القسم بالتعريف بابن خلدون .. سيرة...و مسيرة...


    .................................................. .................................................. .................................................. ..............................................


    تمهيد*
    ـ التعريف بابن خلدون :


    هو العلامة : ولي الدين عبد الرحمن بن محمد بن ابي بكر ، الشهير بابن خلدون ، و هو جده التاسع ، و مؤسس هذه الاسرة الكبيرة..و ابن خلدون هو احد نجوم اضاءت حلك الليل البهيم ابان ضعف المسلمين ، و تقهقرهم الثقافي و الفكرى ...و احد المنن التي امتن الله _تعالي _بها علي المسلمين في قرنه و وقته .....



    ـ نشاته :

    ولد في تونس ( 732هجريا_1332ميلادية ) ، و نشا في عائلة لهل ميول سياسية ، و مركز اجتماعي و علمي مرموق داخل المجتمع المغربي..حتي كان منهم الوزراء و اصحاب المهمات الخطيرة...و قد دارت بهم صروف الزمان بين علو تارة و هبوط تارة اخرى!!! اما عن والده : فقد ناى بنفسه عن السياسة ، و اشتغل بالعلم الشرعي و اللغة ، و يصفه _ابن خلدون _في كتابه التعريف ( و هو سيرة ذاتية له ) بانه (...نزع عن طريقة السيف و الخدمة الي طريقة العلم و الرباط....) ، و يظهر ان ما كان لهذه الاسرة من مكانة : كان له ابلغ الاثر علي التكوين الفكرى _ المتين _ الذى امتاز به.....
    ـ ثقافته و تعليمه :
    اسرة بهذا المجد و الشرف قد مهدت لابن خلدون سبيل الثقافة الواسعة ، فحفظ القران الكريم في صغره ، و تعلم فنون القراءات و اجادها ، كما عني بدراسة العلوم الشرعية من تفسير و حديث و فقه و اصول.....، و بجانب ذلك فقد الم بعلوم الالات من نحو و صرف و معاني.....، هذا ولم يترك العلوم العقلية!! بل الم بالكثير في الرياضيات و الطبيعة و المنطق و الفلسفة.......، و يظهر لنل من خلال سيرته : ان اهم عوامل تكوين ثقافته هو انه استطاع ان يتتلمذ بطريق _ مباشر او غير مباشر _علي اعيان المغرب ، و فطاحل الاندلس _ خصوصا _اللذين هاجروا الي ( تونس ) عندما تضعضعت الدولة الاسلامية في اسبانيا !!!! هذا..وقد اظهر ابن خلدون من جودة الفهم ، و حسن التلقي ، و البراعة في التحصيل : ما جعل اساتذته يعجبون به كل الاعجاب..و يرضون عنه غاية الرضا..
    ـ حياته العلمية :
    ..حفلت حياة ابن خلدون بالتغيرات الكثيرة ، و لم يستقر به الحال !! خصوصا لاشتغاله اول امره بالسياسة.. فحبس مرات!! و ناله الاذى غير مرة..و قد تقلب في وظائف كثيرة : فمن كاتب للعلامة ( و هو عمل بسيط ) الي مبعوث (سفير ) لابن الاحمر ( صاحب الاندلس ) ، الي ان توجه الي المشرق _مصر _ فتولي القضاء بالجامع الازهر..وهو في كل ذلك متنقلا في البلاد..فكون الصداقات ، و اشترك في مؤامرات !! و كان هذا مبعث الخصومات و مصدر المنافسات...وان لم تخل حياته _ احيانا _ من اسباب الرضا........



    _شخصيته :

    ينقل ( المقرى ) في نفح الطيب..وصفا يعطينا ملامح قريبة لشخصية ابن خلدون ، و هذا علي لسان اخلص اصدقائه و هو ( ابن الخطيب ) ..يقول (..وهو رجل فاضل ، حسن الخلق ، جم الفضائل ،باهر الخصل..ظاهر الحياء ، اصيل المجد ، وقور المجلس ، خاص الزى ، عالي الهمة ، عزوف عن الضيم ، صعب المقادة ....، طامع لفتن الرياسة....،متقدم في فنون عقلية و نقلية..سديد البحث ، كثير الحفظ ، جواد ، حسن العشرة....)


    _ ملخص ما سبق :


    ظهر لنا فيما سبق ان اسفار ابن خلدون الكثيرة ، و تقلبه في الوظائف المتعددة من كتابة ، وسفارة ، و تدريس ، و وزارة ، و قضاء ،مع قراءاته التحليلية لظروف عصره الاجتماعية و الثقافية و السياسية و التعليمية.....، و نضيف الي ذلك ذكاءه المتقد..و عقليته المتاملة..و القادرة علي تدوين خبرات فريدة في بابها ...هو ما حدا بالكثير من الباحثين بان يصفوه ( اماما في الدراسات التاريخية ، و الاجتماعية ، و الاقتصادية ، و السياسية ، و التربوية....
    *
    هذا التمهيد : ملخص _ بتصرف كبير _ من المراجع الاتية :
    1_د. علي عبد الواحد وافي : عبد الرحمن بن خلدون ، مكتبة مصر ، سلسلة اعلام العرب ، 1962
    2_ د. محمد المعتصم مجذوب : شخصيات تربوية ، مطبعة التمدن ، الخرطوم ، 1963
    3_ مقدمة (ابن خلدون ) ، تصدير المحقق ، ط1 ، دار الفجر للتراث ، مصر ، 2004


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Aug 2011
    المشاركات
    53
    .................................................. ..................... << تمهيد >> .................................................. .....

    .. من المعروف ان مرحلة الطفولة هي اهم مراحل حياة الانسان ففيها يتشكل الضمير .. و هي اخصب الترب لغرس العقايد و قيم الحضارات علي اختلاف الديانات و المذاهب ..

    فلا غرو ان نجد جملة الديانات السماوية قد اهتمت ايما اهتمام برعاية الطفولة ؛

    و الدين الاسلامي ـ ووفقا للعديد من الابحاث المتخصصة ـ هو الرائد في هذا الباب و من هنا فقد اهتم المخلصون من ابناءه الي اعداد العدة منذ اكثر من ثمانين عاما الي ابراز

    تلك الخصيصة و اخراجها من ركام المخطوطات و طرحها حقيقة ماثلة في عالم الناس ( التربية الاسلامية ) و التي اسسها سيد المربين و المرسلين عليه الصلاة و السلام ..

    و الاسلام يقدم مادته التربوية من خلال مصادره الاساسية :

    القران الكريم و السنة النبوية و اجتهادات الراشدين و ائمته المعتبرين ، و تمثل تلك المصادر المرجع الاساس لكل التشريعات و البرامج الخاصة برعاية الطفولة من المنظور الاسلامي ؛

    و كذلك تمثل ( منطقة الثبات ) و التي يتم في ضوئها تقييم الجهود و الاسهامات التربوية لاعلام المسلمين علي تعاقب القرون ....و ( ابن خلدون ) هو احد من اهتموا و اسهموا ـ بنصيب وافر ـ

    في الحقل التربوي ، و قدموا ارائهم و توصياتهم تحت مظلة هذه المرجعية .....

    المبحث الاول :

    << ابن خلدون و طرق التدريس >د

    استطاع ابن خلدون التوصل الي حقايق تربوية عظيمة تتصل باسس التعليم العامة .. و هنا نستعرض ـ بايجاز شديد ـ ما سطره العلامة في ابراز اهمية ( طرق التدريس )
    في العملية التعليمية :
    و اول ما يظهر ذلك في فصله الذي عقده بعنوان << في وجه الصواب في تعليم العلوم و طرق افادته >>

    ـ يؤكد ابن خلدون علي ارساء مبدا **التدرج ** و هو من المبادئ المتفق عليها بين اعلام الفكر الانساني عامة ، و التربوي خاصة ؛
    و يفسر ابن خلدون هذا التدرج : ان يكزن من السهل الي الصعب ، و من الاجمال الي التفصيل مع مراعاة الاعتبارين التاليين :

    1 ـ مراعاة مقدرة المتعلم العقلية ( و هو هنا يرسي لمبدا الفروق الفردية ).

    2 ـ مدي استعداد المتعلم ما يراد دراسته خاصة ( و هو هنا يرسي لمبدا الميول و الاتجاهات )

    يقول ابن خلدون في ذلك :
    اعلم ان تلقين العلوم للمبتدئين انما يكون مفيدا اذا كان علي التدرج ، شيئا فشيئا ، و قليلا فقليلا ،
    يلقي عليه اولا المسائل نم كل باب من الفن ** هي اصول ذلك الباب ** و يرب له في شرحها علي سبيل الاجمال و يراعي في ذلك قوة عقله و استعداده لفبول ما يرد عليه .....

    ـ يؤكد ـ ابن خلدون ـ علي اهمية ( مبدا التكرار ) في عمليت التعلم ، و الذي ياتي في سياق مبدا التدرج .

    ـ يري ـ ابن خلدون ـ ان ضرب الامثلة الحسية و سيلة ناجحة للفهم ، و مما يقوله في ذلك :
    ( .. ويكون المتعلم اول الامر عاجزا عن الفهم بالجملة الا في الاقل ، و علي سبيل التقريب و الاجمال ، و الامثال الحسية .. ثم لا يزال الاستعداد فيه يتدرج قليلا قليلا بمخالفة مسائل ذلك الفن و تكرارها عليه .

    ـ << نقد ابن خلدون لعلماء عصره >>
    ينعي ـ ابن خلدون ـ بشدة ، علي علماء عصره لاهمالهم ضرورة التدرج و التكرار فيقول :
    ( .. و قد شاهدنا كثير من المتعلمين لهذا العهد الذي ادركنا يجهلون طرق التعليم ، و افادته ، و يحضرون للمتعلم في اول تعليمه المسائل المقفلة من العلم ،
    و يطالبونه باحضار ذهنه في حلها !! و يحسبون ذلك مرانا علي التعليم !! .. و يكلفونه وعي ذلك و تحصيله ، و يخلطون عليه بما يلقون له من غايات الفنون في مبادئها ، و قبل لن يستعد لحملها ...)

    كما يري ابن خلدون ان مطالبة الطفل بفهم المسائل الغامضة العسيرة و التي تفوق ادراكه قد تكون سببا هاما في قتل ملكات الطفل في مهدها لما يعتورها من احباط عام .

    ـ و مما يؤكد عليه ابن خلدون في توجيه العملية التعليمية :
    1 ـ الاهتمام بالكيف لا الكم ، و ذلك بالنسبة لالقاء المادة التعليمية علي الناشئة :
    يقول في ذلك ( .. و لا ينبغي للمعلم ان يزيد متعلمه علي فهم كتابه الذي ركب علي التعليم منه ، بحسب طاقته ، و علي نسبة قبوله للتعليم مبتدا كان او منتهيا ..)

    2 ـ تحديد المادة التعليمية و عدم الخلط :
    يقول في ذلك ( .. و لا يخلط مسائل الكتاب بغيرها ، حتي يعيه من اوله الي اخره ، و يحصل اغراضه ، يستولي منه علي ملكة بها ينفذ بها غيره ،
    لان المتعلم اذا حصل ملكة ما في علم من العلوم ، استعد بها لقبول ما بقي ، و حصل له نشاط في طلب المزيد ، و النهوض الي ما فوق حتي يستولي
    علي غايات العلوم )

    3 ـ التاكيد علي اضرار الخلط في التعليم :
    و يقول في ذلك : ( .. و اذا خلط عليه الامر عجز عن الفهم ، و ادركه الكلل ، و انطمس فكره ، و ياس من التحصيل ، و هجر العلم و التعليم ..)

    انتهي المبحث الاول ..
    ( يتبع )

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2013
    المشاركات
    70
    مجهود تشكر عليه، أخي الكريم، إذ بينتم لنا، في مبحثكم الأول، رأي ابن خلدون في ما يخص التربية و التعليم. و قد جاء في بحثكم هذا أن (ابن خلدون) قد قرر بعض المسائل الضرورية (كالتدرج في طرح المادة العلمية) و كل ذلك، أخي الكريم، مراعاة لما عليه نفس الطفل، و خوف من دفعه إلى هجر العلم و التعليم.
    -------
    أستسمحكم أخي في طرح سؤال، من خلال قراءاتكم لإبن خلدون و عنه، هل لديه دراسات نفسية أو شيء قريب من ذلك، للطفل، عليها يبني تلك الأراء التي ذكرتموها في مبحثكم الأول؟

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Aug 2011
    المشاركات
    53
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة يوسف ابن ميمون المداني مشاهدة المشاركة
    مجهود تشكر عليه، أخي الكريم، إذ بينتم لنا، في مبحثكم الأول، رأي ابن خلدون في ما يخص التربية و التعليم. و قد جاء في بحثكم هذا أن (ابن خلدون) قد قرر بعض المسائل الضرورية (كالتدرج في طرح المادة العلمية) و كل ذلك، أخي الكريم، مراعاة لما عليه نفس الطفل، و خوف من دفعه إلى هجر العلم و التعليم.
    -------
    أستسمحكم أخي في طرح سؤال، من خلال قراءاتكم لإبن خلدون و عنه، هل لديه دراسات نفسية أو شيء قريب من ذلك، للطفل، عليها يبني تلك الأراء التي ذكرتموها في مبحثكم الأول؟
    نشكر لكم المرور الكريم ايها الفاضل :
    نعم ؛ المتتبع لاثار مؤسس علم الاجتماع المدني ( العمراني ) من خلال تصانيفه و ابرزها المقدمة و التاريخ ـ و هو مصنف عظيم الحجم و الفائدة ـ يظهر له اهتمامات ابن خلدون بمسالة سيكولوجية الطفل
    و توجيهاته في هذا الباب و هو ما نشير له في المبحث التالي بشكل موجز و اصل هذا البحث كبير تقدمنا به بشكل اكاديمي منذ عدة سنوات ؛
    و نال استحسان بعض الافاضل من اهل الفن ( التربية الاسلامية )
    و نعدكم بمراجعة ما سطره ابن خلدون في هذا الباب وفق ترتيب خاص لانه ( اي ابن خلدون ) لم يعن بطريقة التسلسل في عرض الفكرة كما هي الان في الدراسات البحثية علي اختلاف مناهجها .
    كما تحسن الاشارة هنا الي ان ابن خلدون لم يعن الطفل بشكل خاص ؛ انما اراد المجتمع العمراني الكامل فاتي باجزاء الصورة البشرية المكونة لهذا المجتمع ؛
    فكان الطفل المسلم هو اهم لبنات البناء و من ثم فقد عقد تلك الفصول ..
    و بالجملة فان هذا البحث قد يتسم بالصعوبة و هو ما حدا بنا الي الاقتصار علي المقدمة كمرجع رئيس له هذا من جهة ..
    و من جهة اخري فان موافاة كل ما جاء في الباب من مصادر عديدة لم تشر ايا منها الي اهتمامه بسيكولوجية الطفل ـ الا ما كان من نتفا هنا و هناك ـ
    هو ما زاد من صعوبة البحث و شحذ همة الباحث الي اقصي الحدود ..


  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Aug 2011
    المشاركات
    53
    المبحث الثاني :
    << ابن خلدون و نظرية الرفق بالصغار >>


    .. قد يدخل هذا المبحث في سابقه ؛ طرق التدريس ، بيد اننا نوليه اهتماما خاصا وذلك لما يحمله من مضامين لها دلالات سلوكية هامة في العملية التعليمية ،
    و كذا ما نلمسه من خطورة مبدا الرفق و اهميته في تربية الاطفال ، ذلك ان مصادرة هذا المبدا تعني بشكل لازم ارساء نقيضه !!
    و هو ما يعني : العنف و التعسف و القهر و مصادرة الحريات ؛ و هي علي التحقيق جملة الاثافي و التي نعاني منها في مجتمعاتنا المعاصرة ..
    و يمكن لنا ان نجمعها تحت عنوان ( السلطوية ) يقول احد الباحثين :
    ( .. و تعد السلطوية من اهم الامراض التي يعانيها الجسم التربوي العربي المثخن بالجراح ؛ لان معظم المشكلات و التحديات و الازمات التربوية العربية
    ليست الا من اعراض ذلك المرض ، او من نتائجه ...)
    و لهذا كله وجدنا ابن خلدون قد اولي هذه المشكلة عناية خاصة ، و عقد لها فصلا كاملا في مقدمته بعنوان :
    << فصل في ان الشدة علي المتعلمين مضرة بهم >>
    ابان فيه عن ضرورة الاهتمام بسيكولوجية المتعلم ، و ذلك عن طريق ارساء جملة من القواعد الهامة في هذا الصدد ، منها :

    1 ـ التوجيه بالصبر الحكمة هو المسلك المتعين في معاملتهم و تاديبهم علي الوجه المطلوب .

    2 ـ وجوب الرفق و الاناة ، و النهي عن الشدة ، و سلوك التسلط و العنف ـ كما ينوه ـ الي الاثار السلبية فيقول :

    (( .. و من كان مرباه بالعسف و القهر من المتعلمين .. سطا به القهر و ضيق علي النفس في انبساطها و ذهب بنشاطها ، و دعاه الي الكسل ، و حمله علي الكذب ،
    و الحنث .. و فسدت معاني الانسانية التي له من حيث الاجتماع التمدن ...
    )
    فابن خلدون هنا : يؤسس لمبدا تربوي عظيم و هو < احترام ذاتية الطفل > و امكان الاستفادة به في التربية الخلقية ، فيعرف الفرد حقوقه و يحرص
    عليها من غير عدوان ، او ظلم ، و يؤدي واجباته بامانة و اخلاص من غير رهبة او خوف ، كما يراعي علاقته بالاخرين مترفعا عن الخضوع و الضراعة و ايضا عن العنجهية و الغظرسة ...

    ( ابن خلدون و فلسفة العقوبة ..)

    ينوه ابن خلدون الي ان ما ذهب اليه في ( مبدا الرفق لا يعني الغاء العوبة تماما .. انما نجده يتفق مع المثل القائل :
    ان العقاب البدني هو البديل الاخر عند الاياس من جملة الطرق الاخري للردع و التهذيب فيقول :
    (( .. و قد قال محمد بن ابي زيد في كتابه الذي الفه في حكم المعلمين و المتعلمين : لا ينبغي لمؤدب الصبيان ان يزيد في ضربهم اذا احتاجوا اليه !!
    عل ثلاث اسواط شيئا ... و من كلام عمر رضي الله عنه : ( من لم يؤدبه الشرع لا ادبه الله )

    فابن خلدون باقراره لكلام ابن ابي زيد القيرواني لا يري باسا من العقوبة ـ غير العنيفة ـ اما العقاب البدني القاسي فياباه و لا يقول به ؛
    و تاكيدا لوجهته ـ التي تبناها ـ ينقل وصية الرشيد الشهيرة لمؤدب ولده ( الاحمر ) كاملة و جاء في نهايتها :
    ( .. و قومه ما استطعت بالقرب و الملاينة ، فان اباهما عليك : فعليك بالشدة و الغلظة ...)

    < و قفة >
    بيد ان لنا وقفة مع ابن خلدون و ذلك فيما يختص بالعقوبة البدنية بعد ان تستنفذ كل سبل النصح و التوجيه و ذلك من خلال اعتبارين اثنين :

    الاول : ان لا يتعجل المعلم بالعقوبة الا بعد ( تكرار ) تلك السبل التوجيهية من الترغيب في الخير و التنفير من الشرور ، و امتثال مكارم الاخلاق متحليا بفضيلة ( الصبر )
    و قد قال النبي عليه الصلاة و السلام ( الصبر ضياء ) و قال الامام علي عليه سلام الله و رضوانه ( الصبر مطية لا تكبوا ، و ضياء لا يخبوا ، و سيف لا ينبوا )
    فيضع نصب عينيه قدوة الاحياء عليه الصلاة و السلام في حلمه و صبره .

    الثاني : اختلاف الميول و الاتجاهات لدي المتعلمين ، و اختلاف ردود لفعالهم تجاه العقوبة ، و هو ما يقتضي ان يكون لدي المعلم ( دربة خاصة )
    في فهم سيكولوجية المتعلمين ؛ فمن بينهم من هو مفرط الحساسية امام العقاب ، مما يكون له اثر سلبي جدا و هو واقع مشاهد في كثير من مدارسنا اليوم ،
    و منهم ايضا من يتسم بالبلادة الذهنية و قلة الاكتراث فيكون الرادع ـ بشرطه ـ مقوما له و سبيلا الي فلاحه .

    ( يتبع )


  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jul 2003
    المشاركات
    2,444
    بارك الله فيك، هذا موضوع لطيف مفيد...ننتظر تكملته
    وليس لنا إلى غير الله تعالى حاجة ولا مذهب

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Aug 2011
    المشاركات
    53
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سعيد فودة مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيك، هذا موضوع لطيف مفيد...ننتظر تكملته
    و فيكم بارك ايها المفضال ( رازي العصر ) و اقامكم علي المحاجة و اثابكم فضلا و فضلا ..

    و نشكر لكم مروركم العطر الباهي و تلك دلالة هامة علي دربة التعليم التي تتميزون بها من شحذ الهمم و لو بالاشارة ..

    عاملكم الله تعالي بلطفه ..
    و جعلنا من الشاهدين علي جهادكم هناك .. يوم التناد .. اللهم امين .

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •