تفسير مسألتى (القضاء و القدر)
السلام عليكم و رحمة الله
و الصلاة و السلام على سيد خلق الله
أما بعد
فالكلام الذى ستسمعونه الان ، لم يسبقنى به أحد ، لا من السلف و لا من الخلف !
لكنه فى نفس الوقت كلام جوهرى ، لا يستقيم للإيمان فهم بغيره !!!
و دعونى ادخل فى قلب الموضوع مباشرة !!!
إن الله تعالى ، قد خلق أفعال العباد ، و هذا ما عليه الاشاعرة و اهل الحديث و الصوفية و غيرهم من طوائف السنة !!!
فإذا ما قلت أن الله يحاسبنا يوم القيامة على أفعالنا ، لم يستقيم القول (كلاميا) ، إذ لا معنى لأن يحاسبنا الله تعالى على فعله هو ؟
و الجواب الذى لا محيد عنه هو :
ان الله تعالى لن يحاسبنا على (أفعالنا) يوم القيامة ، و إنما يحاسبنا على (النيات) الكامنة فى قلوبنا من وراء تلك الأفعال !!!
أما رأيتم المنافق أكثر عملا منك و يدخل النار ؟
انتبهوا معى جيدا ، لأن هذا الرد يسقط بجملة كل كلام فى (التكفير) سواء بالأعمال أو بالأقوال !!!
مهما كان القائل !!!
إذ ان الكفر كالإيمان ، محله القلب ، و القلب لا يطلع عليه إلا الله وحده !
أما الكلام عن الردة ، و حد المرتد ، فبعيد جدا عن هذا المدخل ، و محله موضوع آخر بإذن الله !
أما الآن ، فقد علمنا أن [ الأعمال بالنيات ] و [ لا عمل بغير نية ]
أما سمعتم ألله تعالى يقول ، و هى الآية التى يحتجون بها (تجاوزا أو ربما اضطرارا) على خلق أفعال العباد
{ وَ مَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ } فالآية إنما تتكلم عن (المشيئة) و التى هى سابقة على الفعل بالضرورة !!!
فالمشيئة ، متضمنة فى النية ، لا فى حقيقة الفعل !
بمعنى أوضح
أفعالك غير مؤثرة ، لأن الله هو المؤثر أزلا !
لكن المحدث هو نيتك الكامنة من وراء تلك الأفعال !!!
و دل على أن نيتك محدثة ، انها لا تكون إلا بمشيئة الله تعالى !!!
هل الأمر لا زال مبهما ؟
فدعونا نزيده وضوحا عبر النظر فيم كتب فى (اللوح المحفوظ) !!!
فنجد أن اللوح المحفوظ قد كتب فيه ضربان متغايران
القضاء ، و القدر !!!
و الفارق بينهما قد بينه لنا سيدنا رسول الله -صلى الله عليه و سلم- فى حديثان شهيران !!!
أولهما : [ اللهم إنى لا أسألك رد القضاء ، لكنى أسألك اللطف فيه ]
فعلمنا ان (القضاء) لا يرد ، و لا يمحى و لا يمكن تغييره ، إذ لو كان يمكن رده ، لما كان اولى برده سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- !
و قال تعالى { وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ }
فالله تعالى يحكم لا معقب لحكمه !
إلا ان هذا لا يسرى على كل ما كتب فى اللوح المحفوظ !!!
فهناك الحديث
ثانيهما :
[ لا ينفع حذر من قدر ، و الدعاء ينفع مما نزل و مما لم ينزل ، و إن الدعاء و البلاء ليلتقيان فى السماء فيتدافعان إلى يوم القيامة ]
إذن ، القدر المكتوب عليك سلفا فى اللوح ، يمكنك تغييره ، بواسطة الدعاء !
لكن القضاء المبرم ، لا يمكن تغييره لا بالدعاء و لا بغيره !!!
يقول صلى الله عليه و سلم : [ لا ينفع حذر ] فإن ما كتب عليك لا تملك له دفعا ، لكن الدعاء فعل الله تعالى ، لا فعلك ، إذ لو استجاب لك ، فقد دفع عنك ما قدره عليك فى سالف الأزل !!!
و لنرى مثالا واقعيا يفرق لنا بين ما يمكن للدعاء تغييره ، و ما لا يمكن للدعاء تغييره !
زيد مصاب بمرض خطير ، فهذا المرض قد أصابه بالفعل فى وقت ماضى
فلو دعوت ألا يصاب زيد بهذا المرض ، فلن تجاب دعوتك لأن السهم قد نفذ بالفعل ، و مرض زيد منذ زمن !!!
و لكن يصح أن تدعو الله أن يلطف به فى مرضه ، فيمنع عنه المضاعفات الخطيرة المصاحبة لهذا المرض !!!
لاحظ أن الدعاء هنا ، يختص بما هو واقع لا مفر منه !
أما أن تدعو ، لزيد بالشفاء ، فلا يقع الشفاء ، الا لمن هو مريض فعلا !
فهذا رد لقدر (أن يبقى زيد مريضا) !!!
[ اللهم أنى لا أسألك رد القضاء ] ، فالقضاء مبرم ، واقع لا مفر منه ، بعز عزيز أو بذل ذليل
[ الله أكبر أعطيت مفاتح كسرى ] قضاء مبرم ، بشر به النبى صلى الله عليه و سلم - يوم الخندق ، فأوقن أنه واقع ، لا مفر منه !!!
[ لكنى أسألك اللطف فيه ] فالقضاء إن خيرا ، فاللطف فيه أوجب للشكر ، و إن شرا ، فاللطف فيه دفع سوء عاقبته !!!
أما رأيتم رجل يسقط من الدور العاشر ، فيقع على سيارة محملة بالقطن ، فلا يتأذى ؟
فذلك لطف القضاء
أفما رأيتم موسى -عليه السلام- رضيعا ، يحمله الماء ، ليعيش حياة الأمراء ، بدلا من حياة العبيد ؟
فذلك لطف القضاء !!!
إن حياة نبى الله موسى عليه السلام ، يسيرها القضاء و القدر من قبل أن يولد ، و بعد أن مات !!
أما علمتم أن المؤمن إذا أصابته ضراء (صبر) فكان خيرا له ؟
فعلام أدعو الله بصرف الخير عنى ؟
لكن الله تبارك يعلم أن ليس كل إنسان يمكنه الصبر على تحمل الأذى !
لذا أوجب أول ما فرض على آدم و بنيه (الدعاء) !
يقول تعالى { فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ }
لأن الدعاء من الانسان نية و إخلاص ، أما الفعل ، فعل الله تعالى ، فالله تعالى هو من ألهم (آدم) الدعاء ، و هو هو من تاب على آدم ، عليه السلام !!!
و فى الحديث ، أن آدم حاج موسى حين أجابه (اتلومنى على أمر قد كتبه الله على) ؟
فما عصى آدم ، ربه ، حين أكل من الشجرة
فالفعل فعل الله تعالى ، و آدم (غير مؤثر) !!!
فأين معصية آدم الحقيقية ، و التى طرده تعالى من الجنة بسببها ؟
معصية آدم الحقيقية ، انه صدق إبليس ، و أساء الظن بربه !!!
و اسمعوا قوله تعالى { وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ }
هل صدقت يا آدم أن ربك ، يمنع عنك الخير ؟
هل صدقت ان الله تعالى ، لا يرضى لك الخلد ؟
ألا تلاحظون انه عصى حين عصى ، و هو هو ، فى الجنة ، دار نعيم لا شقاء فيها ، فأى ملك تريد يا آدم و الملائكة تخدمك ؟
و أى موت تخشاه ، و الجنة لا موت فيها ؟
أهذا ظنك بربك يا آدم ؟
أنظروا كيف يردى سوء الظن بالله الناس الى مهاوى الجحيم ، إذ يقول تعالى
{ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ }
فإن كان سوء الظن بالله تعالى ، بتلك البشاعة ، و هذا الشر !
أفليس بكافيا ليخرج آدم عليه السلام من الجنة ؟
لقد خرج آدم عليه السلام : و قد علم انه مخطئ ، و يستحق العقاب
و خرج إبليس من الجنة : و قد ظن أنه محق ، و انه خير من آدم ، بان ظنه بربه ، ان الله تعالى قد ظلمه حين فضل عليه (آدم) !!!
كلاهما خرج
أحدهما : معترف بخطئة عازم على التوبة
و الآخر : يرى نفسه مظلوما ، عازم على الإنتقام من آدم و بنيه !!!
هل أجرم آدم بالآكل من الشجرة ؟
كلا
إذ انه لو لم يأكل منها برعبته ، لأمره الله تعالى ان يأكل منها ؟؟؟
لماذا ؟
لأن الله تعالى حين خلق آدم ، للأرض خلقه ، لا للجنة !
{ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً } ، و ليس خليفة فى الجنة ؟
إذن ، سنفهم من ذلك أنه ، على أى حال سار الوضع مع آدم ، كان خارج من الجنة ، لا شك فى هذا !!!
ما الذى جعلنى متيقنا هكذا ؟
شيئان ، اولهما ان الله تعالى قد حكم ، لا معقب لحكمه ، بان آدم للأرض
و الثانى ، ان آدم لم يحتج الى (دعاء الله) فى الجنة !!!
و الانسان بطبعه لا يلجأ الى الله إلا حينما تضيق به السبل ، و كان الانسان كفورا !!!
فالله تعالى ، قد أسكن آدم الجنة ، حتى إذا اخرجه منها ، اوقن آدم انه لا غنى له عن دعاء الله تعالى ، و التذلل و التضرع إليه فى كل شدة و كرب !
و أى كرب أشد على آدم أكثر من نزوله ا