بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ثم أما بعد،
فهذا توضيح لبعض المفاهيم التي حصل فيها خلط في هذا العصر، فيما يتعلق بحكاية الأقوال المخالفة لأهل السنة والجماعة للناس، كما أننا نحكي أقوالا في المسائل الفرعية تناسب أحوال المكلفين أكثر من غيرها.

ظنية المسائل الفرعية:
ذلك أن هناك فرق بين المسائل الفقهية، التي طبيعتها الظنية، من حيث ثبوت الكثير من النصوص المستدل بها، ومن حيث ظنية دلالات الألفاظ والتراكيب، فمع وجود الخلاف أصولي في هل هناك صواب في نفس الأمر في المسائل الفروعية -وهو قول المخطئية- أو أن لا صواب في نفس الأمر وكل مجتهد يعمل بظنه -وهو قول المصوبة- إلا أن محل اتفاق هو أنه قد خفي علينا حقيقة المسائل، أيها الصواب لو هناك صواب، أو هل الاجتهاد الذي سلكه المجتهد صحيح، لو لا صواب.
فالمسائل الفرعية هي مسائل ظنية، والطريق إليها ظني، ولا نعرف الصواب فيها، فجاز العمل بقول كل مجتهد، سلك طريق الاجتهاد الصحيح في المسألة.


قطعية المسائل الأصلية:
أما المسائل العقائدية، فالمطلوب في الاعتقاد هو القطع، ومن ثم كان المعتبر في المسائل العقائدية أن تبنى على أدلة قطعية، من صحيح العقل، ومن الإجماعات القطعية، ومن النصوص القطعية كالقرآن الكريم والمتواتر من السنة، التي دلالاتها قطعية.
ثم أهل السنة والجماعة حرروا هذه المسائل، وبينوا فيها الصواب، أي المسائل الثابتة يقينا من الدين بالأدلة القطعية.
ومن ثم كان المخالف لأهل السنة، هو مخالف في مسائل لا يصح فيها الخلاف أصلا، وقوله باطل نسبته إلى الفهم الصحيح للدين، لأنه مخالف للأدلة القطعية.



صحة نسبة الفرعيات للفهم الصحيح للدين:
فنحن في الخلاف الفروعي، لا نقول على قول المجتهد الذي نتبعه: إن قوله صحيح، ومقابله باطل لا يصح نسبته إلى الفهم الصحيح للإسلام، لأن المسائل الفقهية ظنية ويبقى هناك حظ من النظر لذلك المجتهد، فلذلك صح لنا أن نتبنى قولا، ومع ذلك نحكي أقوالا أخرى، لأننا حتى لو رأينا خطأها، فنفس موافقنا كلها ظنون، وتخطئية المخالف هذا هو في أمر ظني، فهناك إمكان لأن يكون في نفس الأمر قوله صحيحا.
وعليه ففهم ذلك المجتهد المسلم له الاجتهاد ، هو فهم يصح نسبته إلى الفهم للدين، وأنه من جملة الأفهام المقبولة.



عدم صحة نسبة المخالف في أصول الدين للفهم الصحيح للدين:
أما في الخلاف الأصلي، فالمخالف مخطئ قطعا، وقوله باطل قطعا، ولا وجه له ولا دليل، وإنما هي شبهة اشتبهت عليه، ولا يصح أن ننسب فهمه هذا إلى أنه فهم صحيح للإسلام، بل هو فهم باطل، فقط نحكي قوله لنرد عليه.

ولا يلزم من هذا أننا نكفر هذا القائل أو أن القول كفري، فإن شروط التكفير تختلف عن التخطئة هذه، ويحتاج لأن يكون قوله هذا فيه مصادمة لأصول الإذعان والتسليم والتعظيم لله تعالى ورسوله ودينه، حتى يكون قولا كفريا، وقد فصل الغزالي رضي الله عنه القول في هذا، في فيصل التفرقة بما لا مزيد عليه.

وكذلك ليس كل قول قيل به في كتب علم الكلام هو بالضرورة مسألة عقائدية اتفاقية عند أهل السنة، يبدع مخالفها، بل هناك مسائل فلسفية فرعية، يختلف فيها أهل السنة مع بعضهم البعض، لا تقدح في اعتقادهم، لأنها تكون داخلة ضمن ومفصلة للقدر المتفق عليه المجتمع عليه من عقائد أهل السنة، ولو فرضنا أنها خالفت شيئا من هذا، لكانت أقوالا باطلة حتى لو قالها بعض كبائر أهل السنة، لمخالفتها للقطعي من العقل والنقل.




الإرشاد إلى القول الضعيف في الفروع:
ففي الخلاف الفروعي، يصح أن يقال: نرشد الشخص الفلاني إلى القول الفلاني الذي هو أوفق بحاله، فإن شخصا ربما ابتلي بأمر ويعسر عليه جدا فعله، والمسألة الفروعية من حيث هي محتملة، فالقول المانع والقول المجيز كلهما لهم نسبة صحيحة للفهم الصحيح للدين، من حيث إنها اختلافات فروعية من مجتهدين، في أمور ظنية.

وربما كان قولا أقوى وآخر أضعف، ولكن يبقى أنه طالما قاله مجتهد عن اجتهاد صحيح، أنه يقول يصح تقليده والعمل به، وحكايته كفهم مقبول في المسائل الظنية، فهذا الضعيف له نسبة إلى الفهم الصحيح للدين، اللهم إلا لو خالف المجتهد بعض القطعيات، من نص لا يحتمل تأويل، أو إجماع أو قياس جلي، فوقتها يردونه، لأنه لا عبرة بالظن الذي تبين خطؤه.




عدم صحة الإرشاد إلى القول المخالف لأهل السنة:
وأما في المسائل العقائدة، فلا معنى لأن نرشد إلى قول مخالف لأهل السنة، لأن معنى مخالفته لأهل السنة يعني أنه قول باطل لا تصح نسبته إلى الفهم الصحيح للدين، فهو قول مخالف للقطعي من العقل والنصوص والإجماع، لأن أقوال أهل السنة كما سبق أن بينا: هي تلك الأقوال التي اتفق عليه السلف، وأجمعوا عليها، وأدلتها قطعية، عقلية كانت أو نقلية.



فالحاصل أن :
فالمسائل الفرعية صح فيها الإرشاد إلى بعض الأقوال التي فيها ضعف، لأنها مع ضعفها، لها نسبة صحيحة للفهم الصحيح للدين، فهي فهم ظني من مؤهل في مسألة ظنية.

أما المسائل العقادية الأصلية، المخالفة لأهل السنة، فلا نسبة لها إلى الفهم الصحيح للدين، بل هل باطلة وخطأ في نفسها، وهي كذلك تناقض مسائل أخرى ثابتة بالدليل القطعي، ويستحيل التناقض في القطعيات.

فمن يشرد إلى قول مخالف لأهل السنة، فهو يرشد إلى قول في نفس الأمر باطل، نقطع بأنه باطل، ونقطع ببطلان نسبته إلى صحيح الدين، مناقض لأقوال أخرى مقطوع بها.


والله الهادي إلى سواء السبيل.