خطبة أكثم بن صيفي عند كسرى
قام أكثمُ بنُ صَيْفِيٍّ، فقال :
إِنَّ أفضلَ الأشياءِ أعاليها، وأعلى الرِّجالِ مُلوكُها، وأفضلَ الملوكِ أعَمُّها نفعًا، وخيرَ الأزمنةِ أَخْصَبُها، وأفضلَ الخُطَباءِ أَصْدَقُها، الصِّدقُ مَنْجَاةٌ، والكَذِبُ مَهْوَاةٌ، والشَّرُّ لَجَاجَةٌ، والحَزْمُ مَرْكَبٌ صَعْبٌ، والعَجْزُ مَرْكَبٌ وَطِيئٌ، آفَةُ الرَّأي الهوى، والعَجْزُ مِفْتاحُ الفَقْرِ، وخيرُ الأمورِ الصَّبرُ، حُسْنُ الظَّنِّ وَرْطَةٌ، وسُوءُ الظَّنِّ عِصْمَةٌ، إِصلاحُ فَسَادِ الرَّعِيَّةِ خيرٌ مِن إِصلاحِ فَسَادِ الرَّاعِي، مَن فَسَدَتْ بِطَانَتُه كان كالغاصِّ بالماءِ، شَرُّ البِلادِ بِلادٌ لا أميرَ بها، شَرُّ الملوكِ مَن خَافَهُ البَرِيءُ، المَرْءُ يَعْجَزُ لا مَحَالَةَ، أفضلُ الأولادِ البَرَرَةُ، خيرُ الأعوانِ مَن لم يُرَاءِ بالنَّصيحةِ، أَحَقُّ الجنودِ بالنَّصرِ مَن حَسُنَتْ سَريرتُهُ، يكفيكَ مِن الزَّادَ ما بَلَّغَك المَحَلَّ، حَسْبُك مِن شَرٍّ سَمَاعَهُ، الصَّمْتُ حُكْمٌ وقليلٌ فاعِلُهُ، البلاغةُ الإيجازُ، مَن شَدَّدَ نَفَّرً، ومَن تَرَاخَى تَأَلَّفَ.
فتَعَجَّبَ كسرى مِن أكثمَ، ثم قال :
ويحك! يا أكثمُ، ما أحكمَك، وأوثقَ كلامَك، لولا وَضْعُك كلامَك في غيرِ موضِعِه.
قال أكثمُ :
الصِّدقُ يُنْبِىءُ عنك لا الوعيدُ.
قال كسرى :
لو لم يكن للعربِ غيرُك لَكَفَى.
قال أكثم :
رُبَّ قَوْلٍ أَنْفَذُ مِن صَوْلٍ.