بقلم : محمود المحرزي الحسيني
( توطئة )
بسم الله الرحمن الرحيم
تعيش امتنا العربية و الاسلامية_في وضعها الراهن_ حالة من حالات الصراع الداخلي..خصوصا علي مستوى الفكر; ويعد هذا الصراع _الكائن_ بمثابة المحصلة المنطقية لكل ما لازمنا من تبعات الاستعمار الغربي، هذا الاستعمار الذى ابي ان يغادر هذه البلاد_في صورته العسكرية_دون ان يبذر في تربتها الحضارية(بذور فلسفاته المتناقضة)..تلك الفلسفات التي قام بالتوفر عليها والتفاني في رعايتها رجالاته من :المبشرين، و المستشرقين، و من دان لهم بالولاء..من اصحاب الفلسفات الانهزامية...
هذا..ويمكن ان نحدد _بصفة عامة_ اشكالات تلك الفلسفات من خلال محتواها ، والذى يحمل بين طياته جمل الخصائص الحضارية لهذا الغرب ، وما تشمله من مضامين _نراها_ تغاير من كل وجه: مضامين حضارتنا العربية الاسلامية التليدة...و يمكن ان نستبين ذلك بوضوح من خلال الدلالات الثقافية لهذا الغرب ، ومدى التباين بينها و بين الثقافة الاسلامية من حيث النظرة الي: الالوهية ، و الكون ، و الانسان..........، و ايضا بما تحمله تلك الثقافة_الوافدة_ من مذاهب اجتماعية و اقتصادية تختلف من حيث : اسسها ، و ركائزها ، و منطلقاتها ،ونظرتها الي الاخلاق و القيم عن ثقافتنا الاصيلة... كما يمكننا التعريف ب(مادة) هذا الصراع _الدائر_ عن طريق تحديد طرفي النزاع : فالوافد الغربي بما يحمله من سياسات الهيمنة ، و فلسفة الاحتواء من جهة!!! و من جهة اخرى :الشرقي الموروث بما يحمله من ثقافة لها اصالتها الذاتية ، و قسماتها الحضارية التي تميزت بها عبر القرون...
و بحثنا هذا ( ابن خلدون و اسهاماته في تربية الطفل المسلم )..لا يعد مجرد ( ردة فعل ) لتخرصات الغربيين ، او من سار في ركابهم !! كما و انه من الجهة الاخرى لا يسير في نغمة التغني بامجاد السابقين ..و النحيب علي اطلالهم_ و ننوه في الوقت ذاته الي ان دراسة منجزات اعلامنا التربوية ب (دقة ) و ب ( موضوعية ) ، لتزيد من تقديرنا لهم ، و الاعتراف لذويهم._انما يستهدف بحثنا هذا : ابراز خصائص التجديد التربوى بالنسبة للطفل ، و ذلك من خلال استعراض النتاج الفكرى لعلم من اعلام المسلمين ، عاش في القرن الثامن الهجرى !!!! و شهد له المتخصصون _ في الغرب نفسه _ بانه امام و مجدد في بحوث التربية و التعليم ...و سيستبين لنا _بمشيئة الله _ بعد ابراز اسهامات ابن خلدون في تربية الطفل : مدى اهمية دراسة (تراث اعلامنا الفكرى ) _ خصوصا _ ممن عرفو بنزعتهم التجديدية ، تلك الخصيصة التي تميز بها هذا الدين و فارق بها غيره !!!! و التي امتثلت حقيقة في مصادر تشريعاته ، مما جعلها تتصف بالمرونة ، و الصلاحية لكل زمان و مكان....
و سنمهد في هذا القسم بالتعريف بابن خلدون .. سيرة...و مسيرة...
.................................................. .................................................. .................................................. ..............................................
تمهيد*
ـ التعريف بابن خلدون :
هو العلامة : ولي الدين عبد الرحمن بن محمد بن ابي بكر ، الشهير بابن خلدون ، و هو جده التاسع ، و مؤسس هذه الاسرة الكبيرة..و ابن خلدون هو احد نجوم اضاءت حلك الليل البهيم ابان ضعف المسلمين ، و تقهقرهم الثقافي و الفكرى ...و احد المنن التي امتن الله _تعالي _بها علي المسلمين في قرنه و وقته .....
ـ نشاته :
ولد في تونس ( 732هجريا_1332ميلادية ) ، و نشا في عائلة لهل ميول سياسية ، و مركز اجتماعي و علمي مرموق داخل المجتمع المغربي..حتي كان منهم الوزراء و اصحاب المهمات الخطيرة...و قد دارت بهم صروف الزمان بين علو تارة و هبوط تارة اخرى!!! اما عن والده : فقد ناى بنفسه عن السياسة ، و اشتغل بالعلم الشرعي و اللغة ، و يصفه _ابن خلدون _في كتابه التعريف ( و هو سيرة ذاتية له ) بانه (...نزع عن طريقة السيف و الخدمة الي طريقة العلم و الرباط....) ، و يظهر ان ما كان لهذه الاسرة من مكانة : كان له ابلغ الاثر علي التكوين الفكرى _ المتين _ الذى امتاز به.....
ـ ثقافته و تعليمه :
اسرة بهذا المجد و الشرف قد مهدت لابن خلدون سبيل الثقافة الواسعة ، فحفظ القران الكريم في صغره ، و تعلم فنون القراءات و اجادها ، كما عني بدراسة العلوم الشرعية من تفسير و حديث و فقه و اصول.....، و بجانب ذلك فقد الم بعلوم الالات من نحو و صرف و معاني.....، هذا ولم يترك العلوم العقلية!! بل الم بالكثير في الرياضيات و الطبيعة و المنطق و الفلسفة.......، و يظهر لنل من خلال سيرته : ان اهم عوامل تكوين ثقافته هو انه استطاع ان يتتلمذ بطريق _ مباشر او غير مباشر _علي اعيان المغرب ، و فطاحل الاندلس _ خصوصا _اللذين هاجروا الي ( تونس ) عندما تضعضعت الدولة الاسلامية في اسبانيا !!!! هذا..وقد اظهر ابن خلدون من جودة الفهم ، و حسن التلقي ، و البراعة في التحصيل : ما جعل اساتذته يعجبون به كل الاعجاب..و يرضون عنه غاية الرضا..
ـ حياته العلمية :
..حفلت حياة ابن خلدون بالتغيرات الكثيرة ، و لم يستقر به الحال !! خصوصا لاشتغاله اول امره بالسياسة.. فحبس مرات!! و ناله الاذى غير مرة..و قد تقلب في وظائف كثيرة : فمن كاتب للعلامة ( و هو عمل بسيط ) الي مبعوث (سفير ) لابن الاحمر ( صاحب الاندلس ) ، الي ان توجه الي المشرق _مصر _ فتولي القضاء بالجامع الازهر..وهو في كل ذلك متنقلا في البلاد..فكون الصداقات ، و اشترك في مؤامرات !! و كان هذا مبعث الخصومات و مصدر المنافسات...وان لم تخل حياته _ احيانا _ من اسباب الرضا........
_شخصيته :
ينقل ( المقرى ) في نفح الطيب..وصفا يعطينا ملامح قريبة لشخصية ابن خلدون ، و هذا علي لسان اخلص اصدقائه و هو ( ابن الخطيب ) ..يقول (..وهو رجل فاضل ، حسن الخلق ، جم الفضائل ،باهر الخصل..ظاهر الحياء ، اصيل المجد ، وقور المجلس ، خاص الزى ، عالي الهمة ، عزوف عن الضيم ، صعب المقادة ....، طامع لفتن الرياسة....،متقدم في فنون عقلية و نقلية..سديد البحث ، كثير الحفظ ، جواد ، حسن العشرة....)
_ ملخص ما سبق :
ظهر لنا فيما سبق ان اسفار ابن خلدون الكثيرة ، و تقلبه في الوظائف المتعددة من كتابة ، وسفارة ، و تدريس ، و وزارة ، و قضاء ،مع قراءاته التحليلية لظروف عصره الاجتماعية و الثقافية و السياسية و التعليمية.....، و نضيف الي ذلك ذكاءه المتقد..و عقليته المتاملة..و القادرة علي تدوين خبرات فريدة في بابها ...هو ما حدا بالكثير من الباحثين بان يصفوه ( اماما في الدراسات التاريخية ، و الاجتماعية ، و الاقتصادية ، و السياسية ، و التربوية....
*
هذا التمهيد : ملخص _ بتصرف كبير _ من المراجع الاتية :
1_د. علي عبد الواحد وافي : عبد الرحمن بن خلدون ، مكتبة مصر ، سلسلة اعلام العرب ، 1962
2_ د. محمد المعتصم مجذوب : شخصيات تربوية ، مطبعة التمدن ، الخرطوم ، 1963
3_ مقدمة (ابن خلدون ) ، تصدير المحقق ، ط1 ، دار الفجر للتراث ، مصر ، 2004