السلام عليكم
وأما الخط اللاتيني فهو في أصله يعود إلى الخط الإغريقي والذي بدوره أشتق من الخط الفينيقي ,فالإغريق أخذوا عن الفينيقيين في عام 403 ق.م أبجديتهم وطوروها حيث صار لديهم أبجدية خاصة بهم والتي أصبحت أساسا للأبجدية في الغرب، ثم جاء الرومان فأخذوا الأبجدية الإغريقية، فأبقوا على بعض الأحرف كما هي (حوالي إثنا عشر حرفاً) وعدلوا سبعة أحرف، كما أعادوا استعمال ثلاثة أحرف كان قد بطل استعمالها، فيما عرف باللغة اللاتينية، وقد سادت الأبجدية الرومانية واللغة اللاتينية بلاد أوروبا بعد سيطرة الإمبراطورية الرومانية على بلاد الغرب.
وعدد أحرف اللاتينية الكلاسيكية لا يزيد على ثلاثة وعشرين حرفًا, وبعد تعديل الإنكليز أصبحت حروف اللغة الإنكليزية ستة وعشرين حرفًا, ولا يخفى على أحد وجود تكرار للحرف المنطوق بشكل مغاير للآخر.
والغريب في الأمر أنه بعدما دخل المسلمون الأندلس، لم تمض ثلاثون سنة حتى أصبح الناس يخطون الكتب اللاتينية بأحرف عربية،تاركين الخط اللاتيني وكارهونه. وما انقضى جيل واحد حتى ألجأتهم الحاجة إلى ترجمة التوراة وقوانين الكنيسة إلى العربية؛ ليتمكن رجال الدين أنفسهم من فهمها.
وهنالك لم يقل أحد بعدم صلاحية الحروف العربية لكتابة اللغة اللاتينية.
وبعد ثمانية قرون حدث أن ” كان المتنصرون من المغاربة في ذلك العهد– أيام محاكم التفتيش – يكتبون العربية بأحرف أسبانية، وهم أذلاء محتقرون من أنفسهم ومن المسيحيين، فحظر عليهم فيليب الثاني سنة 1556 استعمال العربية“. إنما يتذكر أولوا الألباب.
والذين ينادون بتبديل الحروف العربية وكتابتها بالحروف اللاتينية, فحالهم حال الذين قال الله بهم:" أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ",فهم يستبدلون الخط اللاتيني بالخط العربي,وهو استبدال الدنيّ بالعليّ, والقبيح بالحسن.
وهؤلاء لم يكن لهم صوتٌ مسموع ولم يجدوا أذانًا لهم صاغية,ولم يبيحوا ما في صدورهم من غل وحقد على العربية في زمن الدولة الإسلامية,رغم نهيق بعضهم في تلك الحقبة الزمنية,ومن الغريب أيضًا أن أول من أعلن نيته في استبدال الخط اللاتيني بالخط العربي هو الشاعر العربي العراقي جميل صدقي الزهاوي والذي يعود نسبه إلى القبيلة العربية بني مخزوم, والذي نشر اقتراحاً له في مجلة المقتطف في سنة 1896, أسماه "الخط الجديد",ووضع أشكالًا غريبة شاذة.
أقول كما قال الشاعر:
[poem font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
لقد أسمعت لو ناديت حيًا=ولكن لا حياة لمن تنادي [/poem]
وأسأل شاعرنا العربي القح كيف لو كتبت شعرك بالخط الطلاسمي هذا؟؟.
وقد مهّد شاعرنا العظيم هذا الطريق أمام العابثين بالخط العربي,وشجعهم على إشهار ما في صدورهم ,فأطل علينا داود الجلبي الموصلي“ بهامته ونشر في عام 1905 رسالة بالتركية في ”استانبول“ حث فيها الترك والعرب والإيرانيين على استعمال الحروف اللاتينية.
بعدها برزت دعوة المستشرق الفرنسي" لويس ماسينون" وقال محاضرة ألقاها في عام 1929 : " لا حياة للغة العربية إلا إن كتبت بحروف لاتينية".
وجاء الأب أنستاس الكرملي الذي عارض في البداية فكرة الكتابة بالخط اللاتيني,ثم وافق بعدها واقترح تصورًا للحركات,فالفتحة تكتب بالفٍ, والكسرة بياءٍ, والضمة بواوٍ ,واقترح أشكالاً جديدة للحركات الأوربية التي لا نظير لها في اللغة العربية مثل u,e,o.فعلاّم يدل هذا؟
وفي عام 1929 نشرت مجلة " لغة العرب" السؤال الآتي: " ما رأيكم في تبديل الحروف العربية من الحروف اللاتينية"؟,وجاء جواب الأب أنستاس الكرملي على النحو الآتي:" أن في تصوير كلامنا العربي بحروف لاتينية منافع ومضار".إلى أن قال:" ونحن نرى أنه يأتي يوم تشيع لغة واحدة في العالم كله، وهذه اللغة تكون لسان الأمة القهارة الجبارة.. إذن لابد من كتابة العربية بحروف لاتينية، شئنا أم أبينا".
وقد رد عليه محمد مسعود ردًا بليغًا شديد اللهجة,فهو _محمد مسعود_ يرى أن في الحروف العربية ميزات لا تتوافر في غيرها من اللغات, وأهمها الإختصار,وأقل إلمام باللغة يُغني القارئ _أوالكاتب_ عن الشكل الكامل,فلا يحتاج إلا إلى بعض الحركات توضع على حرف واحد أو حرفين في كل بضع كلمات,مرشدًا إلى الصواب في النطق,ووافيًا على كل حال من مزالق الأخطاء.وأن العربية نفسها فيها من الحروف ومن الأصوات ما لا يوجد له نظير ولا مقابل في اللغات الأوربية .
فالعربية لا تكتب إلا بحروف عربية,وغير ذلك تنقطع بلغة العرب الأسباب, وينثلم جدار القومية العربية,وتُحل أواصر الدين,بل وتعمل فيه معاول الهدم والتدمير.
وكان من المتحمسين لفكرة الإستبدال عبد العزيز فهمي, والطامة الكبرى أنه عضو في مجمع اللغة العربية, وفي جلسته المنعقدة في بداية عام 1944,قدم رسالته بعنوان " اقتراح اتخاذ الحروف اللاتينية لرسم الكتابة العربية",وتصدى له أعلام فذة وفندوا ما يزعم وبيّنوا قُبح ما يهذي, ومنهم: محمد كرد علي، وإسعاف النشاشيبي، وإسماعيل مظهر.
وتعالت بعض الأصوات تنادي وتجهر باستبدال الخط اللاتيني بالخط العربي ,ووجدت هذه الدعوة أصداءً لها :
1."إبراهيم حمودي الملا " وكتابه "طباعة اللغة العربية بالحروف اللاتينية"
2."عثمان صبري" و كتابه " نحو أبجدية جديدة"
3."الجنيدي خليفة" وكتابه " نحو عربية أفضل"
4."سعيد عقل"
5."أنيس فريحة"
فأخونا _أبرهام_ إبراهيم الملا هذا وضع في كتابه " طباعة اللغة العربية بالحروف اللاتينية " الذي كتبه في عام 1956اقتراحًا للحروف اللاتينية التي يمكن أن تحل محل العربية,وإليكم نموذجًا لترونها,فهي أقبح من رؤوس الشياطين:
التلفظ بالحروف اللاتينية a a aa b t th j h
الحروف المقترحة i ! i1 b tْ x j G
الحروف العربية أ إ آ ب ت ث ج ح
وأما عثمان صبري والذي شغل منصب وكيل محكمة إستئناف ألف كتابًا في عام 1964,أسماه"نحو أبجدية جديدة", ومما قال فيه هذا الألمعي وعلى صفحة الغلاف:" دراسة عامة لتاريخ الكتابة وعيوبها، تنتهي باقتراح أبجديتين صوتيتين مثاليتين، مطلوب من القارئ أن يختار إحداهما لتستعمل بدلا من الأبجدية الحالية التي ساعدت على تفشي الأمية، وتعوق سير العلم والحضارة في العالم العربي".اهـ
والجنيدي , والذي هو خريج الزيتونة وإن كان على خجل وتمنّع أن يقول ما قاله أقرانه في تغيير الحروف,فقد تألق باقتراح أغرب من العنقاء وأشنع من الغول,والذي أبقى الحرف العربي كما هو مع التعبير عن الحركات بأرقام يوضع في عقب كل حرف للدلالة على الحركة، كما يأتي:
للضمة رقم 1,فنكتب كلمة قُم : ق1م
وللفتحه رقم2,فمثلًا كلمة قَلْب,تكتب:ق1ل5ب
وللكسرة رقم3,فتكتب كلمة عِلم :ع3ل5م
وللتضعيف رقم4,ونكتب كلمة عمّر:عم24ر
وللسكون رقم 5,فكلمة سعْد,تكتب: س2ع5د
أرأيتم بالله عليكم أشنع من هذا؟,وأقبح من هذه الأشكال؟؟؟
وأما سعيد عقل ومحاولته العقيمة في الإصرار والتصميم على الكتابة بالحرف اللاتيني ,فهو قام بالكتابة فعلًا بالخط اللاتيني,فكان كتابه"يارا" الذي لم ير أي نجاح ومات كمتًا, فعاد بخفيّ حنين, وكتب بالحرف العربي.
وأنيس فريحة الذي طار فرحًا باقتراح عبد العزيز فهمي وتبناه ، وهو يعتبر الخط اللاتيني الحل (الوحيد) لمشكلة ا لخط العربي, ويعدد مزاياه في أنه حرف (جميل) شائع عالميا، وأنه (مثالي) ، يحل مشكلة الحركات، وييسر الاقتباس من اللغات الأجنبية.
إشــهـــد أن لا إلـــــه === إلا الله فـــــــي الآزل
صــلِ لـلـفـرد الأحـــد === فيهـا خشـوع وعمـل
صــم رمـضـان الــذي === فـيــه الـقــرآن نـــزل
زكِ النـفـس والـمــال === فـيـهــا أمــــر جــلــل
حـــــــج بـــيــــت الله === لـو مـرة فـي الآجــل
هـا أنـت مسـلـم قــد === صنت النفس من زلل