كشف التضليل وجب لما دلسته السلفية من كذب
على
تبيين العجب بما ورد في شهر رجب

في كل رجب تروج السلفية -هداهم الله- لمذهبهم تحت سقف كتاب للحافظ ابن حجر العسقلاني اسمه (تبيين العجب بما ورد في شهر رجب) والذي هو فيه براء مما تعسفوا في لوي أعناق نصوصه وفي اجتزاء حق قاله وأرادوا به باطلهم وفي تصيدهم بالماء العكر وتحريفهم للكلم من بعد مواضعه، وكم ساءني خلو الإنترنت من أي شرح له أو حاشية لأهل السنة والجماعة رغم كثرتها لهؤلاء الذين تسقط عدالتهم ويثبت فسقهم بمجرد هذه الجرائم العلمية.

معلوم منهج السلفية في التبديع واتخاذ مبدأ سد الذريعة لتحريم الحلال وتقبيح الحسن، وسوء الظن وحمل أفعال العباد على أسوأ محمل، ولعل لحاظ الجانب النفسي أو القلبي لديهم في هذه المسائل يجلي لنا كيف أن ضلال منهجهم لم يكن عن عبث أو تحامل.

معظم الأحاديث التي ساقها الحافظ في كتابه إنما ساقها ليبين وضعها أو شدة ضعفها؛ لعدم صحة الترغيب بها ولا نشرها، وليس لترهيب المسلمين من التعبد في رجب والتحفظ عليهم في ذلك، وكم يروق للنفس تلقف مثل هذه الدعوى لتشعر بالراحة في خلوها من تحمل مسؤولية أي تقصير لترك فضيلة، بل ويتعدى ذلك للتسخط على من يسبقها إلى هذه الفضيلة ولا يقع في شراك هذه الدعوى، نسأل الله السلامة والعافية وأن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر.

وقال ابن حجر في بداية الكتاب: "اشتهر أن أهل العلم يتسامحون في إيراد الأحاديث في الفضائل وإن كان فيها ضعف، ما لم تكن موضوعة." ثم استعرض من هذه الأحاديث الضعيفة:
"إن أمثل ما ورد في ذلك ما رواه النسائي من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: " قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من الشهور ما تصوم في شعبان. قال: ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان... "الحديث. فهذا فيه إشعار بأن في رجب مشابهة برمضان، وأن الناس يشتغلون من العبادة بما يشتغلون به في رمضان، ويغفلون عن نظير ذلك في شعبان. لذلك كان يصومه. وفي تخصيصه ذلك بالصوم - إشعار بفضل رجب، وأن ذلك كان من المعلوم المقرر لديهم.

وأما حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من صام من شهر حرام: الخميس والجمعة، والسبت - كتبت له عبادة سبعمائة سنة "فرويناه في فوائد تمام الرازي. وفي سنده ضعفاء ومجاهيل.".
وساق أيضا من الأحاديث الضعيفة: "عن أنس بن مالك، يقول: "إن في الجنة نهرا يقال له رجب: ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل: من صام يوما من رجب سقاه الله من ذلك النهر" وقال أبو بكر البزار في مسنده، حدثنا أحمد بن مالك القشيري، أنبأنا زائدة بن أبي الرقاد عن زياد النميري، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل رجب قال: " اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ".".

ويتحدث عن مسألة المقصد من تخصيص الصيام في رجب وأن فساد المقصد يكون علة النهي لا مجرد التخصيص:
"وروينا في " كتاب أخبار مكة " لأبى محمد الفاكهي، بإسناد لا بأس به، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: لا تتخذوا رجبا عيدا، ترونه حتما مثل شهر رمضان، إذا أفطرتم منه صمتم وقضيتموه. وقال عبد الرزاق في " مصنفه "، عن ابن جريج، عن عطاء، كان ابن عباس، ينهى عن صيام رجب كله: ألا يتخذ عيدا. وهذا إسناد صحيح.
فهذا النهى منصرف إلى من يصومه معظما لأمر الجاهلية. أما إن صامه لقصد الصوم في الجملة، من غير أن يجعله حتما، أو يخص منه أياما معينة يواظب على صومها، أو ليال معينة يواظب على قيامها، بحيث يظن أنها سنة. فهذا من فعله من السلامة مما استثنى، فلا بأس به. فإن خص ذلك، أو جعله حتما فهذا محظور. وهو في المنع بمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تخصوا يوم الجمعة بصيام، ولا ليلتها بقيام " رواه مسلم.".

إذن لم يرد في هذا الكتاب ذكر للبدعة أصلا، إلا ما ذكر في آخره مما يعود على احتجاجهم به بالبطلان، حيث نقل عن أبي بكر الطرطوشي في كتابه (البدع والحوادث) قوله: "يكره صوم رجب على أنه إذا خصه المسلمون بالصوم من كل عام حَسِب العوام إما أنه فرض كشهر رمضان وإما سنة ثابتة كالسنن الثابتة وإما لأن الصوم فيه مخصوص بفضل ثواب على صيام باقي الشهور." فسبب الكراهة هنا هو وجود غلبة ظن لمآل فاسد، فلما امتنع اليوم وجود مثل ذلك عاد على حكم الكراهة بالبطلان، بل لما وجد اليوم غلبة ظن لمآل حسن في فتح ذريعة الإقبال على الله في زمان عم فيه الفساد والإلحاد عاد على الحكم بالاستحباب وليس فقط مجرد استصحاب الجواز.

والله تعالى أجل وأعلى وأحكم وأعلم .. والله المستعان وعليه التكلان .. {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون}