بسم الله الرحمن الرحيم
يا للعود ما أحمده وألذّه بصحبة العقلاء.
إخواني الأحبة،
كلام الشيخ سعيد في الجواب عن أسئلة أحمد دقيق جداً، فيه إشارات لطيفة أرجو ممن لحظ شيئاً منها أن يبسطها ويوسّع دائرة البحث فيها. وقبل أن أعلق على كلامه أود أن أبدأ بآخر ما سأل عنه أحمد.
قال: [س1 / هل الضوء شرط وجود اللون أم شرط ظهور اللون؟]
الجواب: اللون المدرك هو عين الضوء المدرك ولا يكون الشيء شرطاً لوجود نفسه، ولا لظهورها.
قال: [س2 / هل الضوء الساقط على جسم معين يتجدد باستمرار أم لا؟]
الجواب: نعم، الضوء الساقط على جسم معين هو عبارة عن موجات تتحرّك من محلّ صدورها أو انعكاسها إلى مسقطها الذي هو الجسم ههنا، وتبقى تتعاقب عليه ما دام المصدر فاقداً لها والجسم كاسباً. والذي فهمته منك هو أنك تسأل عمّا إذا كان شعاع الضوء الذي ندرك وصله مصدره بمحلّ سقوطه هل هو شيء واحد ثابت كخيط مشدود بين وتدين أم أشياء كثيرة متغيّرة متعاقبة كموجات الماء المنتقلة من محلّ تولّدها إلى مسقطها. فإن كان هذا هو ما أردته، فقد علمت الجواب.
قال: [س3 / إن كان يتجدد مع كونه شرطا لوجود اللون، ألا يساعد ذلك على إثبات أن عرض اللون لا يبقى زمانين؟]
الجواب: الضوء يتجدد، وليس شرطاً لوجود اللون، ولو ثبت ذلك لساعد، وقد أبعدت. لأنّه لو صحّ ما ادعيت لما ثبت غير أنّ عرضاً واحداً مشروط بمتغيّر، والمشروط بالمتغيّر متغيّر، فهذا العرض متغيّر. فأين ما يثبت الحكم لبقيّة الأعراض.
ولو تأملت كلام الشيء لوجّدته يحثّك على سبر ماهية العرض باحثاً عن صفاته الذاتية فإن كان التغيّر جزء حقيقته فقد وصلت، وإلا فاستقرئ ما يخطر ببالك من الأعراض فإن وجدت أن جميع الأعراض التي سبرتها تعود إلى الحركة، فقد ثبت على غلبة الظنّ أنّ العرض لا يبقى زمانين لأنّ الحركة كونين في زمانين في مكانين، فنفس مفهومها يمنع من بقائها زمانين.
قال: [س4 / الجسم إذا تكيف بكيفية معينة، هل عند تحرك الجسم من حيزه تتجدد الكيفية أم تنتقل بالتبعية لانتقال الجسم؟]
الجواب: اعلم أنّ الاستقرء دلّ على انحصار الكيفيات في المحسوسة والنفسانية والمختصة بالكميّات والكيفيّات الاستعداديّة. وكلامك كلّه كما رأيت على المحسوسة. وهي إما راسخة وتسمى الانفعاليّات، أو غير راسخة وتسمّى انفعالات لانفعال الحسّ عنها ولغير ذلك. وهي تنقسم بانقسام الحواس الخمس الظاهرة إلى الملموسات والمسموعات والمبصرات، والمذوقات والمشمومات.
وإذا كان الكلام في اللون، فهو كيفية مبصرة، واقعة تحت الكيفية المحسوسة، وهي تحت جنس الكيف المطلق.
فإذا كان كلامك في الكيفيات المحسوسة فإن كانت راسخة فالظاهر أنها تنتقل، وإن لم تكن كذلك فلا تنتقل لا لأنّ الانتقال علّة ذلك بل قد لا يكون. أي قد يكون عدم انتقالها بسبب عدمها أو تغيّرها لعلّة أخرى غير نفس الانتقال.
وعندي أنّ كلّ كيفيّة محسوسة فهي متغيّرة عادة سواء كانت راسخة أو لا. لأنّ رسوخ الكيفيّة كصفرة الذهب إنّما هو للصفرة لا لمصداقها المتشخص.
واعلم يا أحمد أنّه في الحقيقة ليس ثمّة لون للشيء في نفس الأمر، بل إدراكنا للحمرة مثلاً هو انفعالنا لموجة الضوء الساقطة على شبكيّة العين ذات التردد المعيّن والطول المعيّن. فصحيح البصر ينفعل له بما يسميه أحمر، وغيره كالمعتلّ بعمى الألوان مثلاً يراه والأخضر لوناً واحداً بينهما كالبنيّ. وهذا انفعاله عن تلك الأمواج. فانفعالنا تابع لأطياف الضوء المرتدة عن الجسم المرئيّ، كما نبه عليه جمال، وامتصاص الجسم لبعض الأطياف دون بعض تابع لوضع أجزائه بالنسبة لبعضها. ألا ترى قطعة بلاستيكية خضراء أو حمراء لو ثنيتها لتغيّر لون محلّ الثني.
فهذه استثارات لعاصفة في عقلك أرجو أن أراها تطيّرني أكثر لأعلى.
وأخيراً فأنت فضلاً عما قلته من قبل فيك أحد أسباب طيران قلبي فرحاً فكيف تكون مصدر إزعاجي.
وهذا ما تيسّر الآن، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأخ الفاضل جمال،
قولك: (بالمختصر---فأن العرض ينتقل من جسم الى اخر سواء كله او جزء منه)
أرجو أن تتأمل جيداً جواب الشيخ سعيد عن هذه النقطة. وسأعيده حين أبلغ موضعه من كلامه إن شاء الله تعالى.
ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحقّ وأنت خير الفاتحين