ملاحظات حول أطروحات لبعض الملاحدة الجدد!
ملاحظات حول أطروحات لبعض الملاحدة الجدد!
سمعت بعض الملاحدة المعاصرين الذين يتحدثون في بعض المباحث الفلسفية والدينية يقول
إن أبا حامد الغزالي لم يفعل شيئا في مسألة الشك، فالشك كان معروفا قبله، وحتى إن الغزالي عندما شك رجع إلى مذهبه ومذهب آبائه فما معنى أنه شكَّ إذن، وأيضا فإن مسألة شكه مغايرة لشك ديكارت، فإنه كان يريد الوصول إلى نقد آرائه الدينية لا الدنيوية. وما معنى أن يشك إنسان ثم يصل إلى عين ما كان عليه من عقيدة أو رأي! هذا كلام فارغ!
تعليقات موجزة:
-لم يدَّعِ أحد أن الذي اخترع الشك في العالم هو الغزالي، ولا هو زعم ذلك أصلاً! غاية ما يقال إن الغزالي -كغيره- وظفه توظيفا جريئا، وتحدث عن تجربته الشخصية في ذلك وهذا أشد ما يميزه! فلا داعي لإيهام الناس أن هناك من ادعى أن الغزالي اخترع أصل الشك أو طريقة التفكير المنهجية.
-أما استغرابه من أن شك الغزالي لم يترتب عليه إبطال عقيدته ورؤيته السابقة، فنقول لهذا المفكر الإلحادي: لا يشترط في قانون الشك والبحث المنهجي أن يصل الإنسان إلى خلاف ما يعتقده، فكثيرا ما ينطلق الإنسان للتفكير في بعض الأمور، مفترضا فكرة معينة، فيصل إلى تثبيت هذه الفكرة، وقد يصل إلى نقضها ورفضها، فكل من الاحتمالين وارد وأمر ممكن. ولا داعي يدعو من يظهر نفسَه بسمة المفكر الحر للاستغراب من ذلك، ولا سيما وهو يكرر هذه الفكرة في كثير من محاضراته وكأنها أمر مسلم!
-وأما أن الغزالي استعمل شكه في أمر يتعلق بالعقيدة، بينما استعملها ديكارت لإعادة بناء الفكر الدنيوي لا العقيدة فقط، فهذا غريب جدا من هذا المفكر الحر المنطلق في إلحاده! فإن ديكارت كان قد طبق طريقته الشكية أول ما طبقها على الأمور العقدية كالإمام الغزالي، كما يعرف من كتابه تأملات وغيره فبحوثه فيه مسلطة على أمور لاهوتية وميتافيزيقية كما هو معلوم، وإن أرشد إلى استعمالها في جميع أنحاء الفكر خصوصا في بعض كتبه الأخرى، وكذلك الإمام الغزالي لم يخصص طريقته هذه ولم يحصرها في موضوع العقيدة ومعرفة الإله، بل نص في الاقتصاد على أنها عامة في كل أمر، كما صرح بتعميمها سائر المتكلمين في النظر مطلقا سواء كان في العقيدة او غيرها من الأمور العلمية والدنيوية! فما نسمعه من هذا الموصوف بالمفكر لا يثير إلا عجبنا منه هو ولا يدل إلا على سذاجة تفكيره في هذه الأمور وحرصه العظيم على ملء جوانب محاضراته بالمغالطات المكثفة.
ويضيف هذا المفكر العبقري: أن ما أضافه الغزالي في الفكر الأشعري أنه جعل التصوف مهيمنا على الأشعرية لا غير!!
بعد أن نعرف أن مجال التصوف هو السلوك، ومجال النظر في المذهب الأشعري الأدلة العقلية والنقلية القائمة على العقيدة، فأنا لا أعرف بالضبط ما الذي يقصده هذا المفكر العبقري!! من هذا القول السخيف، كيف يكون التصوف مهيمنا على المذهب الأشعري وكيف تكون هذه الفكرة هي التي أضافها الغزالي بعد رحلته الفكرية!
هذا المحاضر الإلحادي المعاصر وغيره من نراهم من نوعه في الحقيقة يقدمون أنفسهم بصورة المفكرين الأحرار والاهتمام بالإنسانية من حيث هي!! ولكنهم في الحقيقة يقصدون من جميع ما يقدمونه نقض الدين من نفوس الناس. وأحلى ما هنالك عندما نسمع الواحد منهم يقول بعد إيراد كم هائل من المغالطات والتشكيكات والطروحات الباطلة المبنية على أغاليط وجهالات، يقولون ليظهروا أنفسهم بصورة الباحث الموضوعي الذي لا يقصد من بحوثه شيئا خاصاً: "كل واحد عقله في راسه يعرف خلاصه"، وهي كلمة حق أريد بها باطل ...
وأما تركيزهم جدا -أعني: هذا الملحد الضاحك وغيره من الملاحدة الضاحكين والعابسين- على مسألة التكفير وكيف أن الغزالي كفر من قال بالمسائل الثلاثة الشهيرة من الفلاسفة، وما يراكمه هؤلاء الملاحدة على هذه المسألة وكيف يجعلونها قميص عثمان المعاصر ويتباكون عليها ويتحسرون وينددون بها، فقد نتكلم عليه في وقت آخر.
وليس لنا إلى غير الله تعالى حاجة ولا مذهب