كنت أحاول الوصول لشروط اختيار عالم لي أكثر من شهرين فقمت بكتابة الأطوال التي حدثت لي ولهذه الشروط خلال الشهرين، ومن ثم الإشكالات والأسئلة التي لم أستطع حلها.
كتبت:
الحمد لله تعالى الذي أنعم علينا بنعمة الإيمان والإسلام، وهدانا بنبينا ومولانا محمد ﷺ، فبين للناس معرفة مولانا العظيم على وجه التمام، وبلغ لهم عن الله تعالى الحلال والحرام وسائر الأحكام، وخص ﷺ في جميع ذلك بجوامع الكلام، وتيسير المعاني للإعلام والإفهام.
في عصرنا انتشر التكفيريون والمنحرفون والمتعالمون مدعو الاجتهاد المطلق، حاولت أن اضع شروطا -منعا للسفسطة وأن يكون الصواب مساوٍ للخطأ عند مثلي من العوام- على الشيخ المفتي إذا لم أكن أنوي تعلم العلم الشرعي، والشيخ المعلم إذا كنت أنوي، فكتبت شروطا وغيرتها مرارا لما ظهر عيوبها.
الطور الأول (مقتبس من كتاب ترياق المستفتين):
شروط المفتي أو المعلم:
- أن يكون محترما لكل أحد من العلماء من قبله، فعندما يتكلم عن الغزالي يقول حُجة الإسلام وعندما يتكلم عن ابي حنيفة النعمان يقول الإمام الأعظم، فالعلم يؤخذ بالتواضع، وأن يجعل فهومهم فوق فهمه.
- أن يكون متمذهبا بأحد المذاهب الأربعة، فلا يدعي الاجتهاد ويجرب فيّ آراءه وهو أصلا معه مدارس أربعة تراثية محققة ومنقحة ومرتبة خدمها ألوف العلماء العباقرة.
- أن يكون مشهودا له بالتقى من العلماء ومن مواقفه، فهذا دين والأخلاق لا تنفك عن الدين وإلا كان دينا علمانيا بلا دين أصلا.
- أن يكون ذا سند في العلوم التي يتكلم فيها فلا يتكلم في النحو من لم يقرأ الآجرومية على شيخ، ولا يكون صحفيا يتصفح الكتب فهذا خطأه أكثر من صوابه وغالبا سيفهم ما يقرأ على غير مراد مؤلفه إن لم يكن قد تلقى على شيخٍ مدة تأهله.
- أن يكون صادقا في آرائه فلا يخفي عقيدته ويقولها مجملة أو ينشر حديث رسول الله ﷺ فإذا ما غضبت عليه النسويات يمسحه (كما فعلت دار الإفتاء المصرية).
وفوائد هذه الشروط:
أنها تخرج تماما الفرقة الوهابية المنتشر فكرها في البلاد بين العوام فلا يكادون يجتازون شرطا واحدا، وأنها مفيدة للمستفتي الذي لا يهتم بالعلم وإنما يريد فتاوى فقهية في حياته العامة.
عيوبها:
أنها غير متوافقة مع التاريخ الإسلامي وأنها تؤدي حتما للتسوية بين الحق والباطل ومثال ذلك أننا لو كنا في عصر الإمام ابن عطية و طبقناها عليه لما اجتاز الشرط الأول فقد تكلم عن الإمام الغزالي في مسألة تكفير القائل بعدم قطعية ختم النبوة (وإن كان لم يقل ذلك حقا إمامنا الغزالي رضي الله عنه) فيسقط الإمام ابن عطية وهو من هو.
كما أنها تمنع العلماء المعاصرين من الرد على البدع التي قال بها أحد السابقين، كأن يرد أحد العلماء على ابن تيمية ويشتد عليه
فيمكن أن يقال أنه لا يجتاز هذه الشروط، وما فعل ما فعل إلا إحقاقا للحق وإبطالا للباطل وهو أهل ذلك.
ولما ظهر ببعض النظر هذه العيوب وجب تعديل الشروط
الطور الثاني
زيادة واجبات على العامي نفسه فيكون من واجبات عامة الناس من الشيعة والسنة والمجسمة:
- لا يتكلفوا إلا ما كلفهم الله سبحانه وتعالى فلا يخون العامي من الشيعة عموم الصحابة، أو لا يجسم المجسم أو لا يقول السني سمعت شيخي يقول كذا فقلت.
- لا يتكلمون إلا بما عليه أدلة جلية، وليس مما يتوقف دركه على النظر والمناظرات والبحث، حيث أنه يمكن أصلا أن تكون أدلة خصوم الشيعة أقوى من أدلة الشيعة فهذا المذهب ليس من المعلوم من الدين بالضرورة، وتكفير الإباضية للصحابة ليس أيضا من المعلوم بالضرورة، وتكفير تارك الصلاة أو مرتكب الكبيرة ليس أيضا من المعلوم من الدين بالضرورة.
والواجبات على المفتي
- نفس شروط الطور الأول من إلغاء أول شرط
- أن يكون العالم على مستوى معين من العلم يسمح له بالرد على عالم معين
فوائد هذه الشروط
أنها تلجم العوام عن الكلام في العلماء وقلة الأدب التي تحصل مع السادة الأشاعرة بدون علم من الاتهامات بالجهمية والتعطيل وهم أصلا لا يعرفون ما جهمية وما تعطيل.
وإلغاء الشرط الأول السابق ليس مضرا كثيرا إذ المبتدعة من هذا العصر لما يجتازون أي شرط من الشروط الأخرى
عيوبها:
أنه يمكن عقلا أن يأتي عالم تتوفر فيه الشروط الأخرى كلها ومثال ذلك ابن تيمية ثم إنه يلبس على الناس ويتكلم في الإمام الرازي والإمام العز وباقي السادة الأشاعرة فيتبعه الناس ويظنون أنهم معهم الدليل على ذلك ويتحقق فيهم أيضا -في نظرهم- الواجبات عليهم من عدم التكلم إلا بدليل جلي.
وكذا يمكن أن يحصل مع الشيعة والإباضية في عصرنا.
وقد توقفت هنا ولم أستطع حل هذه الإشكاليات والأسئلة
- وما هو المعلوم من الدين بالضرورة؟ وكيف يعرفه العامي؟
- ما هي تلك المكانة التي يجب أن يكون عليها العالم من العلم لكي يرد ؟ وكيف يعرفها العامي ؟
- هل الإشكاليات سببها أن أريد أن أضع شروطا عامة لكل عوام الناس من كل المذاهب ولكني محب لأهل السنة؟
- وهل تجب نسبة من بعض العلوم علي العوام لكي يكون من الأسهل عليهم البحث عن الحق فوضع شروط للجاهل جهلا كاملا صعبة؟
- هل يمكن للعامي التقليد في الجرح؟ وهل يمكن ذلك للعالم ؟
- وهل يجب على العالم الطعن فقط بتقليد أئمة طعنوا في ذلك العالم الآخر؟ أم أن يجب عليه الاجتهاد في ذلك بنفسه بقراءة كتب ذلك العالم؟