الجوهرة الواحدة والستون
سورة النحل
{ يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوۤاْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱتَّقُونِ }
قال الالوسي فى تفسيره
وقول سبحانه: { مِنْ أَمْرِهِ } بيان للروح المراد به الوحي، والأمر بمعنى الشأن واحد الأمور، ولا يخرج ذلك الروح من الاستعارة إلى التشبيه كما قيل في قوله تعالى:
{ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ }
[البقرة: 187] لما قالوا: من أن بينهما بوناً بعيداً لأن نفس الفجر عين المشبه شبه بخيط، وليس مطلق الأمر بالمعنى السابق مشبهاً به ولذا بينت به الروح الحقيقية في قوله تعالى:
{ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبّى }
[الإسراء: 85] كما تبين به المجازية، ولو قيل: يلقى أمره الذي هو الروح لم يخرج عن الاستعارة فليس وزان { مِنْ أَمْرِهِ } وزان
{ مِنَ ٱلْفَجْرِ }
[البقرة: 187] وليس كل بيان مانعاً من الاستعارة كما يتوهم من كلام المحقق في «شرح التلخيص». وجوز أن يكون الجار والمجرور متعلقاً بمحذوف وقع حالاً من الروح على معنى حال كونه ناشئاً ومبتدأ منه أو صفة له على رأي من جوز حذف الموصول مع بعض صلته أي بالروح الكائن من أمره أو متعلقاً ـ بينزل ـ و { مِنْ } سببية أو تعليلية أو ينزل الملائكة بسبب أمره أو لأجله، والأمر على هذا واحد الأوامر، وعلى ما قبله قيل: فيه احتمالان. وذهب بعضهم إلى أن { ٱلرُّوحِ } هو جبريل عليه السلام وأيده بقوله تعالى:
{ نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ }
[الشعراء: 193] وجعل الباء بمعنى مع، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن { ٱلرُّوحِ } خلق من خلق الله تعالى كصور بني آدم لا ينزل من السماء ملك إلا ومعه واحد منهم، وروي ذلك عن ابن جريج وعليه حمل بعضهم ما في الآية هنا. وتعقب ذلك ابن عطية بأن هذا قول ضعيف لم يأت له سند يعول عليه، وأضعف منه بل لا يكاد يقدم عليه في الآية أحد ما روي عن مجاهد أن المراد بالروح أرواح الخلق لا ينزل ملك إلا ومعه/ روح من تلك الأرواح.
وقال ابو حيان فى بحره
وقال الزمخشري: بالروح من أمره، بما تحيا به القلوب الميتة بالجهل، من وحيه أو بما يقوم في الدين مقام الروح في الجسد انتهى. ومِنْ للتبعيض، أو لبيان الجنس
{ هُوَ ٱلَّذِي أَنْزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَآءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ }
قال السمين الحلبي فى الدر المصون
قوله تعالى: { مَآءً لَّكُم مَّنْهُ شَرَابٌ }: يجوزُ في " لكم " أن يتعلَّقَ بـ " أنْزَلَ " ، ويجوزُ أن يكونَ صفةً لـ " ماءً " ، فيتعلَّقَ بمحذوفٍ، فعلى الأولِ يكون " شرابٌ " مبتدأً و " منه " خبرُه مقدَّمٌ عليه، والجملةُ أيضاً صفةٌ لـ " ماءً " وعلى الثاني يكون " شرابٌ " فاعلاً بالظرف، و " منه " حالٌ من " شراب ". و " مِنْ " الأولى للتبعيض، وكذا الثانيةُ عند بعضِهم، لكنه مجاز لأنه لمَّا كان سَقْيُه بالماء جُعِل كأنه من الماء كقوله:
2946- أسنِمَة الآبالِ في رَبابَهْ
أي: في سَحابة، يعني به المطرَ الذي يَنْبُتُ به الكلأُ الذي تأكلُه الإِبِلُ فَتَسْمَنُ اَسْنِمَتُها.
وقال أبو بكر بن الأنباري: " هو على حذف مضاف إمَّا من الأول، يعني قبل الضمير، أي: مِنْ سَقْيِه وجِهتِه شجرٌ، وإمَّا من الثاني، يعني قبل شجر، أي: شُرْب شجر أو حياة شجر ". وجعل أبو البقاء الأولى للتبعيض والثانية للسبيية، أي: بسببه، ودَلَّ عليه قولُه: { يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ ٱلزَّرْعَ }.