مقدمة العلم ومقدمة الكتاب ومبادئ العلم
[ALIGN=JUSTIFY]الفرق بين المقدمة وبين المبدأ
المقدمة على نوعين
الأول: مقدمة الكتاب، والثاني: مقدمة العلم.
فمقدمة الكتاب اسم لطائفة قدمت أمام المقصود لارتباط له بها وانتفاع بها فيه سواء توقفت عليها أم لا. فمقدمة الكتاب اسم للألفاظ المخصوصة الدالة على المعاني المخصوصة.
ومقدمة العلم ما يتوقف عليه الشروع في مسائله من معرفة حده وموضوعه وغايته. فمقدمة العلم اسم للمعاني المخصوصة.
والشروع في العلم إنما يتوقف عند السعد على التصور بوجه ما والتصديق بفائدة ما، ألا ترى أن كثيرا من الطالبين يحصل كثيرا من العلوم كالنحو غيره مع الذهول عن رسمها وغايتها وتمي العلم عند الطالب لا يتوقف على بيان الموضوع، بل قد يحصل بجهات أخر. نعم تمايز العلوم في أنفسها بتمايز الموضوعات. والفرق ظاهر.
قال صاحب دستور العلماء(3/142):"المبادئ هي التي يتوقف عليها مسائل العلم، وهي إما تصورات أو تصديقات، أما التصورات فهي حدود الموضوعات وأجزاؤها وجزئياتها وأعراضها الذاتية.
وأما التصديقات فإما بينة بنفسها وتسمى علوما متعارفة، وإما غير بينة بنفسها . فإن أذعن المتعلم بها بحسن الظن على المعلم سميت أصولا موضوعة، وإن تلقاها بالإنكار والشك سميت مصادرات. "اهـ
وذكر العلامة السعد في حاشيته على الشرح العضدي أن مبادئ العلم :"ما هو المصطلح من التصورات والتصديقات التي ينبني عليها المسائل"اهـ
وقال أيضا :"جرت العادة بتصدير كتب الأصول بمباحث خارجة عن المقاصد يسمونها المبادئ تكون جزءا من الكتاب دون العلم."
ثم قال:"على أن من المبادئ ما هو جزء بالحقيقة كالتصورات والتصديقات المأخوذ منها مما منه الاستمداد، فإطلاق المبادئ على الأمور المذكورة أيضا تغليب."اهـ
ونقل الشريف الجرجاني في حاشيته على الشرح العضدي عن البعض:"أن مبادئ العلم بمعنى ما يتوقف عليه ذات الشيء المقصود منه أعني التصورات والتصديقات التي يبتنى عليها إثبات مسائله قد تعد جزءا منه، وأما إذا أطلقت على ما يتوقف عليه ذاتا أو تصورا أو شروعا –كما فعله المصنف-فليست بتمامها من أجزائه، فإن تصور الشيء ومعرفة غايته خارجان عنه."اهـ
وقال صاحب دستور العلماء في (3/217):"مقدمة العلم هي ما يتوقف عليه الشروع في مسائله، سواء توقف نفس الشروع عليه كتصوره بوجه ما والتصديق بفائدة ما، أو الشروع على مجه البصيرة كمعرفته برسمه والتصديق بفائته المترتبة عليه المعتدة بها بالقياس إلى المشقة عند الشارع. والتصديق بموضوعية موضوعه وغير ذلك من الرؤوس الثمانية المذكورة في آخر تهذيب المنطق.
ومقدمة الكتاب: طائفة من الكلام تذكر قبل الشروع في مقاصد لارتباطها به ونفعها فيها سواء توقف عليه الشروع أو لا.
والكتاب إما عبارة عن الألفاظ أو المجموع منهما، والذكر ليس بمختص باللفظ كما وهم، فإن كلا من اللفظ والمعنى يوصف بالذكر. وفي الكتاب احتمالات أخر لكنها لا تخلو عن تكلف وارتكاب مجاز وإنما ذكر مقدمة الكتاب العلامة التفتازاني في المطول ولهذا قال السيد السند رحمه الله تعالى :هذا اصطلاح جديد أي غير مذكور في كلام المصنفين لا صراحة ولا إشارة بأن يفهم من إطلاقاتهم.
ولما أثبت مقدمة الكتاب اندفع الإشكال عن كلام المصنفين في أوائل كتبهم مقدمة في تعريف العلم وغايته وموضوعه. وتحرير الإشكال أن الأمور الثلاثة المذكورة عين المقدمة العلم فيلزم كون الشيء ظرفا لنفسه، وتقرير الدفع أن المحذور يلزم لو لم يثبت إلا مقدمة، ولما ثبت مقدمة الكتاب أيضا اندفع ذلك المحذور، لأنا نقول المراد بالمقدمة مقدمة الكتاب وتلك الأمور إنما هي مقدمة العلم ، فمقدمة العلم ظرف لمقدمة الكتاب، والمعنى أن مقدمة الكتاب في بيان مقدمة العلم، وإن أردت ما عليه فارجع إلى حواشي السيد السند قدس سره على المطول.
ولا يخفى على من له مسكة إن ما ذكره السيد السند قدس سره من أن هذا اصطلاح جديد ليس بشيء لأن إطلاق المقدمة على طائفة من الكلام إلى آخره يفهم من إطلاقات الكتاب التي ذكرناها في تحقيقه، فذلك الإطلاق ثابت فيما بينهم فافهم واحفظ. "اهـ
قال الإمام العلامة التفتازاني في الشرح المطول:"والمقدمة مأخوذة من مقدمة الجيش للجماعة المتقدمة منها من قدم بمعنى تقدم، يقال مقدمة العلم لما يتوقف عليه مسائله كمعرفة حده وغايته وموضوعه. ومقدمة الكتاب لطائفة من كلامه قدمت أمام المقصود لارتباط له بها وانتفاع بها فيه سواء توقف عليها أم لا.
ولعدم فرق البعض بين مقدمة العلم ومقدمة الكتاب أشكل عليهم أمران احتاجوا في التفصي عنهما إلى تكلف. أحدهما بيان توقف مسائل العلوم الثلاثة على ما ذكر في هذه المقدمة....الخ"اهـ
قال الشريف الجرجاني في حاشيته عليه:" أثبت في هذا الكتاب مقدمة العلم وفسرها بما هو المشهور في الكتب ومقدمة الكتاب وهو اصطلاح جديد لا نقل عليه من كلامهم ولا هو مفهوم من إطلاقاتهم.
والذي حداه إلى ذلك أمران كما يشهد به عبارته
أحدهما: دفع الإشكال عما وقع في أوائل الكتب من قولهم مقدمة في تعريف العلم وغايته وموضوعه، فإنه لو لم يثبت إلا مقدمة العلم لزم كون الشيء ظرفا لنفسه، فإن هذه الأمور عين مقدمة العلم، وإذا جعل مقدمة العلم ظرفا لمقدمة الكتاب يندفع الإشكال.
وثانيهما: أن يستغني بذلك عن بيان توقف مسائل العلوم الثلاثة على ما ذكره المصنف في هذه المقدمة من بيان الفصاحة والبلاغة وما يتصل به مع أن السكاكي أورده في آخر علمي المعاني والبيان ، وإذا حمل هذه المقدمة على مقدمة الكتاب بالمعنى الذي فسرها الشارح به، لم يحتج إلى بيان التوقف. فظهر صحة التقديم والتأخير.
واعلم أن الشارح ذكر في شرحه للرسالة الشمسية أن مقدمة الكتاب ما يذكر فيه قبل الشروع في المقاصد لارتباطها به . وهي ههنا ثلاثة أمور.
الأول: بيان الحاجة إلى الميزان، ثم قال :"وأما ما ذهب إليه الشارحون من أن المراد بالمقدمة ههنا ما يتوقف عليه الشروع في العلم ففيه نظر، لإمكان الشروع بدون هذه الأمور الثلاثة. وما ذكروه من البصيرة فليس أمرا مضبوطا يقتضي الاقتصار على ما ذكروه".هذا كلامه.
ويظهر لك منه أن ما جعله في هذا الكتاب مقدمة العلم من الحد والموضوع والغاية جعله في شرح الرسالة مقدمة الكتاب بالتفسير الذي ذكره ههنا. ونفى توقف الشروع في العلم على هذه الأمور فحينئذلا يثبت عنده إلا مقدمة الكتاب فقط، ويحتاج في توجيه قولهم المقدمة في حد العلم وغايته وموضوعه إلى تكلف، لأن هذه الأمور عين مقدمة الكتاب بالمعنى المذكور، كما احتاج إليه من أثبت مقدمة العلم فقط على ما بينه.
وإن شئت زيادة توضيح للحال فاستمع لما يتلى عليك من المقال:
فنقول:
إن أسماء العلوم المدونة كالصرف والنحو والمعاني وغيرها قد تطلف على معلومات مخصوصة وقد تطلق على إدراكاتها كما ينبئ عنه مواضع استعمالاتها. ثم إن كل علم منها بالمعنى الأول عبارة عن معان مخصوصة تصديقية وتصورية. والشروع في تحصيل تلك المعاني وإدراكاتها على بصيرة يتوقف كما هو المشهور على إدراك معان أخر تصورية وتصديقية، فإذا أريد أن يعبر بالألفاظ عن المعاني الأولى والثانية تعليما وتفهيما، وجب تقديم الألفاظ الدالة على المعاني الثانية الموقوف عليها، على الألفاظ الدالة على المعاني الأولى المقصودة، ليفهم الموقوف عليها أولا، فيشرع في إدراك المقاصد ثانيا. وكذا إذا أريد الدلالة علهما بالنقوش الدالة على المعاني بتوسط العبارات أعني الكتابة كان تقديم ما بإزاء الموقوف عليها واجبا."[/ALIGN]
وليس لنا إلى غير الله تعالى حاجة ولا مذهب