تعليقات مهمة على قضية (فناء النار أو تحولها إلى عذوبة) الذي يثيرها د علي جمعة!
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه بعض التعليقات قام بها المشايخ الأفاضل جزاهم الله خيرا، تتعلق بآخر انحرافات د علي جمعة ونشره للأقوال الباطلة الفاسد على البرامج .
الشيخ عثمان النابلسي:
[د.علي جمعة يواصل مشروعه في نشر الآراء الشاذة على الملأ]
بسم الله، والحمد لله، الصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد خرج د.علي جمعة أمس على قناة العربية، وفتح بابًا جديدًا لفتنة الناس قبيل رمضان كما فتنهم في رمضان السابق..
قال المذيع المُحاور: «تقول: في إحدى الحلقات: (وارد ربنا يلغي النار في الآخرة)، خليني أسال أول شيء عن دوافعك لهذا الراي، وهل هناك مستندات وأدله شرعيه دفعتكم إلى هذا الطرح أو هذا الراي».
فأجاب د.علي جمعة:
«هذا رأي أهل السنة والجماعة، وليس رأيا جديدًا، بل هو ما يدرس في أهل السنة والجماعة عبر العصور، أن الله سبحانه وتعالى لا يخلف وعده ولكن قد يخلف وعيده، وقضية أن النار قد تفنى أو قد تلغى أو يفعل الله سبحانه وتعالى ما يشاء بتجلي رحمته؛ هذا مذهب أهل السنة، وأوردها ابن القيم، وكان هذا مذهب ابن تيمية رحمهم الله تعالى، فليس الأمر أمرًا جديدًا ولا حديثًا، ولا رأي توصلنا إليه من الأدلة مباشرة، بل هو كلام الصحابة والتابعين والائمة المتبوعين عبر القرون.. أن الله سبحانه وتعالى لا يخلف وعده ابدًا، وما دام قد وعدنا بالنعيم المقيم والغفران والرحمة، فإنه يوفي بوعده هذا، وهو أوفى من يوفي بوعده سبحانه وجل جلاله. لكنه في الوعيد.. ومن رحمته قد يتخلف هذا الوعيد، هذا كلام بسيط جدًا يحتار فيه الشباب والأطفال، ويفكرون فيه بالليل والنهار، هناك ثقافة سائدة سادت بعد تولي العثمانيين شؤون المسلمين وفي الدولة العثمانية...» إلخ كلامه عن مثال عذاب القبر.
ثم سأله المُحاور: «لكن دكتور علي.. شيخ علي، يعني أنت تقول «وارد»، يعني أنت تضعها هنا مسألة احتمالية، يعني وأنت تعرف أن قضية الجنة والنار.. طبعًا هي من القضايا أو الثوابت العقدية عند المسلمين، هل ترى أن من المقبول أن نرمي آراء تكون ظنية أو احتمالية في هذه المسائل الكبرى في العقيدة الإسلامية؟».
فما كان من د.علي جمعة إلا أن يذهب إلى مسألة أخرى، وهي مسألة خطاب الناس وفتح باب الرحمة لهم، واستشهد بعدد من النصوص التي اعتمد عليها ابن عربي في القول بانقلاب العذاب عذوبة، ككلامه عن البسلمة وما فيها من أسماء الرحمة، وحديث: «الراحمون يرحهم الرحمن»، وحديث البطاقة، وقوله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
فقاطعه المحاور لأنّ جوابه بعيد عن السؤال، فقال: «حتى أفهم ويفهم كذلك المشاهد لنا، الآن وبشكل مباشر، أنت تقول بأن الله قد يلغي النار، هنا قد يرد عليك أحدهم يقول: هذا يعني بأن كل الناس سيدخلون الجنة، وبالتالي ما فائده الشرائع والرسل والانبياء والجزاء».اهـ
فقال د.علي جمعة: «ما هذا الكلام يا سيدي، هذا من فقد المنطق، لأنهم لم يدرسوا المنطق الذي يرتب الكلام، لو أن الله سبحانه وتعالى أذن أن تصفق النار بعضها في بعض وأن ينهيها، فإن من فيها يكون عدمًا.. مَن قال إنه سيدخل الجنة؟! أومن قال إن فناء النار سيؤدي إلى دخول الجنة؟!! ثم إنني لا أقول بفناء النار أصلًا، ولكن أنا افتح باب رحمه للناس..» إلخ كلامه.
أقول: في كلام د.علي جمعة عدة قضايا خطيرة:
أولًا: لا يخفى على صغار الطلبة أنّ القول بفناء النار قولٌ مخالفٌ للإجماع ومصادم لمحكمات الكتاب والسنة.
قال إمام أهل السنة أبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين (1/135):
«قال أهل الإسلام جميعاً: ليس للجنة والنار آخر، وأنهما لا تزالان باقيتين، وكذلك أهل الجنة لا يزالون في الجنة يتنعمون، وأهل النار لا يزالون في النار يعذبون وليس لذلك آخر». اهـ
فتأمل قوله: « قال أهل الإسلام جميعاً...وأهل النار لا يزالون في النار يعذبون وليس لذلك آخر»، إذ فيه تنصيص على أنّ هذا قول جميع أهل الإسلام، وعلى رأسهم أهل السنة والجماعة، خلافًا لما زعمه د.علي جمعة.
وصرّح الإمام تقي الدين السبكي بأن خلود الكفار في النار معلوم من الدين بالضرورة، فقال في «الاعتبار» (ص67): «ولذلك أجمع المسلمون على اعتقاد ذلك [خلود الكفار في النار]، وتلقوه خلفًا عن سلف، عن نبيهم ﷺ ، وهو مركوز في فطرة المسلمين، معلوم من الدين بالضرورة، بل وسائر الملل غير المسلمين يعتقدون ذلك، ومن رد ذلك فهو كافر، ومن تأوّله فهو كمن تأول الآيات الواردة في البعث الجسماني، وهو كافر أيضًا بمقتضى العلم، وإن كنت لا أطلق لساني بذلك». اهـ
قد نقلتُ في كتاب «انقلاب العذاب عذوبة» عن خمسين إمامًا من أئمة الإسلام حكاية "الإجماع" على دوام النار وعذابها الحسي.
ولهذا، فقد أخطأ د.علي جمعة خطأ فاحشًا حينما أوهم المستمع أن القول بفناء النار هو مذهب أهل السنة والجماعة.
ثانيًا: نَسَب د.علي جمعة مذهب ابن القيم وابن تيمية إلى «الصحابة والتابعين»!
وهذه نسبة فاسدة كاسدة، فلم يثبت عن الصحابة والتابعين شيء في هذا، وقد بيّن ذلك السبكي والصنعاني والكوثري وغيرهم، ولو صحّت تلك الآثار عنهم لكانت محمولة على طبقة عصاة الموحدين فحسب.
ثالثًا: ربطُه القولَ بفناء النار بمسألة «خلف الوعيد» مجرد خلط وإيهام، لأنّ الإجماع منعقد على امتناع خلف الوعيد في حق الكفار، قال الإمام الباقلاني الأشعري في التمهيد (ص402):
«..توقيف النبي ﷺ ، وإجماع المسلمين الذين لا يجوز عليهم الخطأ، أن الله لا يغفر لهم، ولا لأحد منهم؛ لأن الأمة بأسرها نقلت عن شاهد النبي ﷺ ، وهم حجة وأهل تواتر، أنهم علموا من دينه ضرورة أن جميع الكفار في النار خالدين فيها، وعرفوا قصده إلى استغراق الوعيد لجميعهم، وإرادته لكلهم، وأن الله يفعل ذلك بسائرهم».اهـ
أما خلف الوعيد عند الماتريدية والمعتزلة وكثير من الفرق الإسلامية، فهو محالٌ نقلًا وعقلًا أيضًا.
رابعًا: وصَفَ د.علي جمعة مَن يتحيّر في كلامه هذا بأنهم «الشباب والأطفال» تسفيهًا لعقل مَن يعترض عليه!
مع أنّ قوله مخالف لـ«أهل الإسلام جميعًا» كما صرّح الإمام الأشعري.
خامسًا: حاول د.علي جمعة أن يجعل مخالفة كلامه بسبب «ثقافة سائدة سادت بعد تولي العثمانيين شؤون المسلمين، وفي الدولة العثمانية...»!
وهذا من أعجب العجب! وكأن شذوذه في هذه المسألة كان مقبولًا قبل العثمانيين!!
وكأن الدولة العثمانية لم تكن دولة سُنيّة في الاعتقاد والفقه والتصوف..
وهل كان إنكار الأئمة على ابن تيمية -كالتقي السبكي والعلاء البخاري- بسبب الثقافة العثمانية؟!
سادسًا: صرّح د.علي جمعة بأنّ قوله «وارد ربنا يلغي النار» يستلزم أنّ «مَن فيها يكون عدمًا» لكنه لا يستلزم أنهم سيدخلون الجنة.
وهذا قاطع في بيان مراده، وأنه لا يرى إشكالًا في فناء النار وفناء أهلها، بل يرى الإشكال في دخول أهلها الجنة فقط!
سابعًا: قال د.علي جمعة: «ثم إنني لا أقول بفناء النار أصلًا، ولكن أنا افتح باب رحمه للناس».
أقول: إذا كان فناء النار هو «رأي أهل السنة والجماعة...بل هو ما يدرس في أهل السنة والجماعة عبر العصور...بل هو كلام الصحابة والتابعين والائمة المتبوعين عبر القرون» كما قال د.علي جمعة، فلماذا لا يقول به؟
فهل يخالف رأي أهل السنة والجماعة عبر العصور؟! وهل يذهب إلى خلاف كلام الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين عبر القرون؟!!
إذا كان د.علي جمعة يعلم شذوذ هذه العقيدة ومخالفتها لجميع الفرق الإسلامية، فلماذا ينسبها إلى أهل السنة والجماعة والصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين عبر القرون؟
وإذا كان يعتقد أنها بالفعل عقيدة عقيدة الصحابة والتابعين وأهل السنة على مر القرون، فلماذا لا يقول بها؟!
وكيف يكون في مخالفة القطعيات القرآنية فتح باب رحمة؟ بل هو فتح باب فتنة واختلاف واتباع للأقوال الشاذة.
ثامنًا: تصريح د.علي جمعة بأن قوله القديم «وارد ربنا يلغي النار» هو قول ابن القيم وابن تيمية، وكذلك استدلاله بنصوص الرحمة، وقوله بأنّ فناء النار يستلزم انعدام مَن فيها، كل ذلك يهدم تأويلات أصحابه الذين حملوا كلامه قديمًا على الجواز العقلي (مع فساد ذلك التأويل ببادئ النظر)؛ لأن ابن القيم وابن تيمية كانا يتحدثان عن فناء النار «شرعًا» لا عن جوازه «عقلًا»، ولأنّ استشهاده بنصوص الرحمة العامة استدلال «شرعي» لا «عقلي»، ولأن قوله بأن فناء النار يستلزم انعدام مَن فيها دون دخولهم الجنة.. صريحٌ في أنه يتكلم عن الوقوع لا عن «الجواز العقلي».
وسنرى بعض المدافعين عنه مستمرًا في دفاعه، متأولًا لكلامه مع وضوحه وجلائه، كما رأيناهم يفعلون سابقًا في كلامه عن انقلاب العذاب عذوبة وعن مقولاته في برنامج «نور الدين»، غافلين أو متغافلين عن المشروع الذي يسير في د.علي جمعة، ومتجاهلين عشرات التصريحات التي خرج بها على الإعلام منذ سنوات.
اللهمَّ أخرِجْنَا مِنْ ظُلُمَاتِ الوَهْمِ ، وأكْرِمْنَا بِنُورِ الفَهْمِ ، وافْتَحْ عَلَيْنَا بِمَعْرِفَةِ العِلْمِ ، وحَسِّنْ أخْلَاقَنَا بالحِلْمِ ، وسَهِّلْ لنَا أبْوَابَ فَضْلِكَ ، وانشُرْ عَلَيْنَا مِنْ خَزَائنِ رَحْمَتِكَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِين