النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: تعليقات مهمة على قضية (فناء النار أو تحولها إلى عذوبة) الذي يثيرها د علي جمعة!

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Aug 2006
    المشاركات
    1,843

    تعليقات مهمة على قضية (فناء النار أو تحولها إلى عذوبة) الذي يثيرها د علي جمعة!

    بسم الله الرحمن الرحيم
    هذه بعض التعليقات قام بها المشايخ الأفاضل جزاهم الله خيرا، تتعلق بآخر انحرافات د علي جمعة ونشره للأقوال الباطلة الفاسد على البرامج .



    الشيخ عثمان النابلسي:

    [د.علي جمعة يواصل مشروعه في نشر الآراء الشاذة على الملأ]

    بسم الله، والحمد لله، الصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
    فقد خرج د.علي جمعة أمس على قناة العربية، وفتح بابًا جديدًا لفتنة الناس قبيل رمضان كما فتنهم في رمضان السابق..
    قال المذيع المُحاور: «تقول: في إحدى الحلقات: (وارد ربنا يلغي النار في الآخرة)، خليني أسال أول شيء عن دوافعك لهذا الراي، وهل هناك مستندات وأدله شرعيه دفعتكم إلى هذا الطرح أو هذا الراي».

    فأجاب د.علي جمعة:
    «هذا رأي أهل السنة والجماعة، وليس رأيا جديدًا، بل هو ما يدرس في أهل السنة والجماعة عبر العصور، أن الله سبحانه وتعالى لا يخلف وعده ولكن قد يخلف وعيده، وقضية أن النار قد تفنى أو قد تلغى أو يفعل الله سبحانه وتعالى ما يشاء بتجلي رحمته؛ هذا مذهب أهل السنة، وأوردها ابن القيم، وكان هذا مذهب ابن تيمية رحمهم الله تعالى، فليس الأمر أمرًا جديدًا ولا حديثًا، ولا رأي توصلنا إليه من الأدلة مباشرة، بل هو كلام الصحابة والتابعين والائمة المتبوعين عبر القرون.. أن الله سبحانه وتعالى لا يخلف وعده ابدًا، وما دام قد وعدنا بالنعيم المقيم والغفران والرحمة، فإنه يوفي بوعده هذا، وهو أوفى من يوفي بوعده سبحانه وجل جلاله. لكنه في الوعيد.. ومن رحمته قد يتخلف هذا الوعيد، هذا كلام بسيط جدًا يحتار فيه الشباب والأطفال، ويفكرون فيه بالليل والنهار، هناك ثقافة سائدة سادت بعد تولي العثمانيين شؤون المسلمين وفي الدولة العثمانية...» إلخ كلامه عن مثال عذاب القبر.

    ثم سأله المُحاور: «لكن دكتور علي.. شيخ علي، يعني أنت تقول «وارد»، يعني أنت تضعها هنا مسألة احتمالية، يعني وأنت تعرف أن قضية الجنة والنار.. طبعًا هي من القضايا أو الثوابت العقدية عند المسلمين، هل ترى أن من المقبول أن نرمي آراء تكون ظنية أو احتمالية في هذه المسائل الكبرى في العقيدة الإسلامية؟».
    فما كان من د.علي جمعة إلا أن يذهب إلى مسألة أخرى، وهي مسألة خطاب الناس وفتح باب الرحمة لهم، واستشهد بعدد من النصوص التي اعتمد عليها ابن عربي في القول بانقلاب العذاب عذوبة، ككلامه عن البسلمة وما فيها من أسماء الرحمة، وحديث: «الراحمون يرحهم الرحمن»، وحديث البطاقة، وقوله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

    فقاطعه المحاور لأنّ جوابه بعيد عن السؤال، فقال: «حتى أفهم ويفهم كذلك المشاهد لنا، الآن وبشكل مباشر، أنت تقول بأن الله قد يلغي النار، هنا قد يرد عليك أحدهم يقول: هذا يعني بأن كل الناس سيدخلون الجنة، وبالتالي ما فائده الشرائع والرسل والانبياء والجزاء».اهـ

    فقال د.علي جمعة: «ما هذا الكلام يا سيدي، هذا من فقد المنطق، لأنهم لم يدرسوا المنطق الذي يرتب الكلام، لو أن الله سبحانه وتعالى أذن أن تصفق النار بعضها في بعض وأن ينهيها، فإن من فيها يكون عدمًا.. مَن قال إنه سيدخل الجنة؟! أومن قال إن فناء النار سيؤدي إلى دخول الجنة؟!! ثم إنني لا أقول بفناء النار أصلًا، ولكن أنا افتح باب رحمه للناس..» إلخ كلامه.

    أقول: في كلام د.علي جمعة عدة قضايا خطيرة:

    أولًا: لا يخفى على صغار الطلبة أنّ القول بفناء النار قولٌ مخالفٌ للإجماع ومصادم لمحكمات الكتاب والسنة.
    قال إمام أهل السنة أبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين (1/135):
    «قال أهل الإسلام جميعاً: ليس للجنة والنار آخر، وأنهما لا تزالان باقيتين، وكذلك أهل الجنة لا يزالون في الجنة يتنعمون، وأهل النار لا يزالون في النار يعذبون وليس لذلك آخر». اهـ
    فتأمل قوله: « قال أهل الإسلام جميعاً...وأهل النار لا يزالون في النار يعذبون وليس لذلك آخر»، إذ فيه تنصيص على أنّ هذا قول جميع أهل الإسلام، وعلى رأسهم أهل السنة والجماعة، خلافًا لما زعمه د.علي جمعة.

    وصرّح الإمام تقي الدين السبكي بأن خلود الكفار في النار معلوم من الدين بالضرورة، فقال في «الاعتبار» (ص67): «ولذلك أجمع المسلمون على اعتقاد ذلك [خلود الكفار في النار]، وتلقوه خلفًا عن سلف، عن نبيهم ﷺ ، وهو مركوز في فطرة المسلمين، معلوم من الدين بالضرورة، بل وسائر الملل غير المسلمين يعتقدون ذلك، ومن رد ذلك فهو كافر، ومن تأوّله فهو كمن تأول الآيات الواردة في البعث الجسماني، وهو كافر أيضًا بمقتضى العلم، وإن كنت لا أطلق لساني بذلك». اهـ
    قد نقلتُ في كتاب «انقلاب العذاب عذوبة» عن خمسين إمامًا من أئمة الإسلام حكاية "الإجماع" على دوام النار وعذابها الحسي.
    ولهذا، فقد أخطأ د.علي جمعة خطأ فاحشًا حينما أوهم المستمع أن القول بفناء النار هو مذهب أهل السنة والجماعة.

    ثانيًا: نَسَب د.علي جمعة مذهب ابن القيم وابن تيمية إلى «الصحابة والتابعين»!
    وهذه نسبة فاسدة كاسدة، فلم يثبت عن الصحابة والتابعين شيء في هذا، وقد بيّن ذلك السبكي والصنعاني والكوثري وغيرهم، ولو صحّت تلك الآثار عنهم لكانت محمولة على طبقة عصاة الموحدين فحسب.



    ثالثًا: ربطُه القولَ بفناء النار بمسألة «خلف الوعيد» مجرد خلط وإيهام، لأنّ الإجماع منعقد على امتناع خلف الوعيد في حق الكفار، قال الإمام الباقلاني الأشعري في التمهيد (ص402):
    «..توقيف النبي ﷺ ، وإجماع المسلمين الذين لا يجوز عليهم الخطأ، أن الله لا يغفر لهم، ولا لأحد منهم؛ لأن الأمة بأسرها نقلت عن شاهد النبي ﷺ ، وهم حجة وأهل تواتر، أنهم علموا من دينه ضرورة أن جميع الكفار في النار خالدين فيها، وعرفوا قصده إلى استغراق الوعيد لجميعهم، وإرادته لكلهم، وأن الله يفعل ذلك بسائرهم».اهـ
    أما خلف الوعيد عند الماتريدية والمعتزلة وكثير من الفرق الإسلامية، فهو محالٌ نقلًا وعقلًا أيضًا.

    رابعًا: وصَفَ د.علي جمعة مَن يتحيّر في كلامه هذا بأنهم «الشباب والأطفال» تسفيهًا لعقل مَن يعترض عليه!
    مع أنّ قوله مخالف لـ«أهل الإسلام جميعًا» كما صرّح الإمام الأشعري.

    خامسًا: حاول د.علي جمعة أن يجعل مخالفة كلامه بسبب «ثقافة سائدة سادت بعد تولي العثمانيين شؤون المسلمين، وفي الدولة العثمانية...»!
    وهذا من أعجب العجب! وكأن شذوذه في هذه المسألة كان مقبولًا قبل العثمانيين!!
    وكأن الدولة العثمانية لم تكن دولة سُنيّة في الاعتقاد والفقه والتصوف..
    وهل كان إنكار الأئمة على ابن تيمية -كالتقي السبكي والعلاء البخاري- بسبب الثقافة العثمانية؟!

    سادسًا: صرّح د.علي جمعة بأنّ قوله «وارد ربنا يلغي النار» يستلزم أنّ «مَن فيها يكون عدمًا» لكنه لا يستلزم أنهم سيدخلون الجنة.
    وهذا قاطع في بيان مراده، وأنه لا يرى إشكالًا في فناء النار وفناء أهلها، بل يرى الإشكال في دخول أهلها الجنة فقط!

    سابعًا: قال د.علي جمعة: «ثم إنني لا أقول بفناء النار أصلًا، ولكن أنا افتح باب رحمه للناس».
    أقول: إذا كان فناء النار هو «رأي أهل السنة والجماعة...بل هو ما يدرس في أهل السنة والجماعة عبر العصور...بل هو كلام الصحابة والتابعين والائمة المتبوعين عبر القرون» كما قال د.علي جمعة، فلماذا لا يقول به؟
    فهل يخالف رأي أهل السنة والجماعة عبر العصور؟! وهل يذهب إلى خلاف كلام الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين عبر القرون؟!!
    إذا كان د.علي جمعة يعلم شذوذ هذه العقيدة ومخالفتها لجميع الفرق الإسلامية، فلماذا ينسبها إلى أهل السنة والجماعة والصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين عبر القرون؟
    وإذا كان يعتقد أنها بالفعل عقيدة عقيدة الصحابة والتابعين وأهل السنة على مر القرون، فلماذا لا يقول بها؟!
    وكيف يكون في مخالفة القطعيات القرآنية فتح باب رحمة؟ بل هو فتح باب فتنة واختلاف واتباع للأقوال الشاذة.

    ثامنًا: تصريح د.علي جمعة بأن قوله القديم «وارد ربنا يلغي النار» هو قول ابن القيم وابن تيمية، وكذلك استدلاله بنصوص الرحمة، وقوله بأنّ فناء النار يستلزم انعدام مَن فيها، كل ذلك يهدم تأويلات أصحابه الذين حملوا كلامه قديمًا على الجواز العقلي (مع فساد ذلك التأويل ببادئ النظر)؛ لأن ابن القيم وابن تيمية كانا يتحدثان عن فناء النار «شرعًا» لا عن جوازه «عقلًا»، ولأنّ استشهاده بنصوص الرحمة العامة استدلال «شرعي» لا «عقلي»، ولأن قوله بأن فناء النار يستلزم انعدام مَن فيها دون دخولهم الجنة.. صريحٌ في أنه يتكلم عن الوقوع لا عن «الجواز العقلي».

    وسنرى بعض المدافعين عنه مستمرًا في دفاعه، متأولًا لكلامه مع وضوحه وجلائه، كما رأيناهم يفعلون سابقًا في كلامه عن انقلاب العذاب عذوبة وعن مقولاته في برنامج «نور الدين»، غافلين أو متغافلين عن المشروع الذي يسير في د.علي جمعة، ومتجاهلين عشرات التصريحات التي خرج بها على الإعلام منذ سنوات.
    اللهمَّ أخرِجْنَا مِنْ ظُلُمَاتِ الوَهْمِ ، وأكْرِمْنَا بِنُورِ الفَهْمِ ، وافْتَحْ عَلَيْنَا بِمَعْرِفَةِ العِلْمِ ، وحَسِّنْ أخْلَاقَنَا بالحِلْمِ ، وسَهِّلْ لنَا أبْوَابَ فَضْلِكَ ، وانشُرْ عَلَيْنَا مِنْ خَزَائنِ رَحْمَتِكَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِين

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Aug 2006
    المشاركات
    1,843
    الشيخ محمد أكرم أبو غوش:

    هناك أمر واقع هو أن د. علي جمعة مشوِّه للإسلام -كان متعمدا لذلك أو غير متعمد، مهما كان غرضه-، وهو في ذلك مساهم ضمن سلسلة من الذين نسبوا إلى الإسلام ما يخالفه بالضرورة كالقول بجواز النبوة الظلية بعد سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا وانقلاب العذاب عذوبة وفناء النار والقول بنجاة اليهود والنصارى وإنكار وجود الجن والمعجزات وإنكار الجهاد قتالا...

    ولِكَون صوت هذا التشويه للدين عاليا مدعوما في نشره في القنوات والجرائد بين المسلمين وغيرهم يجب علينا نحن (جميع المسلمين) تذكير أنفسنا وإخواننا ومن معنا ومن وراءنا بما هو ضروري من الدين وأن المخالفة في تلك الأمور كفر لكونها تتضمن تكذيبا للنص الصريح الذي جاء به سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا بما يقدر على فهمه كل عاقل.

    ونعم، من وظيفتنا وواجبنا تبشير الناس بالخير وتعليمهم أن الله تعالى هو الرحمن الرحيم، لكن لا يصحح ذلك أن نشوِّه الإسلام نفسه في تقريره للناس ونتلاعب بالألفاظ يمنة ويسرة... "أنا لا أقول ذلك لكنه مروي عن السلف وفلان وفلان، وفيه خلاف بين علمائنا". "أنا لا أقول ذلك لكنه جائز عند أهل السنة"... بما يتضمن الكذب على السلف والعلماء (عمداً أو جهلا).

    بل يجب علينا أن نعلن بأن حقيقة الإسلام تقتضي الاستسلام لله عز وجل وبأنه إليه يرجع الأمر كله، فمن يرفض الإسلام لأنه ينزعج من تخليد الكافر في النار فهو معترض على الله عز وجل أو غير معترف بالألوهية الحقة له سبحانه وتعالى... فحتى إن آمن بباقي ما يجب الإيمان به فهو غير مسلم ولا مؤمن ما دام مكذبا بما أخبر الله تعالى عنه.

    فالواجب علينا تجاه هذا الرافض للإسلام أن نعلمه أنه ليس له أن يحكم على الله تعالى في فعله وأنه عز وجل {لا يسأل عما يفعل}، لا أن نشوه له الإسلام حتى يظهر له بصورة مقبولة... فإننا بهذا التشويه نخون هذا الإنسان ونضلّه، كما أني إن خاطبت نصرانيا مثلا مشعرا له بأنه ناج مع بقائه على دينه الكفري هذا فأكون خائنا له مقصرا في حقه علي بتحذيره من الكفر.

    فإذا كنت تريد رحمة بالناس فأشفق عليهم من عذاب النار وأرشدهم إلى طريق النجاة، أما أن تقول بنجاة الجميع فهذا فيه تسهيل أن لا يتبعوا الشرع الشريف أصلا، وسيؤدي إلى المفاسد الدنيوية والأخروية.

    {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب}.
    اللهمَّ أخرِجْنَا مِنْ ظُلُمَاتِ الوَهْمِ ، وأكْرِمْنَا بِنُورِ الفَهْمِ ، وافْتَحْ عَلَيْنَا بِمَعْرِفَةِ العِلْمِ ، وحَسِّنْ أخْلَاقَنَا بالحِلْمِ ، وسَهِّلْ لنَا أبْوَابَ فَضْلِكَ ، وانشُرْ عَلَيْنَا مِنْ خَزَائنِ رَحْمَتِكَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِين

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Aug 2006
    المشاركات
    1,843
    وفي لقاء آخر ذكر د علي مسألة تحول العذاب إلى عذوبة !

    وللفادة أنقل كلاما للشيخ سعيد فودة عن موقف الشيخ عبد الغني النابلسي من المسألة

    قال الشيخ سعيد حفظه الله:
    النابلسي ثلاثة مواقف في مسألة واحدة!
    صدرت من النابلسي ثلاثة آراء في مسألة تحول العذاب إلى عذوبة في آخر الأمر، تلك المسألة الغريبة التي صدرت عن ابن عربي، سنستعرض هذه المواقف باختصار فيما يأتي:
    الموقف الأول: رأيه في كتاب (أسرار الشريعة)
    1-حكى النابلسي قول أهل السنة في أهل النار الذين هم أهلها قال في ص187: "أجمع الجمهور أن عذاب الكفار في نار جهنم دائم أبديٌّ لا زوال له"، والمراد بالجمهور ههنا
    كما يظهر لنا جمهور الإسلاميين، ومنهم جميع أهل السنة والجماعة، إذ لم يخالف منهم أحد في هذا الحكم، ونقلوا عليه الإجماع، ثم قال في ص188 واصفاً هذا القول: "وهذا هو الحق" والحق هو الصواب، والمفروض أن الحق واحد في هذه المسائل. قال: "ولا شك أن الكفار كان في نيتهم أنهم يبقون على كفرهم مدة بقائهم في الدنيا، فكان قصدهم الخلود في الكفر، ما داموا في الدنيا، فجازاهم الله تعالى بالخلود في نار جهنم جزاء وفاقا، وهذا هو الحقُّ"، انتهى، ويفهم من قوله وهذا هو الحق أنه يوافق ما ذكره الجمهور. ومن المعلوم أن قول أهل السنة ببقاء العذاب مع حصول الألم في أهل النار، وبقائهم مدركين لهذا الألم أبد الآبدين، هذا هو قول أهل السنة، لا مجرد وقوع صورة العذاب مع غيبة الألم عنهم أو عدم شعورهم، ولا مع اختلاط الألم باللذة، ولا مع خلوص اللذة وحدها كما قد يصوِّر بعض المخلطين.
    تقرير قولي ابن تيمية وابن عربي بلسان النابلسي
    2-قال بعد ذلك ص188: "ووراء ذلك أقوال تحكى ولا تعتقد"، وقوله ولا تعتقد أي ولا يجوز اعتقادها، وذلك لأنها وراء ذلك القول الذي حكم عليه بأنه الحقُّ. وما وراء الحق لا يعتقد.
    وذكر قولين:

    القول الأول: قول ابن تيمية في فناء النار، كما في ص188، وردَّ عليه، والكلام عليه معروف.

    القول الثاني: قول ابن عربي وغيره بتحول العذاب إلى عذوبة ولخصه بقوله ص189: "عذاب الكفار في النار ينقلب عذوبة، فيتلذذون به بعد انقضاء مدة الألم"انتهى. ولم ينكر نسبة القول لابن عربي، ولم يقل بأنه مدسوس.

    ولكنا نستغرب! فإذا كان يقول هنا إنه لا يجوز اعتقاد قول ابن عربي (ووراء ذلك أقوال تحكى ولا تعتقد)، فكيف يزعم أنه لا يخالف قول الجمهور، وهو مخالفٌ فعلاً.

    فقد قال النابلسي تعليقا على قول ابن عربي ص189: "وليس في هذا مخالفة لما ذكرناه من مذهب الجمهور أن عذاب الكفار في النار دائم أبديٌّ"اهـ، وقد بينا أنه مخالف لقول الجمهور، من حيث إنه ينفي ما أثبتوه. فهو ينفي تخليد الكفار في العذاب الأليم المشعور بألمه غير المتنعم به، وهم يثبتون ذلك، وهو يقول إن الكفار في آخر الأمر يؤولون إلى عذوبة ونعيم دائمين! وهم ينفون ذلك. فكيف يقال إنه لا يخالف قولهم!؟

    وقوله (ووراء ذلك أقوال...الخ) تصريح بأن القولين مخالفان لقول الجمهور، كما أن قوله (ولا تعتقد) فيه إبطال صحة القولين، ولو كانت صحيحة لما منع اعتقادها.
    ولكن مع زعمه أن قول ابن عربي غير مخالف، فكيف لا يُعتقد؟ ولو كان غير مخالف، لكان مساوياً، فالمخالفة تكون بالزيادة أو النقصان أو النقض كل ذلك يقابل عدم المخالفة، وقد أثبت عدم المخالفة، فيكون كل ذلك منفياً، فكيف لا يعتقد؟! وهل يريد بقوله (لا يعتقد): أي لا يجوز لأي واحد من الناس اعتقاده والخواص والعوام سواء في ذلك، أو أنه يجوز لبعضهم أن يعتقده دون بعض؟ والظاهر الإطلاق، ولكن من الظاهر على الأقل نعرف أن ابن عربي وغيره ممن يوافقه يعتقد ذلك القول، فهل يعترض النابلسي على ابن عربي وغيره عندما يعتقدون هذا القول.

    بطلان زعم النابلسي أن قول ابن عربي غير مخالف لقول الجمهور

    1-زعم النابلسي ص188 واصفا قول ابن عربي: "وليس في هذا مخالفة لما ذكرناه من مذهب الجمهور أن عذاب الكفار في النار دائم أبديٌّ". وهذه دعوى مخالفة للواقع، ولكلامه هو وللآيات وللأحاديث.
    فالصحيح: أن الجمهور! بحسب تعبير النابلسي قال: إن العذاب الذي يترتب عليه الألم مع دوام الشعور بالألم دائماً أبدياً، هذا كله هو قول الجمهور، لا مجرد دوام ما يسميه ابن عربي والنابلسي عذاباً أي صورة العذاب.
    وأما ابن عربي فيقول: الدائم الأبدي هو صورة العذاب فقط، والذي يترتب عليه في آخر الأمر هو العذوبة والنعيم أي الألم الذي يلتذون به لتغير طبيعتهم.
    وهذا مناقض لقول الجمهور الذين منهم أهل السنة، فلا يصح إذن قول النابلسي بأنه لا تخالف بين القولين.

    2-قال النابلسي ص189 محاولاً بيان عدم تعارض هذا القول مع قول الجمهور: "وإنما فيه -أي في قول ابن عربي- الإخبار عن أحوالهم في وقت العذاب الأبدي بحسب النشأة الأخروية"اهـ.

    أقول: وقول الجمهور! فيه أيضا الإخبار عن أحوالهم في العذاب الأبدي بحسب النشأة الأخروية، ولكن الجمهور يقول: العذاب بحقيقته التي هي الألم مع الشعور به دائم لا يتغير، ونشأتهم الأخروية لا تنقلب لتصير متنعمة بالألم وترتاح إليه وتفرح به كما يزعم ابن عربي.
    فالتعارض الواضح قائم بين قولهم وقول ابن عربي، خلافا لما يزعمه النابلسي. فكل من القولين مشترك مع الآخر في (الإخبار عن أحوالهم بحسب النشأة الأخروية). ولكن مجرد هذا القدر لا يستلزم عدم المخالفة كما يزعم النابلسي، لأن مضموني الحكايتين متناقضان مختلفان.

    يقول النابلسي: في مرحلة معينة: الكفار يتألمون من جهة الغضب، ويتلذذون من جهة الرحمة

    3-يقول النابلسي ص189 حين يضع الله قدمه في النار كناية عن التجلي لأهل النار بصفات الجلال تقول النار يكفيني يكفيني: "وذلك حين يشتد غضب الله تعالى على أهل النار، فيزداد العذاب عليهم، وحين يشتد الغضب تشتد أيضا الرحمة، لأنها سبقت الغضب، كما ورد التصريح بذلك، فيتعذبون من جهة اشتداد الغضب، ويتلذذون من جهة اشتداد الرحمة".
    إذن النابلسي يثبت أمرين كل واحد يقع من جهة: الأول العذاب نتيجة اشتداد الغضب عليهم، ومن جهة أخرى التلذذ نتيجة اشتداد الرحمة عليهم، فهناك إذن أمران وجوديان متعارضان يحصلان في الكفار في هذه المرحلة.

    المرحلة الأخيرة: زعم النابلسي زوال إدراك الألم، وبقاء إدراك اللذة والنعيم، وتناقض ذلك مع كلام الجمهور!

    4-بعد أن يقرر النابلسي أن هناك عذابا بألم من جهة، وتلذذا من جهة أخرى، فهل يبقى الأمر كذلك؟ يقول في ص190: "فعذاب أهل النار لا يزول أبداً، وكذلك تألمهم بذلك العذاب لا يزول أبداً، ولكن إذا غاب الإدراك عنهم من شدة العذاب لا يدركون العذاب، ويغيبون عن أنهم متألمون به غاية التألم لاشتغالهم بجمال الجلال الإلهي"، ونظَّر لذلك بأهل الجنة عندما يرون ربهم.
    يقول: وظاهر هذا الكلام المغايرة بين التألم وبين العذاب، وكلاهما لا يزول أبداً.
    ويزعم أنهم يغيب عنهم إدراكهم للعذاب من شدة العذاب. ويغيبون عن أنهم متألمون به غاية التألم...!؟
    فهل يقصد أنه يغيب عنهم إدراكهم لصورة العذاب، أو لأثر العذاب الذي هو الألم؟!
    وتعليله لغيبة الشعور بالألم أو التألم عنهم بقوله: لاشتغالهم بجمال الجلال الإلهي. ظاهره أنهم يتألمون مع عدم إدراك للألم، ويتلذذون لحصول أثر الجمال الإلهي الذي هو لذة قطعاً.

    وههنا سؤال:
    كيف يغيب إدراكهم للألم بسبب شدة العذاب، وغياب الإدراك يكون بأحد سببين:

    الأول: احتراق واسطة الإحساس وهو الجلد والأعضاء باحتراقها، بحيث تفسد صورتها وينعدم نقلها للألم، ولكن هذا باطل مع قول الله تعالى: (كلما نَضِجَت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب).

    والثاني: الإغماء والغيبة عن الوعي، ولكن هذا متعارض مع قوله تعالى (ثم لا يموت فيها ولا يحيى) ففيه نفي الموت وما في حكمه من الإغماء والغياب عن الشعور، كما فيه نفي الحياة الكاملة المستلزمة للنعيم واللذة التامة.
    ويبدو ظاهرا أن غياب إدراكهم للألم غير متوافق مع كلام الجمهور خلافا لما يزعمه النابلسي كما هو غير متوافق مع الآيات الكريمة.

    وأيضاً: فمع اشتغالهم بجمال الجلال الإلهي الذي هو قطعا يحدث اللذة في نفوسهم وغياب إدراكهم للألم من شدة العذاب! بحسب تعبيره، لا يبقى في شعورهم في آخر الأمر إلا اللذة الحاصلة نتيجة اشتغالهم بجمال الجلال الإلهي.
    فالحقيقة إذن في النهاية حصول اللذة وغياب الألم مع بقاء صورة التأليم والتعذيب أي أصل صورة العذاب.

    وهذا هو قول ابن عربي، فكيف يمكن أن يكون هذا القول غير مخالف ولا منافٍ لقول الجمهور؟!

    5- يقول النابلسي ص190: "فإن الله له هاتان الصفتان: صفة الجلال وصفة الجمال، فيتجلى لأهل الجنة بصفة الجمال، ولأهل النار بصفة الجلال، وكل من هاتين الصفتين فيها من الصفة الأخرى، لأن الموصوف بهما واحد، فالجمال باطنه جلال، والجلال باطنه جمال، ولا يزال الأمر هكذا أبد الآبدين ودهر الداهرين".
    أي لا يزال أهل النار مشاهدين لجمال الله من خلال تجلي جلاله عليهم، ولا يزالون لا يدركون الألم، بل مدركين للذة من هذه الجهة.
    فالباقي على أهل النار إذن هو الشعور باللذة وغياب إدراك الألم الناتج عن العذاب مع بقاء صورة العذاب.

    التعليق على هذا التأويل:
    التأويل المقترح من النابلسي فيه إثبات العذوبة واللذة الحقيقية، لا النسبية، وفيه دعوى أن التأليم يبقى أبدا، وإدراك ذلك يزول، وأن سبب غياب إدراك العذاب وغياب إدراكهم تألمهم بهذا العذاب غاية التألم من شدة الألم من جهة، وإدراكهم لجمال الجلال الإلهي المستلزم للتنعم والعذوبة من جهة أخرى. وهذا فيه مخالفة للآيات الواضحة ولقول الجمهور. كما أن قوله بقاء اللذة في آخر الأمر أبد الآبدين معارض لقول الجمهور خلافا لما ادعاه من عدم المخالفة.
    ونلاحظ أن النابلسي في هذا العرض لقول ابن عربي لم يهمل أبداً ذكر الرحمة التي سبقت العذاب، لأنه يعلم تماما أهميتها في مذهب ابن عربي، ولأنه مع إغفالها يختل نظام المذهب، وهذه ملاحظة مهمة ينبغي استحضارها لنفعها فيما يأتي.
    اللهمَّ أخرِجْنَا مِنْ ظُلُمَاتِ الوَهْمِ ، وأكْرِمْنَا بِنُورِ الفَهْمِ ، وافْتَحْ عَلَيْنَا بِمَعْرِفَةِ العِلْمِ ، وحَسِّنْ أخْلَاقَنَا بالحِلْمِ ، وسَهِّلْ لنَا أبْوَابَ فَضْلِكَ ، وانشُرْ عَلَيْنَا مِنْ خَزَائنِ رَحْمَتِكَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِين

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Aug 2006
    المشاركات
    1,843
    الموقف الثاني: كلام النابلسي في المطالب الوفية
    ألف النابلسي المطالب الوفية بعد أسرار الشريعة، وقبل تأليفه كتاب شرح فصوص الحكم.
    في موضع بحثه في مسألة تحول العذاب إلى عذوبة من هذا الكتاب، إشكالات عديدة، ليس هدفنا ذكرها هنا، فقد خصصنا لها موضعا آخر في تفصيل كافٍ. وما نبينه هنا بضعة أمور فقط، يتعلق بعرض القول دون الرد عليه.

    ونذكر هنا نقاطا نوضح فيها أهم المحاور في تأويله الجديد:

    الأولى: تصريح النابلسي بان قول ابن عربي بصورته المعهودة مخالف لقول أهل السنة والحق
    إن النابلسي يصرح هنا بأن القول المنسوب لابن عربي مخالف لأهل السنة والجماعة، ولا يتوقف في ذلك ولا يتردد كما يدعي المعاندون البارعون في المشاغبات والمغالطات،
    ويقول النابلسي: وإنه ينبغي تأويله، أي لأنه مخالف لقول أهل السنة والحق، وقد رأيناه يدعي في أسرار الشريعة أنه غير مخالف لهم! فبعد أن قام بتوضيح تأويله للرأي المشهور عن ابن عربي من تحول العذاب إلى عذوبة، إلى ما ارتآه كما سنبينه، قال: "وأظن أن كلام الشيخ محيي الدين ابن العربي رضي الله عنه من هذا المنزع، لأنه من كبار أئمة أهل السنة والجماعة ولا يصدر عنه إلا ما هو المطابق لمذهب أهل الحق"اهـ ، وهذه كلمة مهمة، فهو يزعم أن ابن عربي ملتزم بمذهب أهل السنة والجماعة، ولذلك إن نسب إليه أو قال أمراً مخالفا لأهل السنة والجماعة كما هو هذا القول فلا بدَّ من إعادة تأويل هذا الرأي ليكون أقرب ما يكون إلى مذهب أهل السنة غير مخالف لأصولهم، فإن الأصل عنده -في هذا الكتاب-عدم مخالفتهم! وإن كان قد خالفهم في غيره من الكتب ولم يلتزم هذا الأصل وهذا الحال باعثٌ على العجب!

    إذن الموقف الصريح منه أن القول المشهور الذي سنراه ينصره في شرح الفصوص كما نصره في أسرار الشريعة مخالف فعلا لأهل السنة والجماعة! وهذا أمر في غاية الغرابة، فإذا كان النابلسي قد نصر هذا القول في أسرار الشريعة الذي ألفه قبل المطالب الوفية، وقام بنصرته أيضا في شرح الفصوص الذي ألفه بعد المطالب الوفية واحتفى به، أفلم يكن يعلم أن هذا القول مخالف لأهل السنة والجماعة من قبل ومن بعدُ!؟ بلى كان يعلم! أفلا يحتاج منا هذا الموقف إلى تأمل؟ أليس هذا أمراً مستغرباً يحتاج إلى تفسير؟!
    وعلى ما اختاره النابلسي تبعا لابن عربي في نصرة هذا القول فإنه يعترف على نفسه بأنه مخالف لأهل السنة والجماعة، فأين قوله الذي نقلناه في حق ابن عربي أنه "لا يصدر عنه إلا ما هو المطابق لمذهب أهل الحق" إذن؟! ما معنى أن ابن عربي لا يصدر عنه ما يخالف مذهب أهل الحق، مع أنه صدر عنه هذا القول المخالف لهم؟! اضطراب عظيم! وتخبط ظاهر! لا بد أن له سبباً.

    الثانية: تقرير تأويل النابلسي لقول ابن عربي في المطالب الوفية
    خلاصة ما ذكره النابلسي في المطالب الوفية أن الكفار ينتقلون من معاينة تجلي عين الغضب، ويرجعون إلى ألم العذاب الذي كانوا فيه، فهم في الحالتين في ألم وعذاب دائمين، وما ثمة عذوبة ولا تنعم حقيقيّ.

    قال: "وغاية ما يمكن أن يقال في ذلك:
    أنّ صفة الغضب الإلهي لا تتعطل وإنما تحلُّ على أهل النار فيغيبون في شهودها، فلا يدركون عند ذلك ألم العذاب الذي هو أثر تلك الصفة، لاشتغالهم بما هو أعظم من ذلك الذي كانوا يشهدونه من ألم العذاب، وهو شهود تلك الصفة، لأنهم يقعون في شهود عين الغضب الإلهي، فإذا رجعوا إلى شهود العذاب وجدوه عذوبة بالنسبة إلى ما يشهدونه من عين الغضب الإلهي، كما أن أهل الجنة إذا أحل عليهم تعالى رضوانه واشتغلوا بشهود صفة الرضوان الإلهي يغيبون عن شهود نعيم الجنة، فكذلك أهل النار لا يزول عذابهم ولا ألمهم"اهـ.
    إذن فهم في الحالتين في ألم، ولا يتكلم ههنا عن عدم إدراك الألم، بل يجري الأمر على ظاهره من استمرار إدراك الألم والشعور به، ولا يثبت في هذا التأويل عذوبة حقيقية ولا تنعما حقيقياً، بل إطلاق العذوبة الوارد في كلام ابن عربي إنما هو على حالة الانتقال من الألم الأشد إلى الألم الأخف، ومع أن هذا منافٍ لنص القرآن الكريم، فهو أمر أشبه بالمجاز، وما ثم حقيقة للعذوبة هنا، وابن عربي لا يتكلم في هذه المسألة عن مجرد تعبير مجازي، وإلا فكيف يصفه بأنه من الأسرار!

    الثالثة: تجلي صفة لغضب هل في باطنه رحمة أم ألم وعذاب...تناقض صارخ
    الغريب أن النابلسي وإن سمعناه يقول في أسرار الشريعة: إن تجلي الغضب يشتمل على نوع من الرحمة وبناء عليه يتنعمون، إلا أنا ههنا نتفاجأ به يقول: "واشتغال أهل النار بما هو أعلى من العذاب وهو الغضب"اهـ، أي إن الغضب هو حالة مؤلمة أشد إيلاماً من حالهم الحاصل من العذاب الأول، وليس ذلك التجلي رحمة للكفار، ولا هو عذوبة لهم. وهذا مناقض تماما لما صرح به في أسرار الشريعة، ومناقض لما سيصرح به في شرح الفصوص.
    وحالة التناقض المتكررة الغريبة هذه لا بد لها من تفسير أيضاً!

    مع أنها قد تنحل أيضا إذا افترضنا أن النابلسي مع قوله بدوام الألم في المرتبتين، إلا أنه يقول إن الألم يذوقونه لذة وعذوبة ونعيماً، غاية الأمر أنه لم يصرح بذلك هنا!! أو قد يقال: إن كلامه ههنا على مرحلة معينة من المراحل التي يمر فيها أهل النار، لا آخر المراحل التي يستقرون فيها أبد الآباد، وهي حالة النعيم. ولكن تظهر إشكالية أخرى على هذا الاحتمال وهي المخاتلة الظاهرة لاختلاف مقام الكلام.

    الرابعة: أصول مخالفة لأهل السنة يعتمدها النابلسي في تأويله المقترح في المطالب الوفية
    إن بعض الأصول التي يعتمد عليها النابلسي في تأويله المذكور هنا غير موافقة لقواعد أهل السنة كما وضحناه في مقال موسع شرحنا فيه بتوسع رأيه ورددنا عليه في تفاصيل كلامه، ولما كان المراد هنا مجرد عرض أقواله المختلفة المتناقضة لا الرد والتحليل الموسع، فقد عزفنا عن ذكر ذلك كله، واكتفينا بهذه الإشارة. وهذا معناه أن النابلسي في محاولته التأويلية هذه قد خالف أهل السنة في بعض الأصول التي قررها.

    الخامسة: اقتصر النابلسي في هذا التأويل على إعمال صفة الغضب وأهمل بالكلية صفة الرحمة مع ما لها من أصالة في مذهب ابن عربي
    الغريب الذي نلاحظه في هذا التأويل، أنه اقتصر فيه على ذكر صفة الغضب، فقط، ولم ينبه مطلقا إلى مدخلية صفة الرحمة في هذه المسألة مع أننا صرنا خبيرين بما لها من أصالة في كلام ابن عربي، وفي رأيه المتعلق بعذاب أهل النار وتحوله إلى عذوبة في حقهم.

    والسؤال المهم هنا:
    لم عزف النابلسي عن ذكر مدخلية صفة الرحمة، ولم ينبه أصلا إلى ذلك من قريب ولا من بعيد، بينما نراه في أسرار الشريعة اعتمد عليها بصورة رئيسية وكذلك اعتمد عليها في شرحه على الفصوص، وهي بلا ريب مما لا ينسى ولا يغفل عنه!

    الخلاصة والتعقيب:
    التأويل المذكور في المطالب الوفية، وإن نفى فيه تحول العذاب إلى عذوبة على سبيل الحقيقة، وزعم أن مراد ابن عربي مجرد تغير مراتب العذاب على أهل النار من عذاب أشد إلى عذاب أدنى، وزعم أن إطلاق العذوبة على لسان ابن عربي يراد به الانتقال النسبي من الأشد إلى الأخف. وهذا التأويل بالنظر إلى كلام ابن عربي وقواعده المحكمة في كتبه، كما يعرفها النابلسي تماما، تأويل باطل، لا يمكن قبول أنه مراد ابن عربي، فهو مجرد تكلف تكلفه النابلسي لتخليص ابن عربي من المخالفة الصريحة لأهل السنة، وهو عالم أنه يخالفهم في هذه المسألة وفي غيرها. والغريب أنه وافقه في أسرار الشرعة، ووافق كلام ابن عربي في شرحه على الفصوص كما قلنا. فهذا التناقض الصارخ في كلام النابلسي فيه ما فيه، ووراءه ما وراءه.

    ونستغرب من قوله إن ابن عربي من أهل السنة ولا يمكن ان يخالفهم، فكيف رمى النابلسي بهذا الكلام وراء ظهره، وصرح بأن ما قاله ابن عربي في الفصوص وغيرها من الكتب هو الحق الصريح وإن خالف ما قرره أهل الحق، أعتقد أن هذه الإشكالية تمهد للكشف عما وراءها من معنى الشريعة والحقيقة، وما قد ينكشف من بحوث إذا دققت بحوثهما وآراؤهما.
    اللهمَّ أخرِجْنَا مِنْ ظُلُمَاتِ الوَهْمِ ، وأكْرِمْنَا بِنُورِ الفَهْمِ ، وافْتَحْ عَلَيْنَا بِمَعْرِفَةِ العِلْمِ ، وحَسِّنْ أخْلَاقَنَا بالحِلْمِ ، وسَهِّلْ لنَا أبْوَابَ فَضْلِكَ ، وانشُرْ عَلَيْنَا مِنْ خَزَائنِ رَحْمَتِكَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِين

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Aug 2006
    المشاركات
    1,843
    الموقف الثالث: رأي النابلسي في شرح الفصوص

    كتب النابلسي شرح فصوص الحكم بعد تأليفه المطالب الوفية، وبعد أن كتب أسرار الشريعة أو الفيض الرباني والفيض الرحماني، فقد انتهى النابلسي من تأليف المطالب الوفية في سنة 1087هـ، وكان عمره 37عاما، وانتهى من كتابة شرحه على الفصوص في سنة في سنة 1096هـ وكان عمره 46عاماً.
    وسنرى في هذا الكتاب أن النابلسي يصرح بموافقته ورضاه بمذهب ابن عربي بما فيه من خلود الكفار في آخر أمرهم في النعيم المقيم أبد الآبدين، ولا عذاب في آخر الأمر، وأن النعيم والعذوبة حقيقية، ولا يرى حاجة لتأويله ليصبح موافقا لأهل السنة! خلافا لما صرح به في المطالب الوفية كما رأينا. وهذا ما يدفع إلى العجب التام.

    وسنوضح باختصار أيضا خلاصة رأيه وموقفه من مذهب ابن عربي كما بينه في شرح الفصوص.

    أولا: يقول النابلسي في فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية في شرح قول ابن عربي عن الكفار من قوم نوح عليه الصلاة والسلام في (1/209-210): "(فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا، فكان الله عين أنصارهم، فهلكوا فيه) أي اضمحلت ذواتهم في ذاته وصفاتهم في صفاته، فلم يقدروا على التميز عنه، والانفصال منه (إلى الأبد) فهم يعذبون بشهود جلاله في جماله ويستعذبون العذاب، فيتلذذون بشهود جماله في جلاله، وهذه حالة أهل النار في جميع الأطوار، فعذابهم لا ينقطع واستعذابهم لا يندفع، والألم فيهم متجدد وهو نفس التلذذ المتعدد، يعرف هذا أهل الذوق السليم وأصحاب القلب الذي في عشقه لم يزل يهيم والله بكل شيء عليم"اهـ.

    وكلامه هذا تصريح واضح في أن أهل النار يتلذذون بنفس الألم الحاصل فيهم في آخر الأمر، فالألم نفس التلذذ المتعدد، فعذابهم لا ينقطع واستعذابهم لا يندفع.

    ثانيا: ويقول النابلسي (1/332): "(وإن دخلوا) أي أهل الوعيد (دار الشقاء) في يوم القيامة وهي جهنم (فإنهم) يبقون فيها كما ورد في حقهم من أنواع العذاب، ولكنهم بعد ذهاب استيلاء الوهم عليهم وتحققهم في أنفسهم بوضع الجبار قدمه كما ورد في الحديث :"لا تزال النار يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع الجبار قدمه فيها فتقول قط قط"، إلى آخره، أي يكفي يكفي، (على ذلة فيها) أي في دار الشقاء لموافقة أمزجتهم لذلك وهو (نعيم) آخر (مباين) أي مخالف (نعيم جنات) أي جنات (الخلد) فلكل قوم نعيم يليق بهم ويذوقونه دون الآخرين. (فالأمر) الإلهي (واحد) أي أهل النار وفي أهل الجنة وعند الفريقين لذة ونعيم باعتبار شهود الأمر الواحد والممد الواحد الذي قال (كلا نمد هؤلاء وهؤلاء) (وبينهما) أي بين نعيم أهل النار ونعيم أهل الجنة (عند التجلي) على أهل النار الذي كنى عنه بوضع القدم كما مرَّ في الحديث (تباين) أي تباعد، فنعيم أهل النار صورته صورة عذاب ونكال، وحميم وسلاسل وأغلال، ونعيم أهل الجنة صورته صورة تمتع بالحور والولدان والقصور وأنواع اللذائذ، فنعيم أهل النار نعيم روحاني، ونعيم أهل الجنة نعيم جسمانيٌّ. وذلك بعد استغاثتهم من العذاب وقولهم يا مالك ليقض علينا ربك من كثرة استيلاء الأوهام على نفوسهم، كما كانوا في الدنيا جزاء وفاقاً، فإذا تحققوا بوضع القدم زال عنهم ذلك وانطبقت عليهم جهنم، وتلذذوا بالعذاب حيث كان معروفاً عندهم على الحقيقة أنه صادر من المحبوب الحقيقيّ الذي هو رب الأرباب ...[إلى أن قال] فعند ذلك ينقلب العذاب عذوبة لهم مع بقائه كما كان على الأبد، ولهذا قال (يسمى) أي ذلك العذاب عذاب أهل النار (عذابا) مشتقا (من) العذوبة وهي الحلاوة لأجل (عذوبة طعمه) في أذواقهم، وإن بقيت عينه في الظاهر معاقبة وإيجاعاً (وذاك) أي ما هو في الظاهر من صورة المعاقبة (له) أي لما في الباطن من اللذة والعذوب (كالقشر) الذي يكون للبوب والحبوب (والقشر صائن) أي حافظ ساتر". اهـ.

    وتأمل كيف يقول إنهم يتلذذون بالعذاب لأنهم يعلمون أنه صادر من المحبوب الحقيقيّ؟ أيتكلم في هذا الكلام عن تلذذ نسبي أو اعتباريّ، أم إنه تلذذ حقيقيّ، ومن المعلوم كما قرره هو في بعض كتبه أن إثبات التلذذ في النار باطل مخالف لأهل السنة.

    ثم قال: "وهذه المسألة من الأسرار ولا طريق إليها من جانب أهل العقول والأفكار، وليس فيها مصادمة شيء من ظواهر أحكام الشريعة ولا مخالفة لما عند علماء الظاهر بحسب الظاهر أن أسرار الباطن مستورة عن المقيد بأغلال الطبيعة". اهـ.

    إذن النابلسي يصرح بوضوح تام أن العذاب بعد فترة ينقلب طعمه عذوبة في الكفار، بعد انقلاب أجسامهم، وأن العذوبة هذه حقيقية ليس نسبية ولا اعتبارية كما كان يقول في المطالب الوفية، وأن القول بانقلاب العذاب والألم عذوبة ليس فيه مصادمة للشريعة، وهذا خلافا لما قرره بكل وضوح في المطالب الوفية من أنه مخالف للشريعة، ولذلك شرع في تأويله التأويل المتهاوي الذي عرضناه ليحاول أن يجعل قول ابن عربي موافقا للشريعة بعد تأويله ونفي إرادة العذوبة الحقيقية، ولكنه هنا يقرر أن تأبد العذوبة الحقيقية لا داعي لتأويله، وأنه لا تخالف الشريعة. وقد عرفنا أنها مخالفة لها، كما صرح أعلام الدين بذلك أيضاً.
    ولا ريب في خطورة كلام ابن عربي هنا، ولكن تناقض النابلسي وتلونه من كتاب إلى كتاب لا يقل خطورة عن قول ابن عربي.

    ثالثا: يعيد النابلسي شرح هذا المذهب مرة أخرى في (1/401) من شرح الفصوص فيقول: "فنعيم الرؤية لأهل الجنة نعيم روحاني، ونعيم الجنة نعيم جسماني، وعذاب الحجاب لأهل النار عذاب روحاني، وعذاب النار عذاب جسماني" وأهل النار لا يزالون في الآخرة يتعذبون: "إلى أن يضع الجبار قدمه في النار كما ورد في الحديث وينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط، وهذا كناية عن غلبة القرب الذاتي عليهم الذي فيه الكل ورسوخهم فيه، فعند ذلك يحصل في أذواقهم ما صرح به الشيخ المصنف قدس سره في هذا الكتاب وغيره من كتبه من اللذة بالعذاب، مع بقاء عينه عذاباً مؤلماً موجعاً، وهذا البيان من فتوح الوقت والحمد لله على إنعامه (من جهة المنة) أي الفضل الإلهي عليهم كما هو حال نعيم أهل الجنة".
    إذن القول بأن العذاب يصير لذة في أذواق الكفار هو من فتوح الوقت عند النابلسي في هذا الكتاب، وهو مخالف لأهل الحق والكتاب والسنة في المطالب الوفية!

    رابعا: يعيد النابلسي في مواضع مختلفة هذه المعاني ويصر عليها، وهذا الموضع آخر ما ننقله في مقالنا هذا، فقد قال النابلسي في شرحه على الفصوص (1/440): "وأهل الجنة في الجنة خالدون، وأهل النار في النار خالدون، وما سماه نعيماً في حق هؤلاء لا يزول عنهم أبداً، وما سماه عذاباً أليما لا يزول عنهم أبداً، والشريعة حق والحقيقة حقٌّ ولكن الجاهل في عمى وإن كان إلى العلم انتمى"، ثم قال في (1/441): "والمخلوقات كلها متغيرة متبدلة في كل حين كما هو المشاهد في الدنيا، وكذلك في الآخرة وإن كانت الآخرة متسرمدة عليهم وأهل الجنة والنار باقون على الأبد، ولكن تغيير أحوالهم في ظواهرهم وبواطنهم كائنة لا محالة، فإذا أدركت الرحمة جميع أهل الآخرة وعمتهم مع بقاء أحوالهم فيها على ما هي عليه وتبدلها من حيث الأذواق باطنا فلا بعد في ذلك، والنصوص بسبق الرحمة والغضب واردة، والإشارة القرآنية على ذلك متعاضدة. (فمن) بعض (عباد الله) تعالى (من تدركهم تلك الآلام) والبلايا التي أدركت أهل السعادة في الحياة الدنيا تدركهم (في الحياة الأخرى في دار تسمى دار جهنم ومع هذا) أي إدراك الأمر لهم في الحياة الأخرى (لا يقطع أحد من أهل العلم) بالله تعالى (الذين كشفوا الأمر) الإلهي في جميع العالمين (على ما هو عليه) في نفسه (أنه) أي الشأن (لا يكون لهم) أي لأهل الشقاء في الآخرة (في تلك الدار) التي تسمى جهنم (نعيم) روحاني ذوقي (خاص بهم) ليس مما يعهد في الحس والعقل (إما بفقد ألم )العذاب الذي (كانوا يجدونه) في نار جهنم، مع بقاء صورة العذاب عليهم إلى الأبد (فارتفع عنهم) وجعه وبقيت عينه على ما هو عليه. (فيكون نعيمهم راحتهم عن وجدان ذلك الألم) الذي كانوا يجدونه أولا مدة يوم القيامة حتى ينقضي كما انقضى يوم الدنيا..[إلى أن قال]....(أو يكون) لهم في النار (نعيم مستقل) غير الراحة وزوال الألم (زائد) على الراحة وزوال الألم المذكور (كنعيم أهل الجنان في الجنان). وقد اختلف أهل الله تعالى في هذه المسألة، وكلهم مجمعون بطريق الكشف والإشارة اللائحة من النصوص العقلية [ربما تكون النقلية] على أن المآل والمرجع إلى الرحمة وسبقها للغضب وتأخر الغضب عنها (والله أعلم) بما هو الأمر عليه في نفسه وهو الحكيم الخبير". انتهى.

    إذن فابن عربي ومعه النابلسي يقطعان بزوال الألم على كل حال، ويمكن مع ذلك أن يتحول العذاب إلى عذوبة بعد زوال الألم، وهو ما تدل عليه نصوص ابن عربي في مختلف المواضع.

    أقول: نرى بوضوح كيف أدخل مفهوم الرحمة الإلهية وسبقها للغضب في هذا الكتاب ونتج عنده أن قول ابن عربي هو الحقّ والحقيقة وتدل عليه إشارات القرآن، فتبقى صورة العذاب ولكن يكون أثره في أذواق الكفار لذة ونعيما.
    ويزداد التساؤل عندنا مرة أخرى لم تغافل عن ذكر الرحمة وسبقها للغضب في المطالب الوفية، واكتفى بذكر وجوب دوام أثر الغضب هناك! مع أنه يجب أن يذكره في معرض بيان قول ابن عربي كما هو بين.
    اللهمَّ أخرِجْنَا مِنْ ظُلُمَاتِ الوَهْمِ ، وأكْرِمْنَا بِنُورِ الفَهْمِ ، وافْتَحْ عَلَيْنَا بِمَعْرِفَةِ العِلْمِ ، وحَسِّنْ أخْلَاقَنَا بالحِلْمِ ، وسَهِّلْ لنَا أبْوَابَ فَضْلِكَ ، وانشُرْ عَلَيْنَا مِنْ خَزَائنِ رَحْمَتِكَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِين

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Aug 2006
    المشاركات
    1,843
    خاتمة
    لا نتردد لحظة في أن ابن عربي قائل بتحول العذاب لعذوبة وبانقطاع العذاب عن أهل النار، كما تدل عليه عباراته الواضحة.
    ولا نتردد لحظة في أن النابلسي يجزم بأن ابن عربي قائل بذلك. ومحاولته البائسة تأويل كلام ابن عربي في المطالب الوفية لا ينبغي لمن يحترم قواعد العلم أن يلتفت إليها أصلاً لظهور نقصها وعدم مطابقتها كلام ابن عربي، وتكلفها الشديد. كما أنا رأينا النابلسي هو أيضاً لم يتلفت إليها في شرحه على الفصوص. كما أن الركون إلى نحو هذه التكلفات والتعسفات مفسد للعلم وقواعده.
    وكان قد ذكر لنا بعض الأصحاب قبل سنين أن المطالب الوفية من أواخر كتب النابلسي ففرحنا بذلك وظننا أنه ترك مخالفة أهل السنة والجماعة في هذه المسألة، ورجع إلى قولهم، حتى إنه يحاول إرجاع قول ابن عربي إليهم، وهذا يبعث على الفرح والسعادة وإن لم يكن موفقا في تأويلِهِ رأيَهُ! ولكن تبين لنا أن المطالب الوفية ألفه قبل الفصوص وبعد الفتح الرباني، وهذا الأمرُ دفَعَنا إلى التساؤل مرة تلو مرة عن السبب الذي من أجله تغير كلام النابلسي في المطالب الوفية ليزعم أن كلام ابن عربي في نظره مخالف لأهل السنة والجماعة وغير مطابق لآيات القرآن، إلى القول بأنه غير مخالف كما رأيناه يزعم ذلك في الفتح الرباني وفي شرحه على الفصوص! وتساءلنا أيضا عن سبب تراجعه عما ذكره في المطالب الوفية. فإن تبين له أن تأويله متهافت، فهل هذا دافع له لأن يوافق ابن عربي في رأيه الذي يقرر هو نفسه أنه مخالف لأهل السنة والكتاب والسنة! وقد لا يبدو للباحث أن هناك تغييراً في حقيقة الاعتقاد ولكن في أمر آخر.
    وكل ما ذكرناه من هذه النصوص تدل دلالة قاطعة على أن ابن عربي يقول بهذا الرأي وعلى أن النابلسي يتابعه في ذلك، ويزعم تبعا لابن عربي عدم مخالفته للكتاب والسنة.

    أما قول النابلسي الذي نقلناه آنفاً: "وأهل الجنة في الجنة خالدون، وأهل النار في النار خالدون، وما سماه نعمياً في حق هؤلاء لا يزول عنهم أبداً، وما سماه عذاباً أليما لا يزول عنهم أبداً، والشريعة حق والحقيقة حقٌّ ولكن الجاهل في عمى وإن كان إلى العلم انتمى"اهـ، يعني أن صورة العذاب تبقى كما صرح بذلك مراراً، ولكن العذوبة والنعيم هو الذي يذوقه الكفار، فهناك إذن حكم يقال في ظاهر الشريعة وهو دوام العذاب في حق الكفار، وهو موافق للحقيقة التي يقررها ابن عربي من انقلاب العذاب عذوبة، ويزعم النابلسي أنه موافق للشريعة أيضاً وهنا مبعث العجب. فإما أن يريد أن ما فهمه أهل الشريعة من دوام العذاب مع الألم وإدراكهم له كذلك باطل، وأن الحق هو ما قرره ابن عربي من أن الألم يبقى مدة ثم ينقلب إلى نعيم ولذة. وإما أن يقول إن ما يفهم من ظاهر الشريعة من دوام العذاب والألم حق بحسب مرتبة معينة، ومن اعتقده فهو موافق لظاهر الشريعة، وأن هناك مرتبة أخرى من الحقيقة ليست في ظاهر الشريعة بل في باطنها وتفهم من إشارات الظاهر، وهي الحق المطلق في مرتبة الحقيقة. فهناك إذن على هذا التخريج منزلتان من المعرفة واحدة ظاهرة وأخرى خفية باطنة لا يدركها إلا الأقلون. وعلى كلا الاحتمالين فالأمر مشكلٌ كما لا يخفى.

    ولنا أن نسأل النابلسي وابن عربي ههنا: ما حكم العلماء الذين أعلنوا وقطعوا بأن القول بتحول العذاب إلى عذوبة أو نعيم، أو أنه ينقطع عن أهل النار الذين هم أهلها هو كفر أو زندقة أو نحو ذلك، بغض النظر عن قائله، هل هم أيضا جهلة بالحقيقة؟ أو مخالفون لأولياء الله؟ علما أن بعض هؤلاء هم أمثال الشيخ الدردير واليوسي وغيرهم فضلا عن أفاضل المتقدمين من أعلام أهل السنة والمتأخرين منهم الذين أجمعوا على أن الآيات الكريمة لا يصح صرفها عن ظاهرها ونقلوا الإجماعات على ذلك، وقد تكفل بإظهارها وتنبيه الناس عليها بعض الأصحاب.

    وقد حاولت في هذا المقال الإيجاز ما استطعت وتجنبت التطويل، وأودعت كثيرا من المناقشات والتحريرات في نقدي المطول لكلام النابلسي.
    والله أعلم واحكم، وإليه المآب والمرجع.
    ولا حول ولا قوة إلا بالله
    وليس لنا إلى غير الله تعالى حاجة ولا مذهب
    سعيد فودة
    10-6-2020م
    اللهمَّ أخرِجْنَا مِنْ ظُلُمَاتِ الوَهْمِ ، وأكْرِمْنَا بِنُورِ الفَهْمِ ، وافْتَحْ عَلَيْنَا بِمَعْرِفَةِ العِلْمِ ، وحَسِّنْ أخْلَاقَنَا بالحِلْمِ ، وسَهِّلْ لنَا أبْوَابَ فَضْلِكَ ، وانشُرْ عَلَيْنَا مِنْ خَزَائنِ رَحْمَتِكَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِين

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Aug 2006
    المشاركات
    1,843
    ولمزيد تفصيل انظر:

    كتاب: بحوث في الخلاص الأخروي عند ابن عربي الحاتمي. تأليف: الشيخ عثمان النابلسي، وتقديم الشيخ سعيد فودة ط. دار الأصلين

    كتاب: انقلاب عذاب أهل النار الذين هم أهلها إلى عذوبة ونعيم أبديين ، تأليف: شيخ سعيد فودة، شيخ عثمان نابلسي، شيخ جاد الله بسام، الشيخ بلال النجار، ط. دار الأصلين
    اللهمَّ أخرِجْنَا مِنْ ظُلُمَاتِ الوَهْمِ ، وأكْرِمْنَا بِنُورِ الفَهْمِ ، وافْتَحْ عَلَيْنَا بِمَعْرِفَةِ العِلْمِ ، وحَسِّنْ أخْلَاقَنَا بالحِلْمِ ، وسَهِّلْ لنَا أبْوَابَ فَضْلِكَ ، وانشُرْ عَلَيْنَا مِنْ خَزَائنِ رَحْمَتِكَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِين

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jun 2003
    المشاركات
    4,020
    بارك الله فيك
    إلهنا واجبٌ لولاه ما انقطعت
    آحاد سلسلة حفَّــت بإمكـانِ



    كتاب أنصح بقراءته: سنن المهتدين في مقامات الدين للإمام المواق
    حمله من هنا

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •