بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد أفضل الأنبياء والمرسلين، وبعد
فإن الحاجة إلى بيان قول أهل السنة في مسألة التكفير والتبري من أهل الأهواء والبدع مسألة مهمة، لا بد من بيانها، خاصة مع ما انتشر فيها من تعصب وتأويل بلا علم لبعض ما نقل عن المتقدمين، مما قد يستدعي إذا ترك بلا تحقيق ازدياد الفتنة وانقسام أهل السنة.
وسوف أكتفي بذكر نبذ كافية لطالب الحق النزيه، وأدعو الله تعالى أن يوفقني إلى كتابة رسالة خاصة أفصل فيها في ذكر الأقوال وتحريرها، فالأمر بذلك حقيق.
والله المستعان، وعليه التكلان، ومنه التوفيق.
اللهم لا تجعل في كلامنا انحرافا عن الجادة ولا ليا لأعناق الأقوال لما نرغب به أو نهرب عنه، بل أن نكون خاضعين للحق كائنا ما كان.
هذا ذكر أقوال بعض علماء المذهب الأشعري من المتقدمين والمتأخرين، في مسألة التكفير لأهل الأهواء والبدع من أهل القبلة، بنقل موثق، وبعض التعليقات التي توضح معنى كلمات هؤلاء الأكابر، وتبين حقيقة مواقفهم وأقوالهم.
وسوف أقتصر على ذكر بعض ما لديَّ في هذا الباب، مهما رأيته كافيا بإذن الله تعالى.
قال الإمام البيهقي في سننه الكبرى (10/207):"20688 أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو محمد المزني قال سمعت يوسف بن موسى المروروذي سنة خمس وتسعين ومائتين يقول كنا عند أبي إبراهيم المزني بمصر جماعة من أهل خراسان وكنا نجتمع عنده بالليل فنلقي المسألة فيما بيننا ويقوم للصلاة فإذا سلم التفت إلينا فيقول أرأيتم لو قيل لكم كذا وكذا بماذا تجيبونهم ويعود إلى صلاته.
فقمنا ليلة من الليالي فتقدمت أنا وأصحاب لنا إليه فقلنا: نحن قوم من أهل خراسان وقد نشأ عندنا قوم يقولون القرآن مخلوق ولسنا ممن يخوض في الكلام ولا نستفتيك في هذه المسألة إلا لديننا ولمن عندنا لنخبرهم عنك بما تجيبنا فيه. فقال: القرآن كلام الله غير مخلوق ومن قال إن القرآن مخلوق فهو كافر.
قال الشيخ رحمه الله: فهذا مذهب أئمتنا رحمهم الله في هؤلاء المبتدعة الذين حرموا التوفيق وتركوا ظاهر الكتاب والسنة بأرائهم المزخرفة وتأويلاتهم المستنكرة."اهـ
أقول:
أبو محمد المزني هو محمد بن عبد الله المزني وهو من مشايخ الحاكم.
وأما يوسف بن موسى فقد قال الذهبي في تاريخ الإسلام (22/327):"يوسف بن موسى المروروذي القطان حج وحدث بالعراق عن ابن راهويه وأبي معمر القطيعي وأحمد بن صالح المصري وعنه ابن عقدة وأبو بكر الشافعي وجماعة من آخرهم أحمد بن يوسف بن خلاد وثقه الخطيب ومات سنة ثلاث وتسعين."اهـ
فهذا الخبر فيه نقل إطلاق التكفير على من قال إن القرآن مخلوق، عن أئمة كبار، وليس لأي واحد أن يفهم هذا الإطلاق على ما يراه دون أن يستأنس بأفهام العلماء، بل يرجع فيه إلى العلماء الأعلام الذين هم قادرون على تحقيق مراد هؤلاء المجتهدين.
فإن فهم كلام الأئمة يجب فيه الرجوع إلى أصحابهم الذين عندهم القدرة على تحقيق معانيهم، وتنقيح كلامهم.
نعم بعد أن يبلغ الواحد في العلم مرتبة فله أن يقول برأيه، إذا اطرد عنده سلامة فهمه، ولهذا ضوابط ليس هنا محل ذكرها.
ولذلك فإننا سوف نهتم بنقل كلام العلماء في هذا الباب، وإن أضفنا إليه شيء من توضيح أو تبيين، فندعو الله تعالى أن نكون مصيبين، وغالبا ما لن نضيف إلا ما رأيناه عند أكثر من عالم معتمد في قوله وفهمه، ولن نتسرع في فهم أو رأي، دفعا للهوى عن النفس، والتزاما بالطريق الأَسَدِّ.
فهل إطلاق الكفر هنا لا يراد به إلا الكفر المخرج عن الملة، المستلزم للحكم على من كفرته بأنه خالد في النار، وما التفصيل في القول بأن القرآن مخلوق، هل المراد به أن من نفى صفة الكلام يكفر كفرا مخلدا له في النار في الآخرة، أو أنه يتلبس بالبدعة التي يطلق عليها العديد من العلماء اسم الكفر، بل ورد ذلك أيضا في الأحاديث النبوية والشريفة، وكلام المتقدمين.
وما المراد بأن القرآن كلام الله هل المراد به الحرف والصوت، أو الكلام النفسي القائم بالذات القديم الذي لا يتصف بالحدوث والطروء، ولا التغير، وليس مؤلفا من حرف وصوت..الخ.
هذه بعض المباحث التي يجب على من يريد البحث في هذه النصوص أن يبحثها ويحققها، ولا شك أن تحرير ذلك يستوجب علما كبيراً، لا يقوم به إلا الأعلام من العلماء، ولذلك فإن علينا الالتزام بأفهامهم ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، خصوصا إذا كان الفهم مطردا مع القواعد، ومنتشرا بين الأعلام، بلا استنكار.
ولذلك فلنقرأ بعناية ما قاله العلماء.
يتبع.....