بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
هذا من كتاب الفتاوى كل مايهم المسلم في حياته يومه و غده
لفضيلة الإمام محمد متولي الشعراوي
( نور النبي صلى الله عليه و سلم )
س: يقول الحق تبارك و تعالى : ( قد جاءكم من الله نور و كتاب مبين )المائدة 15 .
فهل المقصود بالنور هنا النبي صلى الله عليه و سلم أم القرآن ؟
(جـ) : لما كانت واو العطف تقتضي مغايرة ما قبلها لما بعدها في الحكم، فإننا نفهم من ذلك أن النور ليس هو الكتاب ( القرآن) الذي يشتمل على المنهج الذي يخرجنا من الظلمات إلى النور.
و محمد صلى الله عليه و سلم هو الذي دلنا على الكتاب و هذا يصل بنا إلى أن محمداً هو النور، و محمد صلى الله علية و سلم ظهر أمامنا مادياً، و لم يره الناس نوراً بالمفهوم المادي إنما رأوه إنساناً في تكوينه و تركيبة الفسيولوجي.
و يصح أن يقبل هذا التفكير في القرن العشرين، فالآن من الممكن تحويل أي مادة من المواد إلى إشعاعات ضوئية، و أي ضوء بتجميعه، و تكثيفه تنتج عنه مادة.
و على هذا الترتيب قرب العلم المسألة للأفهام، فالله قد خلق الأشياء من نور، و معنى هذا أنه من شعاع نوره خلقت الماديات.أ.هـ.
و قد تكلم في تلك المسألة أيضاً فضيلة الإمام العلامة علي جمعة محمد مفتي الديار المصرية.
و هذا كان إجابة في كتابه( البيان القويم لتصحيح بعض المفاهيم )
عن سؤال نصُّه :
هل النبي صلى الله عليه و سلم نور، أم هو بشر مثلنا كما أخبر القرآن ؟
فأجاب فضيلته مشكوراً: النبي صلى الله عليه وسلم نور هذا صحيح قال تعالى :
( يا أهل الكتاب قد جاءكم من الله نور و كتاب مبين ) المائدة 15 ،
و قال تعالى :
(و داعياً إلى الله بإذنه و سراجاً منيراً ) الأحزاب 46 ،
فهو صلى الله عليه و سلم نور و منير ، و لا شيء في أن تقول إن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان نوراً طالما أن الله عز و جل قد وصفه بذلك و سماه نوراً، و لقد ثبت في السنة أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقولون :
(إن وجهه صلى الله عليه و سلم كالقمر) (1).
و قد أخبر صلى الله عليه و سلم أنه عندما حملت فيه أمه :
( رأت نوراً أضاء لها قصور بصرى من أرض الشام) (2).
و قد أخبر أصحابه رضوان الله عليهم أن :
( النبي صلى الله عليه و سلم عندما دخل المدينة أضاء منها كل شيء، و عندما مات أظلم منها كل شيء) (3).
إلى غير ذلك من آثار و أحاديث تبين أنه صلى الله عليه و سلم كان نوراً، و لا ينبغي أن ننفي أن ذلك النور كان حسياً، فليس هناك ما يتعارض مع كونه كان منيراً و أنه صلى الله عليه و سلم له نور حسي مع أصل العقيدة، كما أنه لا يعارض طبيعته البشرية التي أخبر بها القرآن .
إن المحظور هو نفي البشرية عنه صلى الله عليه و سلم ، لأن هذا مخالف لصريح القرآن فقد قال الله تعالى:
( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي ) الكهف110 .
فالسلامة في ذلك أن نثبت كل ما أثبت الله لنبيه صلى الله علية و سلم، فنثبت أنه صلى الله عليه و سلم كان نوراً و منيراً و لا يزال، و أنه بشر مثلنا ، دون تفصيل و تنظير، و إثبات النور الحسي له صلى الله عليه و سلم لا يتعارض مع كونه بشراً، فالقمر طبيعته ضخرية، و مع ذلك هو نور و له نور حسي، و النبي صلى الله عليه و سلم خير من القمر، و خير من الخلق كلهم، نسأل الله أن يهدينا الطريق المستقيم، فهذا بيان لقضية نورانية النبي صلى الله عليه و سلم، و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، و الله تعالى أعلى و أعلم.
(1)ـ النسائي في الكبرى،ج5 ص187،و ج6 ص155، و الطبراني في الكبير ج10 ص 147، و ذكر ذلك أيضا الحافظ ابن حجر في الإصابة ج6 ص 180 .
(2)ـ رواه الطبري في تاريخه ج1 ص458، و ابن هشام في السيرة النبوية ج1 ص302، و صاحب حلية الأولياء ج10 ص 374.
(3) رواه أحمد في مسنده، ج3 ص268، و الترمذي في سننه ج5 ص588، و ابن ماجة في سننه ج1 ص522، و ابن حبان في صحيحة ج14 ص601 .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته